استطاع الموريتانيون الصبر على حكم الجنرال معاوية ولد سيدي احمد الطايع الاستبدادي، أكثر من خمس عشرة عاما، لكنهم لم يملكوا الصبر على حكم السياسي المدني سيدي ولد الشيخ عبدالله خمس عشرة شهرا. وليس العراقيون بمنأى عن هذا المثال، إذ لعل الوجود العسكري كان الضمانة الوحيدة لاستمرار النظام الديمقراطي الوليد، ففوضى السنوات الأخيرة ما كانت إلا لتعيد البلد إلى سنوات الاتقلابات العسكرية والأنظمة الطغيانية.
ولربما وجد كل عربي في تاريخ بلده المعاصر ما يؤكد هذه الحقيقة، فالحرية عندنا غالبا ما تقود إلى الفوضى، ثم شيوع الفتن والاضطربات، التي عادة ما تدفع عامة الناس إلى الاعتقاد بأنه ليس أفضل لها من المستبد مع الاستقرار، على الحرية مع الفوضى، ولو كان الاستقرار كما الوضع في المقابر، والفوضى خلاقة للاستقرار بمعناه الحقيقي.
وليس فساد الأمم إلا من فساد نخبها، وقد أثبت الدرس الموريتاني هذه الأطروحة، فالديمقراطية لم تكن مطلبا شعبيا أيام الدكتاتور ولد الطايع، بل كانت مطلبا نخبويا، قبل أن تتحول مع حكم الرئيس الانتقالي ولد فال إلى منة عسكرية لا ضمانة شعبية لها، وهو أمر أكده الانقلاب الأخير، الذي لم يحرك رد فعل شعبي معارض، بقدر ما وجد سندا في مساندة عدد من النخب وقدر وافر من الشعب.
ولو أن النخب السياسية الموريتانية أجمعت أمرها جميعا على رفض الانقلاب، ولم يتهاوى عدد من النواب والوزراء والديبلوماسيين إلى إغراءات الاتقلابيين، لأرجعوا العسكر إلى ثكناتهم إلى الأبد، حتى تكون الكلمة الوحيدة للشعب، هو من انتخب الرئيس والبرلمان، وهو من يعاقب ويعزل، لا حارس الرئيس الذي قرر التحول إلى رئيس وزعم بدوره أن الشعب الموريتاني الذي قال كلمته قبل أشهر، قد منحه التفويض للقيام بذلك.
ربما كانت غلطة الرئيس المنتخب ولد الشيخ، أنه كان طهوريا أكثر من اللازم، وأنه لم يدرس التاريخ العربي جيدا، فقد أراد أن يعيد العسكريين إلى حجمهم الطبيعي كما في سائر الأنظمة الديمقراطية، لكنه نسي أنه في موريتانيا، وأن من يملك قوة العنف هو من يقرر، وليس الشعب، فلما بادر إلى قطع رأس الفتنة العسكرية، أجابه الجنرال الحارس بأنه هو الذي يقطع الرؤوس لا غيره، وكان أن تحول الحارس فعلا إلى رئيس.
وأذكر أن الجنرال ولد عبد العزيز قد فشل في أول لقاء تلفزيوني له، سويعات بعد انقلابه، حتى في توصيف انقلابه الحقير، بمنحه إسما يليق على غرار مال يفعل الانقلابيون العرب عادة، حيث قال أنه quot;ردة فعلquot;، قبل أن تسعفه النخب السياسية الفاسدة الجاهزة للبس حلة الملك الجديد سريعا، بمصطلح quot;الحركة التصحيحيةquot;، وقد كان الانقلاب quot;حركة تخريبيةquot;.
لقد كشفت الأحداث المتلاحقة في موريتانيا، أن الشعب لم يكن مستعدا للدفاع عن ديمقراطيته الوليدة، وأن السلوك الديمقراطي القويم لم يترسخ لدى النخب السياسية الموريتانية حقا، فقد أيد ولد داده زعيم المعارضة العتيد أيام الرئيس ولد الطايع الانقلاب العسكري، وحمل ولد الشيخ المسؤولية عما وقع، وأحسب أن دافع الرجل كان الانتقام لعدم فوزه في الانتخابات الرئاسية، لأن بعض زعمائنا السياسيين يعتقدون بأن الديمقراطية هي فقط ذلك النظام السياسي الذي يفضي إلى فوزهم، أما إذا حدث خلاف ذلك فكل وضع آخر سيكون أفضل.
زعيم الانقلابيين الجنرال ولد عبد العزيز استهزأ عمليا بالمعارضة الخارجية المحتشمة للانقلاب، وعزا ذلك إلى نقص في المعلومات لدى هذه الجهات، مراهنا على أن الزمن سيلين مواقف الممانعين والمتشككين، خصوصا إذا ما استكان الشعب إلى النظام الجديد، وليس مستبعدا أن يستكين، فصبر العرب على الديمقراطية قليل قليل، لكن قدرتهم على التعايش مع المستبدين يفوق كل تصور.
النقاش والحوار واختلاف وجهات النظر بين السياسيين ومساءلة الوزراء أمام اللجان البرلمانية وتصادم المؤسسات الدستورية فيما بينها وووقوف البرلمان في وجه الرئيس وحرص الرئيس على تطبيق برامجه الانتخابية، كل ذلك لا يعد في نظر شعوب ألفت الاستبداد مظاهر تعاف للحياة السياسية، وتأسيسا لتقاليد سلطوية حيوية جديدة، بل مظاهر عدم استقرار وفوضى، أما القرارات السريعة الأحادية والمزاجية والشخصية الصادرة عن الذات الإلهية الحاكمة في الأنظمة الاستبدادية فليست إلا دليلا على عبقرية خيارات القائد وعظمة إنجازاته اللامتناهية.
وليكن معلوما إذا، أنه إذا لم يعد سيدي ولد الشيخ عبدالله إلى سدة رئاسته الشرعية، بمعية رئيس وزرائه المتضامن، فسيعلم الموريتانيون أن الانقلابيين لن يعودوا بعد انقلابهم الأخير هذا إلى ثكانتهم العسكرية، وأنهم حتى وإن نظموا انتخابات جديدة لا يشاركون فيها كما وعدوا، فسيظلون هم من يحكم من وراء الستار، ربما كما رغبوا في فعل ذلك مع ولد الشيخ، الذي رفض فيما يبدو أن يكون رئيسا quot;طرطوراquot;.
* كاتب تونسي
ولربما وجد كل عربي في تاريخ بلده المعاصر ما يؤكد هذه الحقيقة، فالحرية عندنا غالبا ما تقود إلى الفوضى، ثم شيوع الفتن والاضطربات، التي عادة ما تدفع عامة الناس إلى الاعتقاد بأنه ليس أفضل لها من المستبد مع الاستقرار، على الحرية مع الفوضى، ولو كان الاستقرار كما الوضع في المقابر، والفوضى خلاقة للاستقرار بمعناه الحقيقي.
وليس فساد الأمم إلا من فساد نخبها، وقد أثبت الدرس الموريتاني هذه الأطروحة، فالديمقراطية لم تكن مطلبا شعبيا أيام الدكتاتور ولد الطايع، بل كانت مطلبا نخبويا، قبل أن تتحول مع حكم الرئيس الانتقالي ولد فال إلى منة عسكرية لا ضمانة شعبية لها، وهو أمر أكده الانقلاب الأخير، الذي لم يحرك رد فعل شعبي معارض، بقدر ما وجد سندا في مساندة عدد من النخب وقدر وافر من الشعب.
ولو أن النخب السياسية الموريتانية أجمعت أمرها جميعا على رفض الانقلاب، ولم يتهاوى عدد من النواب والوزراء والديبلوماسيين إلى إغراءات الاتقلابيين، لأرجعوا العسكر إلى ثكناتهم إلى الأبد، حتى تكون الكلمة الوحيدة للشعب، هو من انتخب الرئيس والبرلمان، وهو من يعاقب ويعزل، لا حارس الرئيس الذي قرر التحول إلى رئيس وزعم بدوره أن الشعب الموريتاني الذي قال كلمته قبل أشهر، قد منحه التفويض للقيام بذلك.
ربما كانت غلطة الرئيس المنتخب ولد الشيخ، أنه كان طهوريا أكثر من اللازم، وأنه لم يدرس التاريخ العربي جيدا، فقد أراد أن يعيد العسكريين إلى حجمهم الطبيعي كما في سائر الأنظمة الديمقراطية، لكنه نسي أنه في موريتانيا، وأن من يملك قوة العنف هو من يقرر، وليس الشعب، فلما بادر إلى قطع رأس الفتنة العسكرية، أجابه الجنرال الحارس بأنه هو الذي يقطع الرؤوس لا غيره، وكان أن تحول الحارس فعلا إلى رئيس.
وأذكر أن الجنرال ولد عبد العزيز قد فشل في أول لقاء تلفزيوني له، سويعات بعد انقلابه، حتى في توصيف انقلابه الحقير، بمنحه إسما يليق على غرار مال يفعل الانقلابيون العرب عادة، حيث قال أنه quot;ردة فعلquot;، قبل أن تسعفه النخب السياسية الفاسدة الجاهزة للبس حلة الملك الجديد سريعا، بمصطلح quot;الحركة التصحيحيةquot;، وقد كان الانقلاب quot;حركة تخريبيةquot;.
لقد كشفت الأحداث المتلاحقة في موريتانيا، أن الشعب لم يكن مستعدا للدفاع عن ديمقراطيته الوليدة، وأن السلوك الديمقراطي القويم لم يترسخ لدى النخب السياسية الموريتانية حقا، فقد أيد ولد داده زعيم المعارضة العتيد أيام الرئيس ولد الطايع الانقلاب العسكري، وحمل ولد الشيخ المسؤولية عما وقع، وأحسب أن دافع الرجل كان الانتقام لعدم فوزه في الانتخابات الرئاسية، لأن بعض زعمائنا السياسيين يعتقدون بأن الديمقراطية هي فقط ذلك النظام السياسي الذي يفضي إلى فوزهم، أما إذا حدث خلاف ذلك فكل وضع آخر سيكون أفضل.
زعيم الانقلابيين الجنرال ولد عبد العزيز استهزأ عمليا بالمعارضة الخارجية المحتشمة للانقلاب، وعزا ذلك إلى نقص في المعلومات لدى هذه الجهات، مراهنا على أن الزمن سيلين مواقف الممانعين والمتشككين، خصوصا إذا ما استكان الشعب إلى النظام الجديد، وليس مستبعدا أن يستكين، فصبر العرب على الديمقراطية قليل قليل، لكن قدرتهم على التعايش مع المستبدين يفوق كل تصور.
النقاش والحوار واختلاف وجهات النظر بين السياسيين ومساءلة الوزراء أمام اللجان البرلمانية وتصادم المؤسسات الدستورية فيما بينها وووقوف البرلمان في وجه الرئيس وحرص الرئيس على تطبيق برامجه الانتخابية، كل ذلك لا يعد في نظر شعوب ألفت الاستبداد مظاهر تعاف للحياة السياسية، وتأسيسا لتقاليد سلطوية حيوية جديدة، بل مظاهر عدم استقرار وفوضى، أما القرارات السريعة الأحادية والمزاجية والشخصية الصادرة عن الذات الإلهية الحاكمة في الأنظمة الاستبدادية فليست إلا دليلا على عبقرية خيارات القائد وعظمة إنجازاته اللامتناهية.
وليكن معلوما إذا، أنه إذا لم يعد سيدي ولد الشيخ عبدالله إلى سدة رئاسته الشرعية، بمعية رئيس وزرائه المتضامن، فسيعلم الموريتانيون أن الانقلابيين لن يعودوا بعد انقلابهم الأخير هذا إلى ثكانتهم العسكرية، وأنهم حتى وإن نظموا انتخابات جديدة لا يشاركون فيها كما وعدوا، فسيظلون هم من يحكم من وراء الستار، ربما كما رغبوا في فعل ذلك مع ولد الشيخ، الذي رفض فيما يبدو أن يكون رئيسا quot;طرطوراquot;.
* كاتب تونسي
التعليقات