أنا من الذين يؤمنون بأن الأمم والشعوب كما الأفراد، تمرض وتشفى، وتقوى وتضعف، وتتمايز فيما بينها بالإرادة والذكاء والشجاعة، كما تختلف أيضا في استعداداتها الفطرية أو الجينية، ومن ضمنها أمم محظوظة وأمم نكدة الحظ، غير أن الحظ مرتبط بالتاريخ أيضا، تماما مثلما هو حظ الأفراد مع الزمن، فالبخت يحضر ويغيب، وحضور وغياب الحظ قد يطول أو يقصر، دون قدرة من الأفراد أو الأمم على التدخل.
وإذا ما طبقنا هذه الرؤية أو النظرية على مسألة الديمقراطية، فسنجد شواهد كثيرة تؤكد مصداقيتها، إذ لا أحد بمقدوره القول على سبيل المثال، أن الشعب السينغالي أو الجنوب-أفريقي قد بلغ درجة من النضج أهلته لإقامة نظام ديمقراطي، أكثر مما هو عليه الحال بالنسبة للشعب التونسي أو المصري أو السوري، لكن حظ السينغال مع سنغور وعبدو ضيوف، وحظ جنوب أفريقيا مع نيلسون مانديلا وتامو مبيكي، كان أفضل من حظ غالبية الدول العربية.
صحيح أن كثيرا من المهتمين، سيشيرون إلى فوارق ثقافية وسياسية، وسيستنجدون بالعديد من آليات التحليل الفكري والتاريخي، لكن كل ذلك لن يجدي في إلغاء دور الحظ، أو التوفيق حسب عبارة المؤمنين، فقوة التاريخ والاجتماع لا تلغي دور الأفراد في حياة الشعوب، وكم من أمم وشعوب ساق الله إليها قادة سابقين لعصرهم أو متفوقين أخلاقيا على محيطهم، فقادوا أهلهم إلى مراتب عليا لم يحلموا بها، وأهلوا دولهم إلى مكانة رائدة على الخريطة العالمية.
التجربة الموريتانية الأخيرة تثبت أيضا، دور الحظ في تحقيق الديمقراطية، إذ لم يكن ثمة ما يجبر حقا قائد الانقلاب والرئيس الانتقالي إعلي ولد محمد فال على ترك الترك السلطة، بل لقد قيل إن آلاف العرائض والبيانات والبرقيات كانت ترد عليه لكي يبقى، فعقلية غالبية الموريتانيين لا تختلف في مجملها عن عقلية بقية الشعوب العربية، أي عقلية quot;مات الملك عاش الملكquot;، لكن ولد فال هو الذي كان ndash; بالحظ والصدفة فقط- مختلفا، في حالة عربية نادرة، لم يسبقه إليها إلا المشير سوار الذهب، وبين quot;العليquot; وquot;الذهبquot; صلة وقدر.
قد يشير البعض إلى نضالات الموريتانيين الطويلة ضد حكم الرئيس معاوية ولد سيدي إحمد الطايع، وربما من سبقه، لكن لا أحد يمكنه أن يغفل أمورا من قبيل أن ولد الطايع قد نجح في آخر انتخابات رئاسية بنسبة عربية، كما أن التقديرات تؤكد بأن حكم موريتانيا كان سيكون quot;بعثيا شمولياquot; لو أن انقلاب الضابط صالح ولد حننا الذي سبق انقلاب ولد فال بأشهر، نجح في إطاحة ولد الطايع..إنه الحظ مرة أخرى، والقدر الذي بدا وكأنه يريد أن يدفع موريتانيا إلى وجهة غير عربية في مآلات التغيير، هذا إذا لم يزين لولد الشيخ المدني حب البقاء فيبادر إلى وسائل زملائه العرب في تأبيد السلطة، وهي غير هينة أو قليلة، ليفعل ما آبى عسكره أن يفعلوه.
وعموما، فإن نضالات الموريتانيين، لم تختلف أو تزد عن نضالات كثير من الشعوب العربية، التي خابت آمالها لاحقا في عمليات تغيير انقلابية، عسكرية أو سياسية، جاءت إلى مواطنيها بعشرات الآمال والوعود البراقة، تناست وعملت خلافها بمجرد استقرارها وتمركزها ونيلها الشرعية بموجبها، حيث لم تجد في الداخل أو الخارج من يمنعها من فعل عكس وعدها، ولا يضير المنقلب مرة أن ينقلب أخرى.
وفي السابق قال quot;مونتسكيوquot; أن القوانين ليست كافية وحدها لتحقيق الديمقراطية، بل لا بد من أن تسندها الفضيلة، أي الأخلاق، التي يجب أن يتحلى بها السياسيون، فقدرة البشر على التحايل على القوانين لا تتصور، وقد ضربت الأنظمة العربية المعاصرة أمثلة تفوق الخيال في ممارسة أبشع أنواع الاستبداد والديكتاتورية، في ظل قوانين غاية في التقدمية والديمقراطية.
وإذا ما طبقنا هذه الرؤية أو النظرية على مسألة الديمقراطية، فسنجد شواهد كثيرة تؤكد مصداقيتها، إذ لا أحد بمقدوره القول على سبيل المثال، أن الشعب السينغالي أو الجنوب-أفريقي قد بلغ درجة من النضج أهلته لإقامة نظام ديمقراطي، أكثر مما هو عليه الحال بالنسبة للشعب التونسي أو المصري أو السوري، لكن حظ السينغال مع سنغور وعبدو ضيوف، وحظ جنوب أفريقيا مع نيلسون مانديلا وتامو مبيكي، كان أفضل من حظ غالبية الدول العربية.
صحيح أن كثيرا من المهتمين، سيشيرون إلى فوارق ثقافية وسياسية، وسيستنجدون بالعديد من آليات التحليل الفكري والتاريخي، لكن كل ذلك لن يجدي في إلغاء دور الحظ، أو التوفيق حسب عبارة المؤمنين، فقوة التاريخ والاجتماع لا تلغي دور الأفراد في حياة الشعوب، وكم من أمم وشعوب ساق الله إليها قادة سابقين لعصرهم أو متفوقين أخلاقيا على محيطهم، فقادوا أهلهم إلى مراتب عليا لم يحلموا بها، وأهلوا دولهم إلى مكانة رائدة على الخريطة العالمية.
التجربة الموريتانية الأخيرة تثبت أيضا، دور الحظ في تحقيق الديمقراطية، إذ لم يكن ثمة ما يجبر حقا قائد الانقلاب والرئيس الانتقالي إعلي ولد محمد فال على ترك الترك السلطة، بل لقد قيل إن آلاف العرائض والبيانات والبرقيات كانت ترد عليه لكي يبقى، فعقلية غالبية الموريتانيين لا تختلف في مجملها عن عقلية بقية الشعوب العربية، أي عقلية quot;مات الملك عاش الملكquot;، لكن ولد فال هو الذي كان ndash; بالحظ والصدفة فقط- مختلفا، في حالة عربية نادرة، لم يسبقه إليها إلا المشير سوار الذهب، وبين quot;العليquot; وquot;الذهبquot; صلة وقدر.
قد يشير البعض إلى نضالات الموريتانيين الطويلة ضد حكم الرئيس معاوية ولد سيدي إحمد الطايع، وربما من سبقه، لكن لا أحد يمكنه أن يغفل أمورا من قبيل أن ولد الطايع قد نجح في آخر انتخابات رئاسية بنسبة عربية، كما أن التقديرات تؤكد بأن حكم موريتانيا كان سيكون quot;بعثيا شمولياquot; لو أن انقلاب الضابط صالح ولد حننا الذي سبق انقلاب ولد فال بأشهر، نجح في إطاحة ولد الطايع..إنه الحظ مرة أخرى، والقدر الذي بدا وكأنه يريد أن يدفع موريتانيا إلى وجهة غير عربية في مآلات التغيير، هذا إذا لم يزين لولد الشيخ المدني حب البقاء فيبادر إلى وسائل زملائه العرب في تأبيد السلطة، وهي غير هينة أو قليلة، ليفعل ما آبى عسكره أن يفعلوه.
وعموما، فإن نضالات الموريتانيين، لم تختلف أو تزد عن نضالات كثير من الشعوب العربية، التي خابت آمالها لاحقا في عمليات تغيير انقلابية، عسكرية أو سياسية، جاءت إلى مواطنيها بعشرات الآمال والوعود البراقة، تناست وعملت خلافها بمجرد استقرارها وتمركزها ونيلها الشرعية بموجبها، حيث لم تجد في الداخل أو الخارج من يمنعها من فعل عكس وعدها، ولا يضير المنقلب مرة أن ينقلب أخرى.
وفي السابق قال quot;مونتسكيوquot; أن القوانين ليست كافية وحدها لتحقيق الديمقراطية، بل لا بد من أن تسندها الفضيلة، أي الأخلاق، التي يجب أن يتحلى بها السياسيون، فقدرة البشر على التحايل على القوانين لا تتصور، وقد ضربت الأنظمة العربية المعاصرة أمثلة تفوق الخيال في ممارسة أبشع أنواع الاستبداد والديكتاتورية، في ظل قوانين غاية في التقدمية والديمقراطية.
وقد كان بمقدور إعلي ولد محمد فال، أن يحكم على الأقل خمسة عشرة سنة، بدل الخمسة عشرة شهرا التي بقيها في الحكم، ولم يكن ليعدم المبررات أو السند الداخلي والخارجي، لينقلب عليه بعد طول عمر زميل سابق، أو يقويه الله ليخلفه إبنه البار، مقاوم الفساد (فساد الأب) و الأمين على الإصلاح (إصلاح ما خربه الوالد) وقائد مسيرة التجديد ورئيس جمعية المعلوميات ومدير المؤسسات الخيرية وأمين أمانة السياسات.
و رجل الحظ القويم، كما هو وارد في الحاضر، كان واردا في التاريخ، فالحكم الجمهوري الدستوري الديمقراطي الذي أقامه الرسول (ص) في المدينة المنورة، وواصله من بعده الخلفاء الراشدون (رض)، وعمر بن عبد العزيز (رض)، لم يكن نتاج ثورات شعبية مطالبة بالتغيير والإصلاح، بل لقد جرى الانقلاب على هذه التجارب التاريخية المضيئة في التاريخ العربي الإسلامي بسند شعبي، أو على الأقل دون اعتراض شعبي حقيقي.
خارج السياق العربي، يمكن العثور على نماذج وأمثلة تزكي هذا الاعتقاد، فالماهتما غاندي الذي كان زعيما استثنائيا في تاريخ الأمة الهندية، وقاد حركة الاستقلال ضد الاستعمار الأنجليزي، وكان بمقدوره أن يكون رئيسا للهند مدى الحياة، على غرار زعماء حركات وطنية قادوا عمليات التحرر ضد المستعمر وقرروا لاحقا بفضل بريق شعبي هائل التحول إلى رؤساء دول إلى الأبد، لكنه ndash; أي غاندي- قرر أن يكون زعيما مختلفا، أهدى الهند نظاما ديمقراطيا راسخا، ولا أحد طبعا بمقدوره الزعم بأن الأمة الهندية كانت أكثر نزوعا أو طموحا أو استعدادا للتضحية من أجل الديمقراطية، قياسا بالأمة الصينية أو العربية أو اليابانية.
وبصدد الأخيرة، لا مناص من الإشارة إلى أن الحظ السعيد قد ابتسم لبلاد الشمس ومواطنيها، بعد أن قادها الحظ النكد إلى حرب عالمية كادت تعود بها إلى درجة الصفر، فقد قرر المستعمر الأمريكي حماية المستعمرة اليابانية تزويدها بدستور غربي ونظام ديمقراطي، ولم يمانع اليابانيون في ذلك، لكنهم لم يخرجوا إلى الشوارع على أية حال، لا طلبا للديمقراطية و لا طلبا لرحيل القوات الأجنبية، ولعل كل أملهم كان منصبا على بقاء الإمبراطور، الإله في نظرهم، حتى لو كان بصلاحيات شكلية.
وأقدر شخصيا أن مآل الأمة الصينية أو الروسية أو الكوبية أو غيرها من أمم الرفاق سابقا، كان سيكون مغايرا لو أن ماو تستونغ أو لينين أو كاسترو قرروا إقامة أنظمة ليبرالية ديمقراطية بدل الأنظمة الشمولية الاستبدادية التي نصبوها بقوة الحديد والنار واللجان الثورية والشعبية الحريصة على عقيدة المواطنين وأحلامهم الطاهرة النقية.
في الغرب أيضا، لعلب حظ الأمم مع رجال جمعوا إلى جانب خصالهم القيادية فضائل أخلاقية، دورا في بناء الديمقراطية، تماما كما لعلب الحظ النحس دورا في بروز زعماء استثنائيين بتوجهات قومية متطرفة، نازية وفاشية وغيرها، وباستثناء فرنسا وأنجلترا، اللتين عرفتا في تاريخهما ثورات شعبية، أقضت مضاجع أنظمة ملكية استبدادية، فعوضتها بأخرى جمهورية أو ملكية دستورية، إلا أن غالبية الدول الأوربية قد تحولت إلى الديمقراطية عبر حركات إصلاحية (وليست ثورية)، توافقت فيها النخب (لا الشعوب) على احترام إرادة الشعوب، وتنظيم العملية السلمية على أسس ليبرالية تعددية سلمية.
خلاصة القول، اعتقادي أن الزعماء الكبار إذا ما صمموا على بناء الديمقراطية، قادرون على صناعة أنظمة وشعوب ديمقراطية، تماما كما أن الأنظمة والشعوب الديمقراطية عادة ما تكون مؤهلة لصناعة قادة وزعماء ونخب ديمقراطية، وقد قيل في الأثر العربي أن الناس على دين ملوكها، أي على النظام الذي يرتضيه لها قادتها، ديمقراطية أو استبدادا.
في العالم العربي، ما يزال الحظ الديمقراطي نكدا، وما يزال القادة ميالون إلى أن لا يكونوا استثنائيين في تاريخ شعوبهم، وحتى الذين رأوا يوما بصيص أمل في تدخل خارجي، اكتشفوا أن حظ العرب مع هذا التدخل كان أيضا سيئا، خلافا لحظ اليابانيين والألمان وغيرهم من شعوب نفع معها التدخل الخارجي، ولم يبق إذا إلا التوجه إلى السماء عل نحس هذه الأمة يزول..أيها الإخوة تعالوا نصلي من أجل الديمقراطية في العالم العربي.
التعليقات