جامعة القاهرة (1908-2008)
احتفلت جامعة القاهرة بمقرها الرئيسى يوم الأحد 21 ديسمبر 2008 بمرور مائة عام على تأسيسها. ومما يؤسف له أن الجامعة العريقة فى الواقع تحتفل بماضيها المجيد لأن الحاضر محزن والمستقبل لا يبشر بخير.فى العام الماضى حزنا، وإن كنا لم نندهش، لأن جامعة القاهرة لم تحصل على أى ترتيب فى الخمسمائة جامعة الأولى فى العالم. هذه السنة حزنا وإندهشنا لأن ترتيب جامعة القاهرة بين الجامعات الافريقية هو رقم 29. أرايتم إلى اى مدى تدهورت جامعة القاهرة وتدهور التعليم فى مصر والتى تعتبر الجامعة العريقة عنوانه الرئيسى،بل أن تراجع وضع جامعة القاهرة هو مؤشر لما حدث فى مصر ذاتها من تراجع وتدهور.
هناك عاملان رئيسيان اثرا فى وضع جامعة القاهرة وفى تراجعها أيضا وهما:
هناك عاملان رئيسيان اثرا فى وضع جامعة القاهرة وفى تراجعها أيضا وهما:
إستقلال الجامعة
منذ نشأتها كانت جامعة القاهرة مركزا للتنوير ومنبرا وطنيا، بل ومثلت الجامعة الوطنية الاولى فى العالم العربى،وكان هذا مقبولا حيث كانت تعانى مصر من وقوعها تحت الاحتلال الانجليزى، وفى نفس الوقت لم يؤثر الدور الوطنى التى كانت تلعبه الجامعة على دورها التعليمى حيث كانت مقصدا للطلاب والاساتذة المتميزين من الجامعات الكبرى فى اوروبا وغيرها كما تفعل الجامعات المحترمة فى العالم الآن.
كان الدور التنويرى مرتبطا بالدعوة إلى تأسيس الجامعة ذاته ومن بعده إدارتها، حيث تولى هذه المهمة شخصيات وطنية وليبرالية مثل سعد زغلول ومحمد فريد واحمد لطفى السيد وقاسم امين وطه حسين وجورج زيدان وعبد العزيز فهمى وعبد الخالق ثروت وغيرهم.
تبدل الوضع بعد إنقلاب يوليو حيث طبع عبد الناصر الجامعة بنسخته الفاشية فى الحكم وعمل على تطويع الجامعة لخدمة نظامه السياسى ومشروعه القومى والاشتراكى، وقد تجسد ذلك فيما عرف بعملية quot; تطهير الجامعةquot; حيث تم فصل 70 استاذا ومعيدا فى سبتمبر عام 1954، وحتى المناهج التعليمية والبحثية قد تأثرت بمناخ الفاشية الناصرية، ففرضوا تدريس ما يسمى بالأشتراكية العربية، وقد أضطر استاذ مرموق مثل سعيد النجار أن يهرب من مصر قبل إعتقاله لأنه رفض تدريس الاشتراكية العربية لطلبة كلية الأقتصاد، وتم الغاء مناقشة رسالة الدكتوراة للدكتور وليم الميرى قبل ساعات من مناقشتها لأنه انتقد نظام الرقابة على الصحف فى رسالته وأضطر فيما بعد لحذف كل هذه الاجزاء من الرسالة، وخضعت جامعة القاهرة لنظام الرقيب العلمى(مستترا وليس ظاهرا) وهو المعادل للرقيب الصحفى الذى كان يتواجد فى كل الصحف وقتها.
وفى عهد السادات طبع الجامعة بفاشية من نوع أخر وهى الفاشية الدينية، واطلق على مصر دولة العلم والإيمان مضفيا شرعية إسلامية على العلم، وحدث فى عهده التطهير الثانى للجامعة، ومن الصدف إنه جاء فى سبتمبر أيضا، حيث تم إبعاد 86 استاذا عن الجامعة فى سبتمبر 1981.
ولكن ليس من الصدف أن الشخصيتين اللتين قامتا بتخريب الجامعة فى عهدى ناصر والسادات هم من الاخوان المسلمين،الاول هو كمال الدين حسين(الذى تظاهر بأنه ترك فكر الأخوان) والذى عينه عبد الناصر وزيرا للتعليم وامينا عاما لجامعة القاهرة وجلس على الكرسى الذى كان يجلس عليه طه حسين، وقام بمذبحة 1954، والثانى هو محمد عثمان إسماعيل صديق السادات الشخصى والذى تولى لمدة عشر سنوات متصلة مسئولية زرع التيار الإسلامى فى الجامعات المصرية ووصل به الأمر إلى توزيع الاسلحة على طلبة هذه الجماعات.وسيطر المتطرفون على الجامعة، وكما يقول دونالد ريد استاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة جورجيا quot; ولكن الجماعات الإسلامية أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا للطلاب والأساتذة من أصحاب المعتقدات الأخرى وللسلطات الجامعية. فقد انتقل اسلوبها تدريجيا من الإقناع إلى الترهيب، ومن الترهيب إلى استخدام العنف بالكلمات والسلاسل الحديدية والهراوات، وكان الإسلاميون يقاطعون سير المحاضرات بالدعوة للصلاة،واضطروا،حتى من لا يشاركهم الرأى، إلى الإلتزام بالفصل بين الجنسين أثناء الجلوس فى المحاضرات، كما فرضوا بالقوة إلغاء النشاط المسرحى والعروض السينمائية والحفلات الموسيقية والرحلات المختلطة. وعارضوا إطفاء الأنوار أثناء عرض الشرائح التوضيحية فى المحاضرات التى يحضرها الطلاب والطالبات معا، وصبغوا الجامعة بالزى الإسلامىquot;.وبالطبع بدأت جامعة القاهرة تتماشى مع هذا التحول الخطير فرأينا تدريس الأقتصاد الإسلامى والعلوم الإسلامية فى الجامعة، وأنتشرت الرقابة الدينية على البحث العلمى.
وفى عهد مبارك تدهورت الأمور بشكل أكبر وسلمت الجامعة برمتها لأجهزة الأمن، وهى التى تتحكم فى كل شئ من تعيين رئيس الجامعة والعمداء ورؤساء الأقسام إلى اتحادات الطلبة، وتفرغ الكثير من الأساتذة لكتابة التقارير عن الطلبة وعن زملاءهم. يقول المؤرخ الراحل رؤوف عباس quot;كانت هذه التقارير هى الطريق التى سلكها الإنتهازيون للحصول على المكافأت مثل مناصب المستشار الثقافى بالسفارات المصرية بالخارج، ومناصب الهيئات الدولية وانتظار حلول الدور لتولى منصب الوزيرquot;، ويواصل quot; وخضعت الجامعة لسلطان أجهزة الأمن، فكان طه ربيع مدير إدارة الأمن بوزارة التعليم العالى يمارس نفوذا يفوق سلطات الوزير ذاته، وكان رئيس الجامعة أحرص الجميع على التفانى فى خدمة أجهزة الأمن، ولا يرفض لأحد كبار ضباطها طلبا شخصياquot;. ويقول دكتور محمد سيد سعيد quot; دمروا الحياة الجامعية، دمروا الحياة الأكاديمية، حولوا الطلبة إلى مخبرينquot;. ولهذا يتساءل دكتور محمد ابو الغار بمرارة quot; هل تتقدم مصر بالبحث العلمى أم بالأمن المركزى؟، فالجامعة لا يمكن تسميتها جامعة لو مكنتش حرةquot;.
منذ نشأتها كانت جامعة القاهرة مركزا للتنوير ومنبرا وطنيا، بل ومثلت الجامعة الوطنية الاولى فى العالم العربى،وكان هذا مقبولا حيث كانت تعانى مصر من وقوعها تحت الاحتلال الانجليزى، وفى نفس الوقت لم يؤثر الدور الوطنى التى كانت تلعبه الجامعة على دورها التعليمى حيث كانت مقصدا للطلاب والاساتذة المتميزين من الجامعات الكبرى فى اوروبا وغيرها كما تفعل الجامعات المحترمة فى العالم الآن.
كان الدور التنويرى مرتبطا بالدعوة إلى تأسيس الجامعة ذاته ومن بعده إدارتها، حيث تولى هذه المهمة شخصيات وطنية وليبرالية مثل سعد زغلول ومحمد فريد واحمد لطفى السيد وقاسم امين وطه حسين وجورج زيدان وعبد العزيز فهمى وعبد الخالق ثروت وغيرهم.
تبدل الوضع بعد إنقلاب يوليو حيث طبع عبد الناصر الجامعة بنسخته الفاشية فى الحكم وعمل على تطويع الجامعة لخدمة نظامه السياسى ومشروعه القومى والاشتراكى، وقد تجسد ذلك فيما عرف بعملية quot; تطهير الجامعةquot; حيث تم فصل 70 استاذا ومعيدا فى سبتمبر عام 1954، وحتى المناهج التعليمية والبحثية قد تأثرت بمناخ الفاشية الناصرية، ففرضوا تدريس ما يسمى بالأشتراكية العربية، وقد أضطر استاذ مرموق مثل سعيد النجار أن يهرب من مصر قبل إعتقاله لأنه رفض تدريس الاشتراكية العربية لطلبة كلية الأقتصاد، وتم الغاء مناقشة رسالة الدكتوراة للدكتور وليم الميرى قبل ساعات من مناقشتها لأنه انتقد نظام الرقابة على الصحف فى رسالته وأضطر فيما بعد لحذف كل هذه الاجزاء من الرسالة، وخضعت جامعة القاهرة لنظام الرقيب العلمى(مستترا وليس ظاهرا) وهو المعادل للرقيب الصحفى الذى كان يتواجد فى كل الصحف وقتها.
وفى عهد السادات طبع الجامعة بفاشية من نوع أخر وهى الفاشية الدينية، واطلق على مصر دولة العلم والإيمان مضفيا شرعية إسلامية على العلم، وحدث فى عهده التطهير الثانى للجامعة، ومن الصدف إنه جاء فى سبتمبر أيضا، حيث تم إبعاد 86 استاذا عن الجامعة فى سبتمبر 1981.
ولكن ليس من الصدف أن الشخصيتين اللتين قامتا بتخريب الجامعة فى عهدى ناصر والسادات هم من الاخوان المسلمين،الاول هو كمال الدين حسين(الذى تظاهر بأنه ترك فكر الأخوان) والذى عينه عبد الناصر وزيرا للتعليم وامينا عاما لجامعة القاهرة وجلس على الكرسى الذى كان يجلس عليه طه حسين، وقام بمذبحة 1954، والثانى هو محمد عثمان إسماعيل صديق السادات الشخصى والذى تولى لمدة عشر سنوات متصلة مسئولية زرع التيار الإسلامى فى الجامعات المصرية ووصل به الأمر إلى توزيع الاسلحة على طلبة هذه الجماعات.وسيطر المتطرفون على الجامعة، وكما يقول دونالد ريد استاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة جورجيا quot; ولكن الجماعات الإسلامية أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا للطلاب والأساتذة من أصحاب المعتقدات الأخرى وللسلطات الجامعية. فقد انتقل اسلوبها تدريجيا من الإقناع إلى الترهيب، ومن الترهيب إلى استخدام العنف بالكلمات والسلاسل الحديدية والهراوات، وكان الإسلاميون يقاطعون سير المحاضرات بالدعوة للصلاة،واضطروا،حتى من لا يشاركهم الرأى، إلى الإلتزام بالفصل بين الجنسين أثناء الجلوس فى المحاضرات، كما فرضوا بالقوة إلغاء النشاط المسرحى والعروض السينمائية والحفلات الموسيقية والرحلات المختلطة. وعارضوا إطفاء الأنوار أثناء عرض الشرائح التوضيحية فى المحاضرات التى يحضرها الطلاب والطالبات معا، وصبغوا الجامعة بالزى الإسلامىquot;.وبالطبع بدأت جامعة القاهرة تتماشى مع هذا التحول الخطير فرأينا تدريس الأقتصاد الإسلامى والعلوم الإسلامية فى الجامعة، وأنتشرت الرقابة الدينية على البحث العلمى.
وفى عهد مبارك تدهورت الأمور بشكل أكبر وسلمت الجامعة برمتها لأجهزة الأمن، وهى التى تتحكم فى كل شئ من تعيين رئيس الجامعة والعمداء ورؤساء الأقسام إلى اتحادات الطلبة، وتفرغ الكثير من الأساتذة لكتابة التقارير عن الطلبة وعن زملاءهم. يقول المؤرخ الراحل رؤوف عباس quot;كانت هذه التقارير هى الطريق التى سلكها الإنتهازيون للحصول على المكافأت مثل مناصب المستشار الثقافى بالسفارات المصرية بالخارج، ومناصب الهيئات الدولية وانتظار حلول الدور لتولى منصب الوزيرquot;، ويواصل quot; وخضعت الجامعة لسلطان أجهزة الأمن، فكان طه ربيع مدير إدارة الأمن بوزارة التعليم العالى يمارس نفوذا يفوق سلطات الوزير ذاته، وكان رئيس الجامعة أحرص الجميع على التفانى فى خدمة أجهزة الأمن، ولا يرفض لأحد كبار ضباطها طلبا شخصياquot;. ويقول دكتور محمد سيد سعيد quot; دمروا الحياة الجامعية، دمروا الحياة الأكاديمية، حولوا الطلبة إلى مخبرينquot;. ولهذا يتساءل دكتور محمد ابو الغار بمرارة quot; هل تتقدم مصر بالبحث العلمى أم بالأمن المركزى؟، فالجامعة لا يمكن تسميتها جامعة لو مكنتش حرةquot;.
العلاقة بين الدين والعلم
شكل الدين قيدا على البحث العلمى منذ بداية جامعة القاهرة.وكانت هناك اربعة وقائع حددت حدود الجدل العلمى الدينى فى جامعة القاهرة قبل عام 1952،أو بمعنى أوضح وضعت خطا احمرا على الاقتراب من الإسلام أو حتى التاريخ الإسلامى، وبالتحديد هى قضية جورج زيدان اللبنانى المسيحى الأرثوذكى والمثقف المعروف ومؤسس دار الهلال حينما تم منعه من التدريس بالجامعة عام 1910 لأنه كان يدرس التاريخ الإسلامى بطريقة علمية رافضا التاريخ الدعائى عن الفتوحات الإسلامية،معتبرا ان تاريخ الأمة الحقيقى هو تاريخ تمدنها وحضارتها لا تاريخ حروبها وفتوحاتها التى يقدمه المؤرخون العرب.والحادثة الثانية هى فصل منصور فهمى من الجامعة لأن رسالته للدكتوراة فى السربون عام 1913 عن quot; وضع المرأة فى تراث الحركة الإسلامية عبر تطورهاquot; تناولت تدهور وضع المرأة العربية مع مجيئ الإسلام، عكس ما هو متداول فى الثقافة الإسلامية، ومع تبحر الباحث فى التاريخ الإسلامى قادته إستنتاجاته كما جاء فى الرسالة بأن نبى الإسلام محمد ألف القرآن، وأن أهواءه دفعته إلى صياغة الرسالة السماوية وفقا لمنفعته الشخصية، بل وأن نبى الإسلام كما جاء فى رسالته وجد من الصعب عليه إخضاع نفسه للقوانيين التى أعلنها باسم الله، رغم إصراره كمصلح على فرض هذه القوانيين على الأمة التى أراد أن يشكلها، ولكنه سرعان ما حل المشكلة بأن منح نفسه امتيازات مقدسة لا ينعم بها البشر العاديون. الحادثة الثالثة كانت عام 1926 حين الف طه حسين كتابه quot; فى الشعر الجاهلىquot; وتوصل لإستنتاج أن معظم الشعر الجاهلى تعرض للتزييف بعد ظهور الإسلام، وأن ابراهيم لم يساهم فى بناء الكعبة لأنه لم يزر هذه الأرض من الأساس مناقضا بذلك الرواية القرآنية، وقد برأته المحكمة من تهمة الكفر معتبرة أن ذلك من حرية البحث العلمى ،واضطر هو أن يحذف الإشارة إلى ابراهيم وإسماعيل فى الطبعات التالية والتى سماها quot; فى الادب الجاهلىquot;. الحادثة الرابعة تعرض لها محمد احمد خلف الله حينما تم إلغاء رسالته العلمية للدكتوراة عن القصص القرآنية عام 1947 لأنه أعتبر هذه القصص تعبر عن الرمزية والمجازية وليس الواقع التاريخى ،وأتهمه خصومه بأنه يدلل على أن نبى الإسلام محمد هو الذى ألف القصص القرآنى وليس الله.
ولكن هذا الأمر تطور بشكل سلبى ومدمر للبحث العلمى ذاته بعد يوليو 1952 وخاصة فى عهدى السادات ومبارك، وأصبح هناك فيتو دينى على البحوث والمؤتمرات العلمية، وفى تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش رصدت فيه القيود التى يفرضها الأزهر على البحث العلمى والأساتذة فى جامعة القاهرة وغيرها، وتطور تدخل الأزهر من الرقابة على الكتب ومصادرتها إلى الرقابة على الأعمال الفنية إلى الرقابة على البحث العلمى ذاته، ولم يعد أحد يتحدث عن الجماعات الإسلامية بعد أن تحولت المؤسسة الإسلامية الرسمية كرقيب على العلم والعلماء والبحوث بديلا عن هذه الجماعات.
ويكفى للتدليل على التدهور الذى حدث إنه فى عام 1913 تم فصل منصور فهمى من الجامعة لأنه شكك بشكل صريح فى الإسلام وفى الرسالة المحمدية بل وفى القرأن ذاته، ومع هذا لم يتعرض للخطر أو القتل، بل عاد أستاذا بالجامعة عام 1919، وعاد طه حسين أيضا للجامعة بعد قضيته. ولكن بعد هذه السنوات الطويلة طرد نصر حامد ابو زيد من جامعة القاهرة وحكم القضاء بتفريقه عن زوجته عام 1994 لمجرد إنه طالب بتفسير النصوص القرآنية بشكل حداثى يتماشى مع الإحتياجات الإنسانية المعاصرة.
وسيطرة الدين على العلم فى جامعة القاهرة موضوع يطول شرحه، ولكن إنعكاساته كانت كبيرة على حرية البحث العلمى وعلى تواجد الآخر غير المصرى وغير المسلم فى الجامعة، ويكفى ان نقول إنه فى عام 1910 كان عدد طلاب جامعة القاهرة 403 طالبا منهم فقط 271 مصرى،27 فرنسى،16 ايطالى،14 المانى،9 انجليز،19 عثمانى،6 نمساويين،3 من بلجيكا،38 من جنسيات أخرى.فى عام 2008 يندر ان تجد أجنبى يدرس فى جامعة القاهرة سوى هؤلاء الذين حضروا لدراسة اللغة العربية، ويعود ذلك لتدهور الوضع العلمى من ناحية ولمناخ رفض الآخر غير المسلم من ناحية أخرى.
فى سنة 1910 أيضا كان عدد الطلاب المسلمين فى جامعة القاهرة 227 طالبا بنسبة 55%، والمسيحيون 115 طالبا بنسبة 28%، والطلاب اليهود 73 طالبا بنسبة 18%. فى عام 2008 لا يوجد طالب يهودى واحد بالجامعة وترفض الجامعة إعطاء احصاء بنسبة عدد المسيحيين فى الجامعة.
فى عام 1950 كان عدد الطلاب المسيحيين فى كلية الطب البشرى يشكلون 42% من عدد الطلاب، 26% فى الهندسة،24% فى الآداب،26% فى العلوم،28% فى الطب البيطرى، 17% فى الزراعة7% فى الحقوق. فى عام 2008 لم تتراجع هذه النسب فحسب بل ويحرم عليك الحصول على مثل هذه الإحصاءات.
ولهذا كان محقا دكتور رؤوف عباس بقوله quot; تحت القبة وهمquot;،ويقصد قبة جامعة القاهرة الشهيرة. وفى دراسة لمنظمة اليونسكو عام 1983 ذكرت وقتها أن جامعة القاهرة بها 150 الف طالب ومبانيها تكفى فقط ل 35 الف طالب، وأن مناهجها الدراسية متخلفة عن العالم ب 20 عاما، وأن الجامعات المصرية بها أستاذ لكل 666 طالبا مقارنة بسبعة طلاب فى بريطانيا وستة فى الاتحاد السوفيتى وقتها.
والآن بعد ربع قرن من هذا البحث تدهور الوضع اكثر ويمكن القول باطمئنان أن الجامعة متخلفة نصف قرن عن جامعات العالم المحترمةlsquo; فى حين قال لى دكتور رشدى سعيد إنه عندما عاد من هارفارد عام 1951 كانت جامعة القاهرة تضاهى كبرى الجامعات فى امريكا واوروبا، وكان الطلاب الافارفة يفضلونها عن اكسفورد وكمبيردج وبرنستون،الآن جامعة القاهرة رقم 29 فى افريقيا.
على كرسى طه حسين جلس اليوزباشى المتعصب كمال الدين حسين، وعلى كرسى احمد لطفى السيد جلس الاخوانى صوفى ابو طالب الذى قدم قوانيين الشريعة الإسلامية عندما عينه السادات رئيسا لمجلس الشعب بعد رئاسة جامعة القاهرة، وبعد أن كانت جامعة القاهرة تموج بالحركة الوطنية أصبح الصراع يدور الآن بين طلبة الاخوان وأجهزة الأمن،وهو أمتداد لصراع الفاشيات على كرسى الحكم خارج الجامعة. ولا عجب بعد ذلك أن تتدهور جامعة القاهرة وأن يتدهور التعليم فى مصر، ولهذا يقول دكتور محمد البرادعى، الحائز على جائزة نوبل، فى حوار لجريد الحياة بتاريخ 20 ديسمبر 2008 quot; لقد وصلنا إلى الحضيض فى كافة المجالات، وعلينا أن نبدا من جديد، وأن نركز فى المقام الأول والأخير على الإنسان وحاجته إلى التعليم والحرية والأملquot;
بعد مائة عام على انشاءها يبدو أن حسن البنا وسيد قطب أنتصرا على طه حسين واحمد لطفى السيد فى جامعة القاهرة وخارج جامعة القاهرة.
ولا عزاء للعلم ولا لمستقبل مصر.
[email protected]
شكل الدين قيدا على البحث العلمى منذ بداية جامعة القاهرة.وكانت هناك اربعة وقائع حددت حدود الجدل العلمى الدينى فى جامعة القاهرة قبل عام 1952،أو بمعنى أوضح وضعت خطا احمرا على الاقتراب من الإسلام أو حتى التاريخ الإسلامى، وبالتحديد هى قضية جورج زيدان اللبنانى المسيحى الأرثوذكى والمثقف المعروف ومؤسس دار الهلال حينما تم منعه من التدريس بالجامعة عام 1910 لأنه كان يدرس التاريخ الإسلامى بطريقة علمية رافضا التاريخ الدعائى عن الفتوحات الإسلامية،معتبرا ان تاريخ الأمة الحقيقى هو تاريخ تمدنها وحضارتها لا تاريخ حروبها وفتوحاتها التى يقدمه المؤرخون العرب.والحادثة الثانية هى فصل منصور فهمى من الجامعة لأن رسالته للدكتوراة فى السربون عام 1913 عن quot; وضع المرأة فى تراث الحركة الإسلامية عبر تطورهاquot; تناولت تدهور وضع المرأة العربية مع مجيئ الإسلام، عكس ما هو متداول فى الثقافة الإسلامية، ومع تبحر الباحث فى التاريخ الإسلامى قادته إستنتاجاته كما جاء فى الرسالة بأن نبى الإسلام محمد ألف القرآن، وأن أهواءه دفعته إلى صياغة الرسالة السماوية وفقا لمنفعته الشخصية، بل وأن نبى الإسلام كما جاء فى رسالته وجد من الصعب عليه إخضاع نفسه للقوانيين التى أعلنها باسم الله، رغم إصراره كمصلح على فرض هذه القوانيين على الأمة التى أراد أن يشكلها، ولكنه سرعان ما حل المشكلة بأن منح نفسه امتيازات مقدسة لا ينعم بها البشر العاديون. الحادثة الثالثة كانت عام 1926 حين الف طه حسين كتابه quot; فى الشعر الجاهلىquot; وتوصل لإستنتاج أن معظم الشعر الجاهلى تعرض للتزييف بعد ظهور الإسلام، وأن ابراهيم لم يساهم فى بناء الكعبة لأنه لم يزر هذه الأرض من الأساس مناقضا بذلك الرواية القرآنية، وقد برأته المحكمة من تهمة الكفر معتبرة أن ذلك من حرية البحث العلمى ،واضطر هو أن يحذف الإشارة إلى ابراهيم وإسماعيل فى الطبعات التالية والتى سماها quot; فى الادب الجاهلىquot;. الحادثة الرابعة تعرض لها محمد احمد خلف الله حينما تم إلغاء رسالته العلمية للدكتوراة عن القصص القرآنية عام 1947 لأنه أعتبر هذه القصص تعبر عن الرمزية والمجازية وليس الواقع التاريخى ،وأتهمه خصومه بأنه يدلل على أن نبى الإسلام محمد هو الذى ألف القصص القرآنى وليس الله.
ولكن هذا الأمر تطور بشكل سلبى ومدمر للبحث العلمى ذاته بعد يوليو 1952 وخاصة فى عهدى السادات ومبارك، وأصبح هناك فيتو دينى على البحوث والمؤتمرات العلمية، وفى تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش رصدت فيه القيود التى يفرضها الأزهر على البحث العلمى والأساتذة فى جامعة القاهرة وغيرها، وتطور تدخل الأزهر من الرقابة على الكتب ومصادرتها إلى الرقابة على الأعمال الفنية إلى الرقابة على البحث العلمى ذاته، ولم يعد أحد يتحدث عن الجماعات الإسلامية بعد أن تحولت المؤسسة الإسلامية الرسمية كرقيب على العلم والعلماء والبحوث بديلا عن هذه الجماعات.
ويكفى للتدليل على التدهور الذى حدث إنه فى عام 1913 تم فصل منصور فهمى من الجامعة لأنه شكك بشكل صريح فى الإسلام وفى الرسالة المحمدية بل وفى القرأن ذاته، ومع هذا لم يتعرض للخطر أو القتل، بل عاد أستاذا بالجامعة عام 1919، وعاد طه حسين أيضا للجامعة بعد قضيته. ولكن بعد هذه السنوات الطويلة طرد نصر حامد ابو زيد من جامعة القاهرة وحكم القضاء بتفريقه عن زوجته عام 1994 لمجرد إنه طالب بتفسير النصوص القرآنية بشكل حداثى يتماشى مع الإحتياجات الإنسانية المعاصرة.
وسيطرة الدين على العلم فى جامعة القاهرة موضوع يطول شرحه، ولكن إنعكاساته كانت كبيرة على حرية البحث العلمى وعلى تواجد الآخر غير المصرى وغير المسلم فى الجامعة، ويكفى ان نقول إنه فى عام 1910 كان عدد طلاب جامعة القاهرة 403 طالبا منهم فقط 271 مصرى،27 فرنسى،16 ايطالى،14 المانى،9 انجليز،19 عثمانى،6 نمساويين،3 من بلجيكا،38 من جنسيات أخرى.فى عام 2008 يندر ان تجد أجنبى يدرس فى جامعة القاهرة سوى هؤلاء الذين حضروا لدراسة اللغة العربية، ويعود ذلك لتدهور الوضع العلمى من ناحية ولمناخ رفض الآخر غير المسلم من ناحية أخرى.
فى سنة 1910 أيضا كان عدد الطلاب المسلمين فى جامعة القاهرة 227 طالبا بنسبة 55%، والمسيحيون 115 طالبا بنسبة 28%، والطلاب اليهود 73 طالبا بنسبة 18%. فى عام 2008 لا يوجد طالب يهودى واحد بالجامعة وترفض الجامعة إعطاء احصاء بنسبة عدد المسيحيين فى الجامعة.
فى عام 1950 كان عدد الطلاب المسيحيين فى كلية الطب البشرى يشكلون 42% من عدد الطلاب، 26% فى الهندسة،24% فى الآداب،26% فى العلوم،28% فى الطب البيطرى، 17% فى الزراعة7% فى الحقوق. فى عام 2008 لم تتراجع هذه النسب فحسب بل ويحرم عليك الحصول على مثل هذه الإحصاءات.
ولهذا كان محقا دكتور رؤوف عباس بقوله quot; تحت القبة وهمquot;،ويقصد قبة جامعة القاهرة الشهيرة. وفى دراسة لمنظمة اليونسكو عام 1983 ذكرت وقتها أن جامعة القاهرة بها 150 الف طالب ومبانيها تكفى فقط ل 35 الف طالب، وأن مناهجها الدراسية متخلفة عن العالم ب 20 عاما، وأن الجامعات المصرية بها أستاذ لكل 666 طالبا مقارنة بسبعة طلاب فى بريطانيا وستة فى الاتحاد السوفيتى وقتها.
والآن بعد ربع قرن من هذا البحث تدهور الوضع اكثر ويمكن القول باطمئنان أن الجامعة متخلفة نصف قرن عن جامعات العالم المحترمةlsquo; فى حين قال لى دكتور رشدى سعيد إنه عندما عاد من هارفارد عام 1951 كانت جامعة القاهرة تضاهى كبرى الجامعات فى امريكا واوروبا، وكان الطلاب الافارفة يفضلونها عن اكسفورد وكمبيردج وبرنستون،الآن جامعة القاهرة رقم 29 فى افريقيا.
على كرسى طه حسين جلس اليوزباشى المتعصب كمال الدين حسين، وعلى كرسى احمد لطفى السيد جلس الاخوانى صوفى ابو طالب الذى قدم قوانيين الشريعة الإسلامية عندما عينه السادات رئيسا لمجلس الشعب بعد رئاسة جامعة القاهرة، وبعد أن كانت جامعة القاهرة تموج بالحركة الوطنية أصبح الصراع يدور الآن بين طلبة الاخوان وأجهزة الأمن،وهو أمتداد لصراع الفاشيات على كرسى الحكم خارج الجامعة. ولا عجب بعد ذلك أن تتدهور جامعة القاهرة وأن يتدهور التعليم فى مصر، ولهذا يقول دكتور محمد البرادعى، الحائز على جائزة نوبل، فى حوار لجريد الحياة بتاريخ 20 ديسمبر 2008 quot; لقد وصلنا إلى الحضيض فى كافة المجالات، وعلينا أن نبدا من جديد، وأن نركز فى المقام الأول والأخير على الإنسان وحاجته إلى التعليم والحرية والأملquot;
بعد مائة عام على انشاءها يبدو أن حسن البنا وسيد قطب أنتصرا على طه حسين واحمد لطفى السيد فى جامعة القاهرة وخارج جامعة القاهرة.
ولا عزاء للعلم ولا لمستقبل مصر.
[email protected]
التعليقات