يواجه التغيير الديموقراطى فى مصر والشرق الأوسط مأزقا حقيقيا، وهذا المأزق يعكس الوضع الداخلى فى الدول العربية وفى شكل البدائل المتاحة لتحل محل الأنظمة القائمة، ومن ناحية اخرى الفتور الغربى الحالى تجاه دمقرطة المنطقة بعد اكتشافهم فى الغرب لصعوبة هذه العملية وتكلفتها الباهظة لدرجة وصول العديد من السياسيين والمحللين الاستراتيجيين فى الغرب إلى قناعة مفادها عصيان المنطقة العربية على التطور الديموقراطى أو الالتحاق بموجات الديموقراطية المتعاقبة والتى تجتاح العالم كل عدة عقود، واصبح مصطلح quot;الإستثناء العربىquot; من المصطلحات المضافة إلى قائمة المصطلحات السياسية عن المنطقة العربية، وفى المقابل هناك المصطلح المزمن فى المنطقة العربية عن quot; الخصوصية الثقافيةquot; التى تمنع المنطقة من الاخذ بالنموذج الغربى للديموقراطية.
ونعود إلى الولايات المتحدة ومصر كأمثلة لتوجه كل من الفريقين الغربى والعربى.
فى امريكا ظهرت رؤى استراتيجية بعد اا سبتمبر تصل إلى حد اليقين الاستراتيجى أن دمقرطة المنطقة العربية عمل هام جدا بالنسبة للأمن القومى الأمريكى، ومفاد هذه النظرية أن المنطقة العربية وكثير من الدول الإسلامية قد صدرت فائض العنف إلى الغرب، وهذا الإرهاب هو نتاج طبيعى لانظمة فاسدة مستبدة تفرخ الإرهاب وتفرغ شحنة الغضب لدى مواطنيها ببث كراهية كل ما هو غربى عموما وكل ما هو امريكى على وجه الخصوص، كما أن مطاردة هذه الأنظمة للإسلاميين الراديكاليين خوفا من سيطرتهم على الحكم فى هذه البلاد أدى إلى خروج الإرهابيين وتصدير الإرهاب عبر الحدود حتى وصل إلى قلب اوروبا وامريكا. وكانت الرؤية أن الخيارات المتاحة فى الدول العربية هى بين الفساد: أى الأنظمة الفاسدة المستبدة، والفوضى: عبر فرض الإرهابيين لمنطقهم الهدام والمخرب على دولهم ومن ثم بعد ذلك على العالم.
وكانت الرؤية الأمريكية أن كل من الفساد والفوضى خيارات مرفوضة ويبقى الخيار الثالث وهو الإصلاح الديموقراطى عبر دعم المؤسسات وبناء الحكم الصالح الذى يجعل المواطن ينخرط فى خيارات حقيقية ترفع مستوى وعيه ومعيشته حيث تتطور المجتمعات عبر الديموقراطية، فالتنمية،فالعدالة الإجتماعية، فالرفاهية الاقتصادية، وهذه هى الآليات الإيجابية لمعالجة الإرهاب.
كلام نظرى جميل وصحيح ومنطق متكامل ولكن ماذا عن التطبيق على أرض الواقع؟.
الديموقراطية التى تؤدى إلى الحكم الصالح، فالتنمية، فالعدالة، فالرفاهة هى الديموقراطية الحقيقية وليست مجرد الانتخابات الشكلية، وهذه الديموقراطية لها عناصر محددة اهمها:
1-أن تسبق الإنتخابات حريات واسعة فى التعبير والاعتقاد الدينى والاصدار الصحفى والبث التليفزيونى وتبادل المعلومات والحصول عليها بسهولة ويسر، وحق التعبير والاضراب والعصيان المدنى وكل انواع الإحتجاجات السلمية.
2-الفصل التام والكامل بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية مع ضمان إستقلال هذه السلطات فى أداء رسالتها.
3- بناء دولة المؤسسات وثقافة المؤسسات.
4-الفصل بين الدين والدولة، أى مدنية الدولة بالمعنى الحقيقى للكلمة.
5-الحرية الكاملة فى تكوين الاحزاب وممارسة انشطتها وبناء كوادرها فى حرية تامة بما يجعلها قادراة على أن تكون منافس حقيقى للسلطة القائمة.
6-إعتماد دولة القانون التى تحقق المساواة القانونية والمشاركة الكاملة لكل اطياف المجتمع فى العملية السياسية بما يؤدى إلى خلق بدائل سياسية قادرة على القيام بمسئوليات الحكم.
7-الحرية الكاملة للمجتمع المدنى فى التأسيس والتمويل والحركة.
8- المساءلة وتداول السلطة.
كل هذه الشروط تؤدى إلى خلق المناخ الديموقراطى التى تنمو من خلاله الديموقراطية الحقيقية وتتوج بعد ذلك الإنتخابات الإرادة الشعبية الواعية المدربة لتكون عملية تداول السلطة تعبيرا امينا عن الخيارات الحقيقية للتيار الرئيسى فى المجتمع، فهل تحقق أى من هذه الشروط فى الدول العربية؟ الإجابة قطعا بالنفى.
عندما أدرك الامريكيون صعوبة تحقيق هذه الشروط المرتبطة بالديموقراطية الحقيقية طرحوا حلا آخر وهو التغيير عن طريق العصيان المدنى وشجعوا حركة كفاية المصرية فى بدايتها ومثيالاتها فى الدول العربية.
وجاء مصطلح quot; عدم الاستقرار البناءquot;Unstable Constructive
، وهو مصطلح يتعلق بعدم الاستقرار المؤقت الناتج عن حركات التغيير فى اعقاب العصيان المدنى كما حدث فى الفلبين ويوغسلافيا وجورجيا واوكرانيا، وليس الفوضى الهدامة كما ترجمه البعض متعمدا تشويه المصطلح.
وبعد مخاوف الامريكيين من أن يتحول عدم الاستقرار المؤقت الناتج عن عصيان مدنى سلمى إلى فوضى ودمار وتخريب ونهب وسلب واعتداءات على الابرياء،طرحت بعض مراكز الأبحاث الأمريكية مؤخرا فكرة أن الدول العربية لا يصلح لها سوى quot; المستبد المستنيرquot; مثل محمد على سابقا فى مصر ومحمد بن راشد حاليا فى دبى. ولكن السؤال كيف نضمن أن يظهر المستبد المستنير؟ وهل هناك عملية جراحية ناجحة تأتى لنا بالمستبد المستنير؟ وهل هناك احتمال أصلا لظهور مثل هذا الشخص أم أن الموضوع شديد الندرة وكأنك تبحث عن ابرة فى كومة من القش؟.
لقد طرح الأمريكيون كل البدائل من الديموقراطية الليبرالية،إلى التغيير بالعصيان المدنى،إلى حتى حكم الإسلاميين المعتدلين-إذا كان هناك وجود اصلا لإسلاميين معتدلين-، وانتهاء بالمستبد المستنير. وكل هذه الاطروحات تعثرت،وانتكست الاحلام فى الديموقراطية. وزاد تشبس المستبدون بكراسيهم وطوروا من أدواتهم الأمنية وتعاملوا مع كل وسيلة امريكية بما يناسبها حتى استطاعوا الإفلات من كل الوسائل والبدائل، بل ونجحوا فى تحويل جزء لا بأس به من غضب شعبهم إلى الطرق التقليدية نحو امريكا واسرائيل.
وكانت الطامة الكبرى عند الأمريكيين هو فوز حماس حيث اكتشفوا أن الديموقراطية الصندوقية الناقصة ستأتى لهم بنماذج حماس وربما انصار حزب الله فى لبنان ومقتدى الصدر فى العراق.
الخطير حاليا هو النفور المتبادل بين الشعوب العربية والشعب الأمريكى من فكرة دمقرطة الشرق الأوسط، فالشعب الأمريكى ينفر الآن من سماع أسم الشرق الأوسط بعد الورطة الثقيلة فى العراق، والتى كبدت الأقتصاد الأمريكى خسائر فادحة وساهمت فى التعجيل بركوده، فاكثر من 80% من الأمريكيين ينظرون بشكل سلبى لما حدث فى العراق ويرونه سببا فى أزمة الأقتصاد الأمريكى، وأصبح سماع اسم المنطقة يرتبط لديهم بالإرهاب والدم والتضحيات الأمريكية المالية والبشرية.
وعلى مستوى الشارع العربى، فقد تزايد نفور الشارع من فكرة الديموقراطية الأمريكية بعد ظهور النموذج العراقى لهذه الديموقراطية الطائفية، ديموقراطية المليشيات والفوضى والفساد.
وعادت الادارة الأمريكية بدورها إلى المربع رقم واحد،إلى الواقعية السياسية، أى أولوية المصالح الأمريكية على المبادئ الأمريكية.. وقادتها هذه الواقعية مرة أخرى إلى التقرب من الأنظمة التى وصفتها من قبل بأنها فاسدة ومستبدة وتصدر إليها الإرهاب.
على الطرف الآخر ولنأخذ مصر كمثال، فقد تعامل النظام بمهارة فائقة مع الأطروحات الأمريكية عن طريق الإنتخابات المدارة، والإنتخابات المدارة تعنى التحكم فى العملية الإنتخابية برمتها وتشمل التسجيل والتزوير والمنح والمنع من المنبع ومنح المعارضة بعد المقاعد التى تعطى للعملية الديموقراطية شكلها المزيف، بما فى ذلك التعامل مع الضغوط الأمريكية والدولية بمرونة حتى ولو أدى ذلك إلى فوز الاخوان بخمس مقاعد مجلس الشعب فى ظرف إستثنائى، حتى بات معروفا أن الأنظمة المستبدة تخلق المعارضة التى تريدها وعلى مقاسها الخاص ولكن بدون الوصول لنقطة الخطر التى تهدد بقاء النظام.
وقضى النظام المصرى على كل البدائل الحقيقية والتى كان من الممكن أن تصبح طريقا ثالثا بين النظام والاخوان. ولم يبقى فى الساحة سوى الاخوان المسلمين وهم الوجه الآخر للعملة، فالاخوان المسلمين يعدون جزء من النظام وليس منافسا له طالما إنه يقلص باستمرار إمكانية وصولهم للحكم...لقد وضع النظام الشعب المصرى والعالم كله امام مأزق انا أو الاخوان... وعدنا مرة أخرى إلى المربع رقم واحد وهى الخيارات المرفوضة بين الفساد أو الفوضى، أى أن كل من النظام المصرى والإدارة الأمريكية عادوا بنا إلى نقطة الصفر... إلى المربع رقم واحد بعد ارتفاع سقف الاحلام فى التغيير.
وقد نجح النظام حتى الآن فعليا فى تقليص خطر وصول الاخوان المسلمين للحكم، أما وجودهم فى الشارع فهو يحقق للنظام أكثر من هدف،فهو اولا يبرزهم كفزاعة لتخويف الغرب والأقباط والنساء، وهم فزاعة مخيفة بالفعل. وثانيا يستخدمهم فى ضرب القوى المدنية الحقيقية التى تمثل بديلا قادرا على إنقاذ مصر من أزمتها، فيقودون المعارضة ضد البديل المدنى نيابة عن النظام وتأمينا لطموحاتهم وأهدافهم فى أسلمة الدولة. وثالثا يستخدمهم فى البلطجة عند اللزوم ضد خصوم النظام وضد القوى المدنية الحية كما حدث فى نقابة الصحفيين يوم 11 ابريل. وأخيرا يحملهم فاتورة التطرف الدينى فى البلاد وأمام المجتمع الدولى رغم أن النظام شريكا اساسيا فى خلق هذا التطرف حتى إنه يسمح فى كبرى جرائده ومنابره باستضافة زغلول النجار ومحمد عمارة وغيرهم، بل يصل الامر لإصدار المؤسسات الدينية الرسمية ممثلة فى الأزهر ووزارة الأوقاف لكتب تكفر الآخر وتسفهه وتكفر حتى المحتفلين بعيد مصرى فرعونى قديم هو شم النسيم.
هل انتفى الآمل؟
لا، الآمل موجود.
فقد برزت مؤخرا قوى مدنية نافرة من كل من النظام والاخوان وفى مقدمة هؤلاء المدونون، وصحصحة اليسار، وتململ الأقباط، وتزايد حركات الإحتجاج والإضرابات، والدعوات المتكررة للإنعتاق من هذه الثنائية المكبلة للخيارات السياسية الحقيقية فى مصر.
ولكن السؤال هل هذه القوى ستقود الدولة نحو التغيير أم الفوضى؟ وهل هى قادرة على تنظيم نفسها فى بشكل متماسك قادر على إحداث هذا التغيير المنشود؟، وهل هى على وعى بمخططات كل من النظام والاخوان لإجهاضها؟، وهل جهودها من آجل التغيير ستصب فى سيطرة البديل الأكثر جهوزية والأكثر استبدادا والجاهز للإنقضاض عل الحكم والمتمثل فى الاخوان المسلمين؟، وهل تعمل هذه القوى بإستقلال عن المجتمع الدولى أم تبعث برسائلها له بين الحين والآخر طلبا للنجدة؟، وهل لديها البديل الجاهز فعلا لهذا النظام أم إنها مجرد حركات إحتجاج فقط بدون رؤية بديلة؟، وهل هى تمثل حركات سخط أم حركات تغيير؟، وهل سيستخدم الشعب المصرى مرة أخرى كفئران تجارب من مجموعات محدودة الخبرة كما حدث مع ضباط يوليو من قبل؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها سوف نتناولها فى مقال آخر عن مستقبل التغيير فى مصر.
ونعود إلى الولايات المتحدة ومصر كأمثلة لتوجه كل من الفريقين الغربى والعربى.
فى امريكا ظهرت رؤى استراتيجية بعد اا سبتمبر تصل إلى حد اليقين الاستراتيجى أن دمقرطة المنطقة العربية عمل هام جدا بالنسبة للأمن القومى الأمريكى، ومفاد هذه النظرية أن المنطقة العربية وكثير من الدول الإسلامية قد صدرت فائض العنف إلى الغرب، وهذا الإرهاب هو نتاج طبيعى لانظمة فاسدة مستبدة تفرخ الإرهاب وتفرغ شحنة الغضب لدى مواطنيها ببث كراهية كل ما هو غربى عموما وكل ما هو امريكى على وجه الخصوص، كما أن مطاردة هذه الأنظمة للإسلاميين الراديكاليين خوفا من سيطرتهم على الحكم فى هذه البلاد أدى إلى خروج الإرهابيين وتصدير الإرهاب عبر الحدود حتى وصل إلى قلب اوروبا وامريكا. وكانت الرؤية أن الخيارات المتاحة فى الدول العربية هى بين الفساد: أى الأنظمة الفاسدة المستبدة، والفوضى: عبر فرض الإرهابيين لمنطقهم الهدام والمخرب على دولهم ومن ثم بعد ذلك على العالم.
وكانت الرؤية الأمريكية أن كل من الفساد والفوضى خيارات مرفوضة ويبقى الخيار الثالث وهو الإصلاح الديموقراطى عبر دعم المؤسسات وبناء الحكم الصالح الذى يجعل المواطن ينخرط فى خيارات حقيقية ترفع مستوى وعيه ومعيشته حيث تتطور المجتمعات عبر الديموقراطية، فالتنمية،فالعدالة الإجتماعية، فالرفاهية الاقتصادية، وهذه هى الآليات الإيجابية لمعالجة الإرهاب.
كلام نظرى جميل وصحيح ومنطق متكامل ولكن ماذا عن التطبيق على أرض الواقع؟.
الديموقراطية التى تؤدى إلى الحكم الصالح، فالتنمية، فالعدالة، فالرفاهة هى الديموقراطية الحقيقية وليست مجرد الانتخابات الشكلية، وهذه الديموقراطية لها عناصر محددة اهمها:
1-أن تسبق الإنتخابات حريات واسعة فى التعبير والاعتقاد الدينى والاصدار الصحفى والبث التليفزيونى وتبادل المعلومات والحصول عليها بسهولة ويسر، وحق التعبير والاضراب والعصيان المدنى وكل انواع الإحتجاجات السلمية.
2-الفصل التام والكامل بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية مع ضمان إستقلال هذه السلطات فى أداء رسالتها.
3- بناء دولة المؤسسات وثقافة المؤسسات.
4-الفصل بين الدين والدولة، أى مدنية الدولة بالمعنى الحقيقى للكلمة.
5-الحرية الكاملة فى تكوين الاحزاب وممارسة انشطتها وبناء كوادرها فى حرية تامة بما يجعلها قادراة على أن تكون منافس حقيقى للسلطة القائمة.
6-إعتماد دولة القانون التى تحقق المساواة القانونية والمشاركة الكاملة لكل اطياف المجتمع فى العملية السياسية بما يؤدى إلى خلق بدائل سياسية قادرة على القيام بمسئوليات الحكم.
7-الحرية الكاملة للمجتمع المدنى فى التأسيس والتمويل والحركة.
8- المساءلة وتداول السلطة.
كل هذه الشروط تؤدى إلى خلق المناخ الديموقراطى التى تنمو من خلاله الديموقراطية الحقيقية وتتوج بعد ذلك الإنتخابات الإرادة الشعبية الواعية المدربة لتكون عملية تداول السلطة تعبيرا امينا عن الخيارات الحقيقية للتيار الرئيسى فى المجتمع، فهل تحقق أى من هذه الشروط فى الدول العربية؟ الإجابة قطعا بالنفى.
عندما أدرك الامريكيون صعوبة تحقيق هذه الشروط المرتبطة بالديموقراطية الحقيقية طرحوا حلا آخر وهو التغيير عن طريق العصيان المدنى وشجعوا حركة كفاية المصرية فى بدايتها ومثيالاتها فى الدول العربية.
وجاء مصطلح quot; عدم الاستقرار البناءquot;Unstable Constructive
، وهو مصطلح يتعلق بعدم الاستقرار المؤقت الناتج عن حركات التغيير فى اعقاب العصيان المدنى كما حدث فى الفلبين ويوغسلافيا وجورجيا واوكرانيا، وليس الفوضى الهدامة كما ترجمه البعض متعمدا تشويه المصطلح.
وبعد مخاوف الامريكيين من أن يتحول عدم الاستقرار المؤقت الناتج عن عصيان مدنى سلمى إلى فوضى ودمار وتخريب ونهب وسلب واعتداءات على الابرياء،طرحت بعض مراكز الأبحاث الأمريكية مؤخرا فكرة أن الدول العربية لا يصلح لها سوى quot; المستبد المستنيرquot; مثل محمد على سابقا فى مصر ومحمد بن راشد حاليا فى دبى. ولكن السؤال كيف نضمن أن يظهر المستبد المستنير؟ وهل هناك عملية جراحية ناجحة تأتى لنا بالمستبد المستنير؟ وهل هناك احتمال أصلا لظهور مثل هذا الشخص أم أن الموضوع شديد الندرة وكأنك تبحث عن ابرة فى كومة من القش؟.
لقد طرح الأمريكيون كل البدائل من الديموقراطية الليبرالية،إلى التغيير بالعصيان المدنى،إلى حتى حكم الإسلاميين المعتدلين-إذا كان هناك وجود اصلا لإسلاميين معتدلين-، وانتهاء بالمستبد المستنير. وكل هذه الاطروحات تعثرت،وانتكست الاحلام فى الديموقراطية. وزاد تشبس المستبدون بكراسيهم وطوروا من أدواتهم الأمنية وتعاملوا مع كل وسيلة امريكية بما يناسبها حتى استطاعوا الإفلات من كل الوسائل والبدائل، بل ونجحوا فى تحويل جزء لا بأس به من غضب شعبهم إلى الطرق التقليدية نحو امريكا واسرائيل.
وكانت الطامة الكبرى عند الأمريكيين هو فوز حماس حيث اكتشفوا أن الديموقراطية الصندوقية الناقصة ستأتى لهم بنماذج حماس وربما انصار حزب الله فى لبنان ومقتدى الصدر فى العراق.
الخطير حاليا هو النفور المتبادل بين الشعوب العربية والشعب الأمريكى من فكرة دمقرطة الشرق الأوسط، فالشعب الأمريكى ينفر الآن من سماع أسم الشرق الأوسط بعد الورطة الثقيلة فى العراق، والتى كبدت الأقتصاد الأمريكى خسائر فادحة وساهمت فى التعجيل بركوده، فاكثر من 80% من الأمريكيين ينظرون بشكل سلبى لما حدث فى العراق ويرونه سببا فى أزمة الأقتصاد الأمريكى، وأصبح سماع اسم المنطقة يرتبط لديهم بالإرهاب والدم والتضحيات الأمريكية المالية والبشرية.
وعلى مستوى الشارع العربى، فقد تزايد نفور الشارع من فكرة الديموقراطية الأمريكية بعد ظهور النموذج العراقى لهذه الديموقراطية الطائفية، ديموقراطية المليشيات والفوضى والفساد.
وعادت الادارة الأمريكية بدورها إلى المربع رقم واحد،إلى الواقعية السياسية، أى أولوية المصالح الأمريكية على المبادئ الأمريكية.. وقادتها هذه الواقعية مرة أخرى إلى التقرب من الأنظمة التى وصفتها من قبل بأنها فاسدة ومستبدة وتصدر إليها الإرهاب.
على الطرف الآخر ولنأخذ مصر كمثال، فقد تعامل النظام بمهارة فائقة مع الأطروحات الأمريكية عن طريق الإنتخابات المدارة، والإنتخابات المدارة تعنى التحكم فى العملية الإنتخابية برمتها وتشمل التسجيل والتزوير والمنح والمنع من المنبع ومنح المعارضة بعد المقاعد التى تعطى للعملية الديموقراطية شكلها المزيف، بما فى ذلك التعامل مع الضغوط الأمريكية والدولية بمرونة حتى ولو أدى ذلك إلى فوز الاخوان بخمس مقاعد مجلس الشعب فى ظرف إستثنائى، حتى بات معروفا أن الأنظمة المستبدة تخلق المعارضة التى تريدها وعلى مقاسها الخاص ولكن بدون الوصول لنقطة الخطر التى تهدد بقاء النظام.
وقضى النظام المصرى على كل البدائل الحقيقية والتى كان من الممكن أن تصبح طريقا ثالثا بين النظام والاخوان. ولم يبقى فى الساحة سوى الاخوان المسلمين وهم الوجه الآخر للعملة، فالاخوان المسلمين يعدون جزء من النظام وليس منافسا له طالما إنه يقلص باستمرار إمكانية وصولهم للحكم...لقد وضع النظام الشعب المصرى والعالم كله امام مأزق انا أو الاخوان... وعدنا مرة أخرى إلى المربع رقم واحد وهى الخيارات المرفوضة بين الفساد أو الفوضى، أى أن كل من النظام المصرى والإدارة الأمريكية عادوا بنا إلى نقطة الصفر... إلى المربع رقم واحد بعد ارتفاع سقف الاحلام فى التغيير.
وقد نجح النظام حتى الآن فعليا فى تقليص خطر وصول الاخوان المسلمين للحكم، أما وجودهم فى الشارع فهو يحقق للنظام أكثر من هدف،فهو اولا يبرزهم كفزاعة لتخويف الغرب والأقباط والنساء، وهم فزاعة مخيفة بالفعل. وثانيا يستخدمهم فى ضرب القوى المدنية الحقيقية التى تمثل بديلا قادرا على إنقاذ مصر من أزمتها، فيقودون المعارضة ضد البديل المدنى نيابة عن النظام وتأمينا لطموحاتهم وأهدافهم فى أسلمة الدولة. وثالثا يستخدمهم فى البلطجة عند اللزوم ضد خصوم النظام وضد القوى المدنية الحية كما حدث فى نقابة الصحفيين يوم 11 ابريل. وأخيرا يحملهم فاتورة التطرف الدينى فى البلاد وأمام المجتمع الدولى رغم أن النظام شريكا اساسيا فى خلق هذا التطرف حتى إنه يسمح فى كبرى جرائده ومنابره باستضافة زغلول النجار ومحمد عمارة وغيرهم، بل يصل الامر لإصدار المؤسسات الدينية الرسمية ممثلة فى الأزهر ووزارة الأوقاف لكتب تكفر الآخر وتسفهه وتكفر حتى المحتفلين بعيد مصرى فرعونى قديم هو شم النسيم.
هل انتفى الآمل؟
لا، الآمل موجود.
فقد برزت مؤخرا قوى مدنية نافرة من كل من النظام والاخوان وفى مقدمة هؤلاء المدونون، وصحصحة اليسار، وتململ الأقباط، وتزايد حركات الإحتجاج والإضرابات، والدعوات المتكررة للإنعتاق من هذه الثنائية المكبلة للخيارات السياسية الحقيقية فى مصر.
ولكن السؤال هل هذه القوى ستقود الدولة نحو التغيير أم الفوضى؟ وهل هى قادرة على تنظيم نفسها فى بشكل متماسك قادر على إحداث هذا التغيير المنشود؟، وهل هى على وعى بمخططات كل من النظام والاخوان لإجهاضها؟، وهل جهودها من آجل التغيير ستصب فى سيطرة البديل الأكثر جهوزية والأكثر استبدادا والجاهز للإنقضاض عل الحكم والمتمثل فى الاخوان المسلمين؟، وهل تعمل هذه القوى بإستقلال عن المجتمع الدولى أم تبعث برسائلها له بين الحين والآخر طلبا للنجدة؟، وهل لديها البديل الجاهز فعلا لهذا النظام أم إنها مجرد حركات إحتجاج فقط بدون رؤية بديلة؟، وهل هى تمثل حركات سخط أم حركات تغيير؟، وهل سيستخدم الشعب المصرى مرة أخرى كفئران تجارب من مجموعات محدودة الخبرة كما حدث مع ضباط يوليو من قبل؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها سوف نتناولها فى مقال آخر عن مستقبل التغيير فى مصر.
التعليقات