رغم الاحساس بالألم الشديد لسقوط الضحايا وخاصة من المدنيين الذين لا ذنب لهم، إلا ان التفكير السياسى يستوجب وجود طرف يتحمل مسئولية هذه الحرب الدامية، أو على الأقل يتحمل المسئولية الكبرى عن إشعال هذه الحرب، وأيضا لا بد من البحث عن حلول لوقف حمام الدم بطريقة عاجلة والتفكير فى حزمة إجراءات تمنع تكراره مستقبلا وتبعث الأمل مجددا فى عملية السلام.
من ناحيتى انا اتفق مع الموقف المصرى ومع السلطة الفلسطينية ومع الكثير من الدول فى العالم من تحميل منظمة حماس المتطرفة المسئولية الكاملة عن إندلاع هذه الحرب. وقد صدر بيان رسمى عن الأمانة العامة للحزب الوطنى الحاكم فى مصر وقعه الأمين العام صفوت الشريف يحمل حماس المسئولية عن هذه الحرب، بل وازيد والتخطيط لها، فما حدث هو ما خططت له حماس لفترة طويلة وعملت من آجله ولم تفأجى به، المفأجاة فقط كانت فى توقيت الضربة يوم السبت وفى حجمها.بل واقول منذ إنتخابها فى يناير 2006 وحماس تخطط للفوضى فى المنطقة بإلاستيلاء على غزة ومنها إلى الضفة كما قال محمود الزهار: الضفة تحتاج إلى أن تتحرر من سلطة عباس.منذ تشكيل حكومة هنية وهى تسير بخطوات متسارعة أوصلت اهل غزة إلى هذه المحنة وهذا المصير المؤسف، ومنذ استيلاءها على الحكم فى غزة فى يونيه 2007 حولت القطاع إلى جحيم لا يطاق وحاصرت حريات الناس وعبثت بكرامتهم قبل أن تحاصرها إسرائيل من الخارج، ووصل الأمر لمنع الناس من الحج، وخاطبهم هنية : من فاته يوم عرفات فليلحق بيوم حماس، يقصد الإحتفال بمرور 21 عاما على منظمة حماس، وحتى صلاة العيد فى الخلاء وهى من طقوس حماس واخوتها منعتها عن أعضاء فتح فى غزة.
علينا أن نتذكر أن امارة غزة الإسلامية(حماستان) هى الدولة الوحيدة فى العالم حاليا التى يحكمها الاخوان المسلمون،وهى نموذج لحكم الاخوان إذا استولوا على الحكم فى مصر أو غيرها، وعلينا أيضا أن نتذكر أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من عباءة الاخوان المسلمين، وعندما فشلت هذه التنظيمات فى إسقاط الأنظمة والإستيلاء على الحكم وتلقت ضربات موجعة من الأجهزة الأمنية، عاد حلم الإستيلاء على الدول عبر الفوضى، والذى هو خيار حماس بامتياز.خيار الفوضى عبر تفكيك الدول والسيطرة على قرار الحرب والسلم فيها ووضعها رهينة تحت رحمة المليشيا المسيطرة، وهو ما حدث من حزب الله فى لبنان ومن حماس فى غزة، وهذه هى المرحلة الاولى فى طريق السيطرة على الدولة برمتها.
يخطئ من يظن أن خيار حماس منذ سيطرتها على غزة هو المقاومة والتحرير، هذا وهم كبير، كل ما كانت تتمناه حماس هو إعتراف إسرائيل بشرعيتها وإعتراف المجتمع الدولى بحكمها لغزة، ولهذا عرض خالد مشعل فى مقالة له بصحيفة الجارديان يوم 28 يوليو 2006 هدنة طويلة ومفتوحة على إسرائيل فى مقابل الاعتراف بحكومة حماس.
من البداية كانت حماس تخطط لهذا الإستيلاء عبر تكوين القوة التنفيذية، وإستخدمت العنف ضد الامن الفلسطينى عندما طالب ابو مازن سحب الشرعية عن هذه القوة التنفيذية التى شكلها سعيد صيام لدعم مليشيا حماس وتسليحها عسكريا، وإستخدام شرعية ابو مازن من آجل تسليح مليشيا حماس للسيطرة والإستيلاء على هذه السلطة فيما بعد.
المتابعون يتذكرون القاء رجال فتح من فوق اسطح البنايات عقب إستيلاء حماس على الحكم فى غزة،ومعظمنا يتذكر كيف أن تاريخ حماس هو تعطيل كل الحلول السلمية بعملياتهم الإنتحارية العبثية الموسمية التى لا تظهر سوى عند بدء مباحثات جادة، والمتابعون يعلمون أن هذه العمليات لم تكن غرضها التحرير بل التعطيل، تعطيل جهود المجتمع الدولى وتحطيم الآمال فى وجود حل على مائدة المفاوضات.
وحماس التى جاءت للحكم وفقا لاتفاقية اوسلو تنكرت لهذه الاتفاقية الدولية، فلماذا إذن قبلت بالمشاركة السياسية على قواعد الشرعية والديموقراطية والحل السلمى عبر المفاوضات؟!!.
وبعد إنكشاف حماس أمام الرأى العام الفلسطينى والدولى، سلكت سلوكا اعتبرت من خلاله أن شعب غزة رهينة لوجودهم فى السلطة،ألم يقل اسماعيل هنية أننا لن نستسلم حتى ولو أبيدت غزة عن آخرها، الم يصرح خالد مشعل بأن المقاومة بخير رغم كل الدمار الذى حدث لشعب غزة، المهم فى رأيه بقاء اتباعه حتى ولو على اجساد اهل غزة واطفالها ونساءها. رفضت حماس الديموقراطية التى آتت بها للحكم، ورفضت الإنتخابات المبكرة للاحتكام للشعب، ورفضت الاستفتاء الشعبى،ورفضت المصالحة الوطنية، وأصر خالد مشعل على أن يعامل مثل ابو مازن فى حوارات القاهرة باعتبار كل منهما رئيسا لدويلة.وقبل حرب غزة الحالية لم يكن هناك تفكير فى المقاومة وخلافه، بل فى فتح المعابر مقابل الهدنة،هذا هو مطلب حماس الحقيقى، أى تقوية سلطة حماس. وكانت سلطة حماس تعد مشروع قوانيين تطبيق الشريعة قبل بدء هذه الحرب( قطع الارجل واليد والرجم والجلد)، أى بمعنى وأضح تثبيت أركان الامارة الإسلامية فى غزة والإنطلاق منها لغزو الضفة ومساعدة الاخوان المسلمين فى مصر والاردن للسيطرة على الحكم، ويتبجح محمد نزال عضو المكتب السياسى لحماس بتكراره على الفضائيات مقولة: اليست الامارة الإسلامية افضل من الامارة العلمانية والامارة الصهيونية؟.
لقد صدق وصف رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان لحماس بالعصابة،وهل هناك إجرام أكثر من إطلاق النار على عناصر فتح الذين هربوا من السجون بعد قصف إسرائيل للسجن، وحسب قناة فوكس نيوز فقد قتلت حماس 35 شخصا من فتح خلال هروبهم من السجن، والغريب أن الحدث رغم بشاعته لم تذيعه قناة عربية واحدة،والاغرب إنه تم إضافة هؤلاء ال 35 إلى أعداد القتلى ضحايا القصف الإسرائيلى.
وقد كشف الجانب المصرى عن أمور شتى كان ينكرها من قبل، ففى حوار لبرنامج البيت بيتك يوم السبت 4 يناير كشف الجنرال خلف مستشار اكاديمية ناصر العسكرية بأن هناك حوالى 2000 نفق لتهريب كل شئ بما فى ذلك الاسلحة عبر رفح المصرية، وأن حماس كانت تخزن الأسلحة فى المساجد التى قصفتها إسرائيل، بل كما يقول اللواء خلف وصل الأمر بعناصر حماس المسلحة للتخفى فى الزى الابيض داخل المستشفيات فى غزة مما يعرض هذه المستشفيات لخطر القذف. وتقوم حماس بإقتسام إيراد الأنفاق مع اصحابها، وتقدر عائدات هذه الانفاق ب 200 مليون دولار سنويا بخلاف 40 مليون دولار شهريا تتلقاها من إيران مقابل تنفيذ الأجندة الإيرانية فى المنطقة. وحسب ال بى بى سى صدر عن إسرائيل مقاطع فيديو تظهر انفجار لمقذوفات بعد استهداف احد المساجد فى غزة كدليل على صحة ما تقول.
وطبعا لكى تبعد حماس الإتهام عن مسئوليتها عن أحداث غزة فجرت كما يقولون كرسى فى الكلوب لتصعيد موضوع معبر رفح،هذا المعبر مقنن وفقا لإتفاقية دولية وما سعت اليه حماس عمليا هو إزالة الحدود وليس فتح المعبر عبر السماح للناس بالخروج بدون وثائق سفر معتمدة من السلطة الشرعية، لانها ببساطة تريد ترحيل مشاكلها وفشلها والتنفيس عن الشعب الغاضب بدفعه إلى سيناء المصرية.
نشر الفوضى فى مصر مطلب حماس ومطلب رعاتها فى ايران ودمشق ومطلب حلفاءها من الاخوان المسلمين فى الداخل المصرى، وتحويل سيناء إلى وطن بديل حلم إسرائيلى،وحل مشكلة غزة عبر تسليمها لمصر هو تفكير بعض الاطراف الأمريكية كما كتب السفير الأمريكى السابق فى الأمم المتحدة جون بولتون فى صحيفة الواشنطن بوست يوم 5 يناير.
لقد تعدت حماس كل الخطوط الحمراء فيما يتعلق بأمن مصر القومى، وفيما يتعلق بمستقبل الدولة الفلسطينية، ووضعت الجميع فى موقف صعب لا يحسد أحد عليه، وعزلت غزة عن العالم وعن باقى فلسطين، ودمرت حلم الدولة الفلسطينية، وجعلت المجتمع الدولى حائرا حول الطرف الفلسطينى الذى يتحمل مسئولية تطبيق الإتفاقيات، وخلقت وضعا شاذا فى المنطقة، وجلبت إيران لحدود مصر الشرقية عبر تبنيها للأجندة الإيرانية، وسلكت سلوك حزب الله فى مغامراته الطائشة، وتطاولت وحرضت على مصر ودورها التاريخى، وتبجحت بكونها تسعى للاعتراف بها على جثث اهل غزة، ولهذا فهى تتحمل المسئولية الرئيسية عن نكبة أهل غزة قبل هذه الحرب،وعن الخراب الذى جاءت به هذه الحرب، وتتحمل المسئولية الأكبر عن ضياع القضية برمتها وحلم الدولة الذى ناضل من آجله الفلسطينيون والمصريون منذ عام 1948.
المنظمات المتطرفة مثل حزب الله وحماس تحتمى وراء وجود شرعية مفتوحة لمن يعادى إسرائيل لدى تيار كبير من الشارع العربى المؤدلج والمهووس بكراهية كل ما هو إسرائيلى ويهودى،وتستند هذه المنظمات فى تعريفها للمنتصر والمهزوم على مقولة لهنرى كيسنجر تقول: الجيش التقليدى يخسر إذا لم ينتصر، والعصابة تنتصر إذا لم تخسر.
ولكن ليس معنى هذا إعفاء إسرائيل من المسئولية. إسرائيل تتحمل مسئولية الافراط فى إستعمال القوة، وتتحمل إضعاف سلطة ابو مازن فى جهوده لإحلال السلام وإقامة الدولتين، وتتحمل عرقلة الجهود الأمريكية فى حل الدولتين، ويساهم سلوكها السياسى غير الرشيد فى تقوية الراديكالية الإسلامية فى المنطقة باسرها.
[email protected]