قبل ثلاث سنوات تقريبا، وصلني بالبريد فيلم وثائقي من الولايات المتحدة، مخرجته ناشطة حقوقية وسياسية أمريكية ذات ميول يسارية، وكان إسم الفيلم على ما أذكر quot;الفاشية الأمريكيةquot;، وهو من النوع الوثائقي، وقد قام على الجمع بين مشاهد تصور فضائع الحروب الأمريكية في بؤر التوتر كالعراق وأفغانستان والصومال، خصوصا ضد المدنيين الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، وأخرى تتابع حركات الاحتجاج الشعبي التي اندلعت ضد إدارة الرئيس بوش في أماكن متفرقة من العالم.
وقبل أيام ظهر على الصفحة الأولى من جريدة quot;دي فولكس كرانتquot; الهولندية اليومية الأوسع انتشارا، إعلان مدفوع الأجر، وقف وراءه الناشط والمثقف الهولندي المعروف quot;هاري دي فينترquot;، يتكون من نص مقتضب ترجمته إلى العربية قد تكون ما يلي: quot; إذا كان خيرت فيلدرز قادرا على أن يقول حول التوراة واليهود ما قاله حول القرءان والمسلمين دون أن يلاحق بتهمة العداء للسامية، فسيكون كلامه ذا مصداقيةquot;.
ويملك أي مهتم غير متخصص في اللاهوت والسينما، القدرة على أن يجمع مشاهد من النشرات الإخبارية التلفزيونية، من ضمنها تلك اللقطة الذي ظهر فيها الرئيس جورج بوش وهو يعلن أن حربه في العراق كانت بتكليف من الله، بالإضافة إلى صور القتلى الأبرياء والبيوت المهدمة بصواريخ وقنابل الحلفاء، قيل أنها أخطأت الهدف، وكذلك ما أثبت من جرائم ضد الإنسانية في غوانتنماو وأبو غريب، ليقول أن الحضارة الأمريكية أو الغربية بناء على هذا الاجتزاءء المتعمد هي quot;حضارة فاشيةquot; أو حتى quot;وحشيةquot;.
الذين قيل أنهم رأوا أو سمعوا عن فيلم النائب البرلماني الهولندي quot;خيرت فيلدرزquot;، كشفوا عن أنه عبارة عن quot;كولاجquot; لنصوص قرءانية مجتزأة من سياقها الأدبي والتاريخي، ومشاهد من جرائم ذبح وسحل نفذها متطرفون إسلاميون، والمؤكد عند علماء اللاهوت والدين، أن القرءان ليس هو الكتاب المقدس الوحيد الذي يحتوي على آيات تهتم بالقتال والحروب، كما أنه لا يخلو دين، بل لا تخلو حضارة أو ثقافة، من متطرفين ومتشددين، يلوون عنق النصوص ويسخرونها لخدمة عقد نفسية أو أمراض إيديولوجية.
وفيلدرز هذا ليس عالم لاهوت أو مستشرق، وعلمه بالقرءان والإسلام لا يزيد عن بضع جمل وشعارات يلوكها، تماما على شاكلة المتشددين والمتطرفين الإسلاميين الذين يغسلون أدمغة شباب يائس بجمل وشعارات مقتضبة، عادة ما تفقد بريقها بمجرد إخضاعها للنقاش والدرس العلميين، وعلى الرغم من جهله الفارق بالإسلام من جهة، وقربه الجغرافي من أحد أهم معاقل الاستشراق في الغرب من جهة ثانية، فإن السياسي الهولندي المتشدد، لم يكلف نفسه عناء استشارة أحد المتخصصين الهولنديين في الدراسات الإسلامية، وهم كثر ومشهورون عالميا، خصوصا أولئك المرابطين منذ عقود في جامعة ليدن الشهيرة، حيث توجد ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات الإسلامية بعد مجموعة الأرشيف العثماني في اسطمبول، وحيث توجد أعرق الدراسات الغربية حول القرءان والنبي محمد (ص) والشريعة الإسلامية.
وعلى ذكر المستشرقين الهولنديين، فقد قام عميدهم البروفسور quot;فان كونينغسفيلدquot; رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة ليدن قبل سنوات بتأليف كتاب ذاع صيته لاحقا عنوانه quot;أسطورة الخطر الإسلاميquot;، وفي هذا الكتاب رأي مناقض تماما لذلك الذي ما فتئ فيلدرز يردده، ومفاده أن المجتمعات الغربية وقيم الحرية تواجه خطرا جديا عنوانه quot;الأسلمةquot;، والفرق بين الرأيين أن الأول وجهة نظر أكاديمية وعلمية هادئة، أما الثاني فبروباعندا سياسية عنصرية فجة وصاخبة.
وبرأي المتخصصين في الدراسات الإسلامية المعاصرة في الغرب، فإن الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا، ومن بينها تلك التي تعيش في هولندا، هي الحلقات الأضعف في مجتمعاتها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، كما أنها لا تزيد في مجموعها في أحسن الأحوال عن عشرة بالمائة من مجموع السكان، فهل يعقل أن تهيمن الأقلية الصغيرة الأضعف على الأغلبية الكبيرة الأقوى، وهل يمكن لأقلية الأقلية، أي الجماعات المتشددة والمتطرفة، أن تفرض أجندتها وبرنامجها على مجتمعات وحكومات، هي على الصعيد العالمي الأقوى؟
المشكلة أنه ليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر، التي يبحث فيها طرف ايديولوجي وسياسي، عن أقلية عرقية أو دينية ليحملها وزر بعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وقد كان اليهود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، هم موضوع الاتهام وضحية النزعة المرضية التي اجتاحت الجسد الأوربي، أما اليوم فإن المسلمين مؤهلون ليكونوا هذا الموضوع، وربما الضحية، وأما المفارق في هذه المسألة، فهو تزامن وجود المسلمين في أوربا مع أزهى فترة عاشها الأوربيون على مر تاريخهم وعلى كافة الأصعدة، فمنذ ستة عقود فقط كان هؤلاء، أي الأوربيون، مجموعة من المستعمرين الذين ينهبون خيرات الشعوب بحجة نشر الحضارة والارتقاء بالإنسانية.
إن أخطر ما في هذا الموضوع، هو أن فيلدرز من حيث أنه يزعم التصدي للتطرف الإسلامي، لا يفعل شيئا، هو ومن سار على شاكلته، سوى مد المتطرفين الإسلاميين بما يعينهم من حجج وأدلة على صواب منطقهم ونظرتهم لما يتوجب أن تكون عليه العلاقة بين العالمين الإسلامي والغربي، فالكراهية والعنصرية وخطاب الحظر والحرب لا يمكن أن تقابل إلا بمظاهر من نفس النوع، والقول بأسلمة الغرب لن ينتج غير دعوات أكثر تطرفا للتحذير من التغريب والعلمنة.
لقد انتبه العديد من الساسة في الغرب إلى خطورة ظاهرة فيلدرز وغيرها من الظواهر المشابهة، التي تقوم على استغلال أصحابها للامتيازات التي توفرها الديمقراطية، لإحراز أكبر قدر ممكن من الأهداف السياسية في أسرع وقت متاح، وقد قاموا بتقديم خطاب عقلاني لشعوبهم غايته أن محاربة التطرف الإسلامي يقوم أولا على إدماج المهاجرين المسلمين وأبنائهم بطرق أفضل في المجتمعات المحلية، على نحو يساعدهم على تحسين أوضاعهم المعيشية وفتح آفاق مستقبلية مشرفة لأبنائهم، فاستمرار عيش الجاليات المسلمة في أحزمة فقر على أعتاب المدن، واستمرار عيش أجيالهم الجديدة مهمشة اقتصاديا اجتماعيا، سيجعلها عرضة للاستقطاب السلبي وللاختراق الأصولي والإرهابي، وبعبارة أوضح فإن حماية الغرب من الإسلام المتطرف لا يمكن أن تتم إلا من خلال مزيد من الإحسان للمسلمين، لا استثارة عداوتهم واستفزازهم والاستهزاء بعقيدتهم ونبيهم.
والملاحظ أن ظاهرة فيلدرز، قد بدأت بالانعكاس سلبا على النظرة إلى الغرب في العالم الإسلامي، وخصوصا لدى عموم المسلمين، حيث تجنح وسائل الإعلام العربية والإسلامية إلى التعميم أيضا، من خلال تكريس صورة المؤامرة الغربية على الإسلام، والربط بين أحداث هي في حقيقة الأمر غير مترابطة، كما هو شأن الوصل بين فيلم فيلدرز الهولندي ورسوم الكريكاتور الدنماركية، فضلا عن التغاضي المتعمد أحيانا على أهمية تبيين الفرق بين مواقف أصحاب الفيلم والرسوم ومواقف الحكومة في البلدين، وكذلك توضيح عدم قدرة أهل الحكم في البلدان الديمقراطية على اتباع نفس وسائل المنع والحظر والحجر المتبعة في جل البلاد العربية والإسلامية.
رأيي إذا، أن فيلدرز لم يتطلع بquot;فتنتهquot; لمواجهة التطرف الإسلامي، بقدر ما تطلع إلى إنتاج quot;فتنة هولنديةquot; مفيدة جدا لتحقيق طموحات سياسية وشخصية بطريقة سريعة، حتى ولو كان الأمر في نهايته على حساب مصالح وطنية وقيم حضارية، والغريب أن بعض المثقفين العرب والمسلمين لم يجدوا مانعا في اتباع ذات الأساليب quot;الفيلدرزيةquot; لتحقيق غايات quot;فيلدرزيةquot; أيضا..فالذي يبغي الانتصار لقيم الحداثة والحرية والديمقراطية، لا يمكنه أبدا أن يكون في صف quot;صراع الحضارات والثقافاتquot;، على حساب quot;حوار الحضارات والثقافاتquot;.
وإذا كان الغرب اليوم متفوقا إنسانيا قياسا بغيره، فقد كان العالم العربي والإسلامي متفوقا أيضا قياسا بسواه قبل قرون، حيث لا تجوز محاكمة الماضي بما وصل إليه البشر في الحاضر، ولا يمكن تقييم رصيد الإسلام القيمي والحضاري بطريقة موضوعية، إلا بالعودة إلى محيطه التاريخي ساعة انبثاقه وتأسسه..هناك فرق كبير بين نقد الذات وجلدها، والذين يفضلون طريقة quot;هدم الدينquot; على quot;إصلاح الدينquot;، إنما سيفشلون حتما في الهدم، لأن الدين حاجة إنسانية، وسيعرقلون الإصلاح بتوفير أسباب النجاح للمتطرفين والمتشددين.
وقبل أيام ظهر على الصفحة الأولى من جريدة quot;دي فولكس كرانتquot; الهولندية اليومية الأوسع انتشارا، إعلان مدفوع الأجر، وقف وراءه الناشط والمثقف الهولندي المعروف quot;هاري دي فينترquot;، يتكون من نص مقتضب ترجمته إلى العربية قد تكون ما يلي: quot; إذا كان خيرت فيلدرز قادرا على أن يقول حول التوراة واليهود ما قاله حول القرءان والمسلمين دون أن يلاحق بتهمة العداء للسامية، فسيكون كلامه ذا مصداقيةquot;.
ويملك أي مهتم غير متخصص في اللاهوت والسينما، القدرة على أن يجمع مشاهد من النشرات الإخبارية التلفزيونية، من ضمنها تلك اللقطة الذي ظهر فيها الرئيس جورج بوش وهو يعلن أن حربه في العراق كانت بتكليف من الله، بالإضافة إلى صور القتلى الأبرياء والبيوت المهدمة بصواريخ وقنابل الحلفاء، قيل أنها أخطأت الهدف، وكذلك ما أثبت من جرائم ضد الإنسانية في غوانتنماو وأبو غريب، ليقول أن الحضارة الأمريكية أو الغربية بناء على هذا الاجتزاءء المتعمد هي quot;حضارة فاشيةquot; أو حتى quot;وحشيةquot;.
الذين قيل أنهم رأوا أو سمعوا عن فيلم النائب البرلماني الهولندي quot;خيرت فيلدرزquot;، كشفوا عن أنه عبارة عن quot;كولاجquot; لنصوص قرءانية مجتزأة من سياقها الأدبي والتاريخي، ومشاهد من جرائم ذبح وسحل نفذها متطرفون إسلاميون، والمؤكد عند علماء اللاهوت والدين، أن القرءان ليس هو الكتاب المقدس الوحيد الذي يحتوي على آيات تهتم بالقتال والحروب، كما أنه لا يخلو دين، بل لا تخلو حضارة أو ثقافة، من متطرفين ومتشددين، يلوون عنق النصوص ويسخرونها لخدمة عقد نفسية أو أمراض إيديولوجية.
وفيلدرز هذا ليس عالم لاهوت أو مستشرق، وعلمه بالقرءان والإسلام لا يزيد عن بضع جمل وشعارات يلوكها، تماما على شاكلة المتشددين والمتطرفين الإسلاميين الذين يغسلون أدمغة شباب يائس بجمل وشعارات مقتضبة، عادة ما تفقد بريقها بمجرد إخضاعها للنقاش والدرس العلميين، وعلى الرغم من جهله الفارق بالإسلام من جهة، وقربه الجغرافي من أحد أهم معاقل الاستشراق في الغرب من جهة ثانية، فإن السياسي الهولندي المتشدد، لم يكلف نفسه عناء استشارة أحد المتخصصين الهولنديين في الدراسات الإسلامية، وهم كثر ومشهورون عالميا، خصوصا أولئك المرابطين منذ عقود في جامعة ليدن الشهيرة، حيث توجد ثاني أكبر مجموعة من المخطوطات الإسلامية بعد مجموعة الأرشيف العثماني في اسطمبول، وحيث توجد أعرق الدراسات الغربية حول القرءان والنبي محمد (ص) والشريعة الإسلامية.
وعلى ذكر المستشرقين الهولنديين، فقد قام عميدهم البروفسور quot;فان كونينغسفيلدquot; رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة ليدن قبل سنوات بتأليف كتاب ذاع صيته لاحقا عنوانه quot;أسطورة الخطر الإسلاميquot;، وفي هذا الكتاب رأي مناقض تماما لذلك الذي ما فتئ فيلدرز يردده، ومفاده أن المجتمعات الغربية وقيم الحرية تواجه خطرا جديا عنوانه quot;الأسلمةquot;، والفرق بين الرأيين أن الأول وجهة نظر أكاديمية وعلمية هادئة، أما الثاني فبروباعندا سياسية عنصرية فجة وصاخبة.
وبرأي المتخصصين في الدراسات الإسلامية المعاصرة في الغرب، فإن الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا، ومن بينها تلك التي تعيش في هولندا، هي الحلقات الأضعف في مجتمعاتها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، كما أنها لا تزيد في مجموعها في أحسن الأحوال عن عشرة بالمائة من مجموع السكان، فهل يعقل أن تهيمن الأقلية الصغيرة الأضعف على الأغلبية الكبيرة الأقوى، وهل يمكن لأقلية الأقلية، أي الجماعات المتشددة والمتطرفة، أن تفرض أجندتها وبرنامجها على مجتمعات وحكومات، هي على الصعيد العالمي الأقوى؟
المشكلة أنه ليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر، التي يبحث فيها طرف ايديولوجي وسياسي، عن أقلية عرقية أو دينية ليحملها وزر بعض الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وقد كان اليهود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، هم موضوع الاتهام وضحية النزعة المرضية التي اجتاحت الجسد الأوربي، أما اليوم فإن المسلمين مؤهلون ليكونوا هذا الموضوع، وربما الضحية، وأما المفارق في هذه المسألة، فهو تزامن وجود المسلمين في أوربا مع أزهى فترة عاشها الأوربيون على مر تاريخهم وعلى كافة الأصعدة، فمنذ ستة عقود فقط كان هؤلاء، أي الأوربيون، مجموعة من المستعمرين الذين ينهبون خيرات الشعوب بحجة نشر الحضارة والارتقاء بالإنسانية.
إن أخطر ما في هذا الموضوع، هو أن فيلدرز من حيث أنه يزعم التصدي للتطرف الإسلامي، لا يفعل شيئا، هو ومن سار على شاكلته، سوى مد المتطرفين الإسلاميين بما يعينهم من حجج وأدلة على صواب منطقهم ونظرتهم لما يتوجب أن تكون عليه العلاقة بين العالمين الإسلامي والغربي، فالكراهية والعنصرية وخطاب الحظر والحرب لا يمكن أن تقابل إلا بمظاهر من نفس النوع، والقول بأسلمة الغرب لن ينتج غير دعوات أكثر تطرفا للتحذير من التغريب والعلمنة.
لقد انتبه العديد من الساسة في الغرب إلى خطورة ظاهرة فيلدرز وغيرها من الظواهر المشابهة، التي تقوم على استغلال أصحابها للامتيازات التي توفرها الديمقراطية، لإحراز أكبر قدر ممكن من الأهداف السياسية في أسرع وقت متاح، وقد قاموا بتقديم خطاب عقلاني لشعوبهم غايته أن محاربة التطرف الإسلامي يقوم أولا على إدماج المهاجرين المسلمين وأبنائهم بطرق أفضل في المجتمعات المحلية، على نحو يساعدهم على تحسين أوضاعهم المعيشية وفتح آفاق مستقبلية مشرفة لأبنائهم، فاستمرار عيش الجاليات المسلمة في أحزمة فقر على أعتاب المدن، واستمرار عيش أجيالهم الجديدة مهمشة اقتصاديا اجتماعيا، سيجعلها عرضة للاستقطاب السلبي وللاختراق الأصولي والإرهابي، وبعبارة أوضح فإن حماية الغرب من الإسلام المتطرف لا يمكن أن تتم إلا من خلال مزيد من الإحسان للمسلمين، لا استثارة عداوتهم واستفزازهم والاستهزاء بعقيدتهم ونبيهم.
والملاحظ أن ظاهرة فيلدرز، قد بدأت بالانعكاس سلبا على النظرة إلى الغرب في العالم الإسلامي، وخصوصا لدى عموم المسلمين، حيث تجنح وسائل الإعلام العربية والإسلامية إلى التعميم أيضا، من خلال تكريس صورة المؤامرة الغربية على الإسلام، والربط بين أحداث هي في حقيقة الأمر غير مترابطة، كما هو شأن الوصل بين فيلم فيلدرز الهولندي ورسوم الكريكاتور الدنماركية، فضلا عن التغاضي المتعمد أحيانا على أهمية تبيين الفرق بين مواقف أصحاب الفيلم والرسوم ومواقف الحكومة في البلدين، وكذلك توضيح عدم قدرة أهل الحكم في البلدان الديمقراطية على اتباع نفس وسائل المنع والحظر والحجر المتبعة في جل البلاد العربية والإسلامية.
رأيي إذا، أن فيلدرز لم يتطلع بquot;فتنتهquot; لمواجهة التطرف الإسلامي، بقدر ما تطلع إلى إنتاج quot;فتنة هولنديةquot; مفيدة جدا لتحقيق طموحات سياسية وشخصية بطريقة سريعة، حتى ولو كان الأمر في نهايته على حساب مصالح وطنية وقيم حضارية، والغريب أن بعض المثقفين العرب والمسلمين لم يجدوا مانعا في اتباع ذات الأساليب quot;الفيلدرزيةquot; لتحقيق غايات quot;فيلدرزيةquot; أيضا..فالذي يبغي الانتصار لقيم الحداثة والحرية والديمقراطية، لا يمكنه أبدا أن يكون في صف quot;صراع الحضارات والثقافاتquot;، على حساب quot;حوار الحضارات والثقافاتquot;.
وإذا كان الغرب اليوم متفوقا إنسانيا قياسا بغيره، فقد كان العالم العربي والإسلامي متفوقا أيضا قياسا بسواه قبل قرون، حيث لا تجوز محاكمة الماضي بما وصل إليه البشر في الحاضر، ولا يمكن تقييم رصيد الإسلام القيمي والحضاري بطريقة موضوعية، إلا بالعودة إلى محيطه التاريخي ساعة انبثاقه وتأسسه..هناك فرق كبير بين نقد الذات وجلدها، والذين يفضلون طريقة quot;هدم الدينquot; على quot;إصلاح الدينquot;، إنما سيفشلون حتما في الهدم، لأن الدين حاجة إنسانية، وسيعرقلون الإصلاح بتوفير أسباب النجاح للمتطرفين والمتشددين.
التعليقات