أحد المشاكل الرئيسية التى تواجه التقدم فى مصر والدول العربية هى رفض آلياته وافكاره ونظرياته وأدواته وطريقه،فالعرب عكس ما يدعون هم يرفضون التقدم، ببساطة لأن من اساسيات التقدم هو إخراجهم من الأقفاص الحديدية المحبوسين فيها.الأقفاص الحديدية تتمثل فى الدين والتراث والتاريخ المزيف والإستبداد السياسى والدينى. وليس معنى ذلك أن طريق التقدم معناه التخلى عن الدين، ولكن من أساسياته الحريات الدينية وعلى رأسها الحق فى تغيير الدين او المذهب أو المعتقد. والحبس فى قفص الدين الحديدى يتجاوز الحريات الدينية إلى تشكيل منظومة كاملة تعيق التقدم. نعم انا اؤمن أن دور الدين فى المجتمعات الإسلامية أحد الأسباب الرئيسية للتخلف. ودور الدين يختلف عن الدين، فالدين يمكن أن يكون محايدا تجاه التقدم كما فى المجتمعات العلمانية التى تأخذ بالفصل بين الدين والدولة، وقد يكون الدين عائقا للتقدم فى حال تدخله فى الدولة والسياسة والعلم والابداع والفكر و السلوك الإنسانى وهذا ما يحدث فى معظم الدول الإسلامية.
فى مصر هناك رفض شعبى ونخبوى كبير لنظام الرئيس مبارك ولكن لا يوجد تيار قوى يقدم بديل حقيقى لمستقبل مصر، لأن النظام والمعارضة على كافة أشكالها يتحدثون وينطلقون من أرضية واحدة ومحبوسين فى قفص حديدى واحد يرفضون الخروج منه إلى آفاق الحداثة الرحبة، وهكذا فان المنتجات الفكرية والسلوكية والأخلاقية واحدة. يقول دكتور ابراهيم السايح فى عموده فى صحيفة البديل المصرية بتاريخ 7 سبتمبر 2008،quot;المشكلة الحقيقية في مصر أنها تحولت في السنوات الأخيرة إلي دولة بلا أخلاق. وهذا النوع من الدول يمكن أن تحدث فيه كل أنواع ومستويات الجرائم والكوارث والتجاوزات.. الدولة طوال عهد مبارك ترتكب جرائم الكذب والتزوير والتلفيق علي كل المستويات وجميع الأصعدة، والناس يتعلمون هذا السلوك من حكومتهم ويلجأون مثلها للكذب والتلفيق والتزوير والرشوة والغش وكل ألوان الفساد... نحن دولة بلا أخلاق، وهذا النوع من الدول لا تنفع معه القوانين أو الدساتير أو الأنبياء أو الملائكةquot;...
فى السعودية يتحدثون عن حوار الأديان، وهم يرفضون الأعتراف بهذه الاديان فى مملكتهم ويحرمون اتباعها من مجرد حمل كتابهم المقدس حتى ولو فى السر، ولا اعرف بالضبط عن أى حوار يتحدثون؟. دولة تنعدم فيها الحريات الدينية وتتحدث عن حوار الأديان..اليست هذه نكتة سقيمة؟؟، أما إذا كان الحديث عن حوار الحضارات فأين هى هذه الحضارات التى تتحاور؟. نعرف أن هناك حضارة غربية مزدهرة، وهى حضارة عالمية إستفادت من التراكم الإنسانى. والسؤال ما هى الحضارة الآخرى التى تتحاور معها، هل يوجد حضارة عربية أو إسلامية فى الوقت الحالى؟.

(2)
نعم هناك قبول للتحديث ولكن فى نفس الوقت رفض للحداثة، لأن التحديث يتعلق بمنتجات التقدم اما الحداثة فتتعلق بالأفكار التى أدت إلى تحرر المجتمعات ومن ثم تقدمها.
التحديث فى هذه المنطقة هو مبادلة ثروة نفطية مخزونة بسلع مصنعة وخدمات متقدمة والتى هى منتجات لدول صناعية عاشت الحداثة وما بعد الحداثة، وبمجرد إنتهاء أو تراجع الفورة النفطية سيتراجع التحديث وتفقد هذه الدول التحديث أيضا، لأنه ببساطة تحديث سطحى وقشرى. فى السعودية لا مانع من شراء احدث السيارات وفى نفس الوقت ممنوع على المرأة قيادتها، ولا مانع من الإستعانة بقوات اجنبية غربية لمساعدة السعودية ضد اعداءها الاقليميين حتى ولو دخل هؤلاء الجنود إلى قلب الكعبة باسلحتهم الثقيلة واحذيتهم كما حدث إزاء أزمة احتلال الكعبة، ولكن فى زمن السلم فان دخول هؤلاء الكفرة لمكة والمدينة يعد نجاسة فى عرفهم. ولا مانع من الإستعانة بسيدات لقيادة الطائرات التى تحمى الأجواء السعودية فى الأزمات ولكن هذه السيدة التى تحمى الاجواء السعودية ممنوع عليها ان تسير على الارض بدون محرم رجل!!!.
فى الكويت صخب لا ينتهى من الإسلاميين ليس فقط لمنع الحداثة ولكن لإعاقة التحديث أيضا.

(3)
التطور فى مصر للأسف يسير للاسوأ،لأنها كانت سباقة فى قبول الحداثة ولكن تم اجهاض هذه الحداثة على يد القوميين والإسلاميين وتطور الأمر من رفض الحداثة إلى معاداتها والذى تطور إلى معاداة العولمة فيما بعد.
الإسلاميون والقوميون والاشتراكيون فى مصر ينطلقون من أرضية واحدة تعادى العولمة والغرب وامريكا، أى ببساطة يعادون مصادر الحداثة ومنابعها، فكيف يقولون إنهم يقدمون بديلا أفضل من نظام مبارك؟.
نعم النظام حاليا وصل إلى قمة الفساد والتكلس ولكن ما هو البديل المطروح؟.هل يستطيع أحد أن يشير إلى بديل معقول غير الردح نهارا وليلا ضد هذا النظام فى محاولة لإسقاطه بدون تصور عن الخيار المستقبلى الأفضل.
خلاصة ما اقوله أن المشكلة الحقيقية تكمن فى غياب رؤية للتقدم، لأن المناخ الحالى فى مصر والدول العربية ينتج دعاة كثر للدولة الدينية واصوات أكثر تعمل من آجل الفوضى ولكنه مناخ طارد لدعاة التقدم... وهذا هو المأزق، فالمشكلة الحقيقية ليست فى الحاجة إلى تغيير النظام ولكن فى الحاجة لخلق المناخ الصحى العلمى الليبرالى الحر الذى ينتج أفكارا للتقدم ويجذب دعاة التقدم من كل بقاع الأرض.
ونعود مرة أخرى للسؤال الذى بدأنا به، هل يمكن أن يدعى شخص أنه حر وهو محبوس فى قفص حديدى محكم؟، والكارثة الاكبر أن الكثيرين سعداء بمحبسهم هذا!!.
[email protected]