هل الحب جنس؟ والجواب إنه نصف الحقيقة.
فبدونه ليس من زواج، ومعه لا يضمن الزواج.
ولو كان الجنس هو مربط الزواج؛ لما رأينا قط زوجان مطلقان وخلفهم سبعة أولاد؟!
فلا يعقل أن يكون كل طفل ولد في مناسبة جنسية واحدة.
هل الحب كيمياء؟ والجواب أيضا إنها نصف الحقيقة، فكثير من الزيجات تبدأ جفافا وتنتهي ولعا وجنونا أو بالعكس.
وهناك من أحب فتزوج ثم وقع الطلاق، وهناك من تزوج فأحب فالتهبا بعاصفة عشق ليس لها قرار..
هل الزواج هو إنجاب الأطفال وبناء عائلة؟
والجواب أيضا إنها نصف الحقيقة، فهناك العديد من الزوجين بدون أطفال سواء بانعدام القدرة أو الرغبة بعدم الإنجاب، وهناك المطلقات مع كومة أطفال.
فما هو الحب يا ترى؟ إنه جميع ما مر ويزيد فهو شجرة يانعة تعطي ثمراتها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.
واختصر القرآن الزواج بكلمات: سكينة ومودة ورحمة ولباس وحمل وإنجاب..
واعتبره آية مثل دورة القمر ونبات الزرع والرياح المرسلات ..
ويعتبر علم الأنثروبولوجيا أن العائلة لها أربع:
وظائف الجنس وإنجاب ذرية يعترف بهم المجتمع أنهم خرجوا من هذا المربع.
ومحضن للثقافة فالطفل يحمل الثقافة ويتعلم اللغة عن طريق الأم.
والعائلة بنية اقتصادية مستقلة.
وأخيرا العائلة هي مكان الرحمة والانسجام أي قاعدة التموين الروحي العاطفي..
مع هذا فالناس تحتفل في يوم 14 فبراير بعيد فالانتين عيد الحب فما هو الحب؟
سئلت امرأة عجوز عن الحب وما هو معناه فأجابت
أول مرة سمعت هذه الكلمة كنت طفلة صغيرة؟ وكانت من والدي الذي قبلني وقال إني أحبك , فقلت الحب هو :الحنان والأمان والحضن الدافئ.
وعندما بلغت سن الرشد وجدت رسالة من شاب فيها كلمة أحبك فعرفت أن هناك من يريد مشاركتي الحياة، فأدركت أن الحب عطاء ومشاركة والكراهية ارتداد على الذات وتدمير الذات قبل الآخر.
وعندما تزوجت كانت أول كلمة قالها لي زوجي أحبك فعرفت أنها المودة الخالصة من قلب شارك الآخر حياته.
وحين غبت عنه قليلا أرسل لي يخاطبني بكلمة أحبك؛ فعرفت أن الحب شوق وافتقاد.
وحين ولدت بأول طفلي جاء زوجي وكنت متعبة على السرير فأمسك برأسي وقبلني وقال أحبك؟ فعرفت أن الحب امتنان وعطف.
وحين تقدمت بنا السنون وتقوست الظهر وشاب الشعر التفت إلي زوجي عصر يوم وقال كم أحبك؟ فعرفت قول الله تعالى الرحمة والمودة مزيج ليس كمثله شيء.
وحين بدأنا نمشي مستندين على العكاكيز وكل منا يسند الآخر قال لي والدمعة في عينه هل تعلمين كم أحبك فعرفت أن الحب وفاء وصدق.
وهكذا فالحب شجرة تكبر بدون توقف وتعطي ثمراتها كل مرة، فهذا هو الحب يبدأ بذرة صغيرة ثم يصبح شجرة عظيمة تأوي إليها الطيور.
ويبلغ الحب مكانا في القلب أن كل واحد لا يترك الآخر.
وهناك شيخ في الثمانين حين سمع بخبر موت زوجته أمسك بالبندقية فأطلق على نفسه النار بدون تردد، فلم تعد الحياة تساوي شيئا بعد ذهاب شريكة حياته.
ويجب أن ينظر للأمر أنه هاوية الحزن بعد شاهقة الحب.
وفي كتاب طوق الحمامة لابن حزم كانت تجربة مذهلة، لرجل تعلق قلبه بفتاة تركته لآخر، فاشتكيا بين يدي الوالي وكان على شرف مرتفع؟
فقال للمتروك وكيف تشهد على حبك؟
قال أموت بدونها ثم ألقى بنفسه من الشاهق فترضرض ولم يموت؟!
قال القاضي للثاني جرب حظك عزيزي؟
فنظر من أعلى الهوة وقال لا .. وترك الفتاة.. ففاز العاشق الفعلي فالعشق فعلا موت..
ويجب فهم القصة في عصر السيف والحرب القديمة.. ولكن مع الخلفية السيكولوجية للأحداث.
وفي كتاب ساعات القدر في تاريخ البشرية بقلم ستيفان زيفايج يتحدث عن جوته الشاعر الألماني الشهير أنه كتب أفضل شعره حين أحب الفتاة أولريكه فون فولستوف (Oehlreke Von Volstov) بعمر 19 ربيعا وهو بعمر 74 عاما، فخلد اسمها في مرثية مارينباد.
وحين خسر نبي الرحمة خديجة قال عنها؛ بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وعرف عام وفاتها بعام الحزن، وفيه تنزلت سورة يوسف العجيبة، التي يعمى فيها النبي حزنا، ويبصر فرحا، وحين يأتيه خبر ضياع الولد الثاني بنيامين بعد يوسف، وبعد عشرات السنوات، يقول:
هذه المرة اكتملت المأساة وسوف يأتيني الله بهما جميعا..
إنه ما من أحد قرأ هذه السورة إلا وبكى فيها مرات، مترنحا بين الأسى والقنوط، والأمل والرحمة، وحسن الختام والتئام شمل العائلة، وتحقق الحلم الرمزي، واكتمال الصيرورة، وفك عقدة الرواية.
وفي ظل هذه الظروف القاسية التي عاشها النبي ص بخسارة خديجة، جاءت السورة تقول له؛ اكتملت أحزانك، والآن بدأت انتصاراتك، فالنور ينبثق من رحم الظلمات..
ولا تيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون..
حتى أذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين. لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون..
إنني أفهم تعدد زيجات النبي ص لاحقا..
لقد كان يبحث عن خديجة ..
في أنوثة عائشة وشخصية زينب وحكمة أم سلمة، ولكن لم يجتمع قط بخديجة التي جمعت بين الأنوثة والأمومة فولدت له كل أولاده عفوا بناته، وقوة الشخصية، والاشتراك الكلي في الفكرة، والاندماج إلى حد أن جبريل يبلغها السلام، والعشق المفرط، والذكاء اللماح، والثروة والشخصية والفصاحة والبديهة الحاضرة وقوة الوجدان والجنان، وسرعة التصرف والبحث عن الأجوبة والحلول، حين تنطلق إلى بحيرى لتتأكد ما يحصل لزوجها؟ فيقول لها أبشري إنه الوحي الذي جاء موسى.
إنها التي كانت تقوي معنوياته مع كل هبوط بحقن هورموني عاطفي لا ينضب..
كانت الحياة مع خديجة هي الحب أنهارا من عسل مصفى..
إن عيد فالانتين هو عيد خديجة الفعلي ...
ومع خديجة لم يتزوج غيرها، فلما اختفت بدأ البحث عمن يملأ مكان خديجة..
واستمر البحث..
حتى جاءت لحظة الوفاة كما حصل مع نابليون؛ فكان يكرر في لحظات الموت الأخيرة من أحب فعلا ..
كان نابليون يكرر جوزفين..
لقد كانت سعده ونصره، ومعها حقق أعظم الأحلام، وانتزع التاج من يد البابا، فلبسه وألبس جوزفين..
وكذلك كان النبي يتذكر في لحظات وداعه الأخيرة خديجة؛ فكان يكرر بل الرفيق الأعلى... بل الرفيقة فوق ..
في جنان الخلد حيث لا فراق بعد اللقاء، ويقولوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور..
حقيقة إن مرار الحياة حلاوته الحب حتى تصبح الحياة تطاق..
والمرأة هي ذلك الدواء..
عرفت ذلك من تلك المرأة التي قاربت الكمال ليلى سعيد زوجتي التي اشتاق لها الرب فناداها على عجل، فلم تعمر..
وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب.
ولقد أنقص من عمرها فودعتنا دون مرض وعجز، وماتت في عمر النبوة رضي الله عنها ورضيت عنه.
إن أعظم الخلائق الإنسان، ولكن أعظم خلق الله هو المرأة، فنحن الذكور قساة، مدشني الحروب، يعلونا الشعر أشبه بالغوريلات.
أما المرأة فهي ذلك المخلوق المشرق الرائع، الذي يشع جمالا ورقة، ونعومة وأنوثة، وسحرا ودلالا.
صوتها موسيقى، وحركاتها سحر، وفتنتها طاغية، وحضورها يؤنسن المجتمع، ويدفع فيه الرحمة.
لذا اعتبر القرآن أن الزواج هو الذي يحول البشر إلى كائنات إنسانية، بالمودة والرحمة والسكينة.
وكل من يفعل هذا هي المرأة، فهي سيدة الوجود، وصانعة الحضارة بالثورة الزراعية، حين كان الفحل يهيم على وجهه في ظلمات الصيد وجمع الثمار.
هي من تمنح الحب بلا مقياس، ولا تشارك في الحروب التي يصنعها الرجال، كراهية وجشعا وجنونا..
لذا استعملتها الطبيعة في موضع الإنجاب، حملته أمه وهنا ووضعته كرها، ووكلت إليها أمانة نقل الثقافة، وتربية الرجل بمنحه العائلة والهدوء في كل معمعة، فبوركت يا أنثى فأنت موضع حب النبي..
قال ص حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة. فكانت المرأة المحبوبة الموهوبة أحد أسرار الحياة الثلاث: الروح والريحان وجنة نعيم..
المرأة هي من تحمل الثقافة والجنين، فتربي الطفل وترضعه الثقافة، وتنقل له اللغة والمفاهيم، فيتحول إلى كائن اجتماعي، ولولا المرأة لبقي الإنسان أقرب للشمبانزي والغوريلات والأورانج أوتان..
المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، وهو كشف تعرف عليه علماء الأنثروبولوجيا، مع أسفهم لماذا لم تقود المرأة المجتمع، وتركت المجال للفحول، يركِّبون الحضارة على عجل وخطأ، بنموذج الثكنة وهيراركي الرجال (الباتريارك)؛ فأصبح المجتمع أحولا أكتعا، يقفز برجل واحدة مثل أسطورة شق وسطيح، فأما الأول فكان بدون فقرات مثل الكائنات الرخوية، وأما الثاني شق؛ فكان نصفا بساق واحدة، يقفز قفزا مثل الجراد..
المرأة هي سيدة الجمال الباهر، واللطف والأنس، والشخصية المؤثرة، والثقافة باعتدال وتسامح.
سحر المرأة جذب كبار السن، ليبنوا بمن هن أصغر سنا جدا، لهذا السحر الذي لا يقاوم، واللغز المحير في الأنثى؛ فبيكاسو سيد اللوحة وأبو السيريالية تزوج من أربع فاتنات كانت الأخيرة في العشرينات.
وشليمان الكهل أبو الاكتشافات، لم يشأ أن يضع كنز بريام من أنقاض طروادة، إلا على صدر حبيبته الصغيرة اليونانية، ذات العشرين ربيعا. وسنان أبو العمران بنى ما بنى من كل جسور الإمبراطورية العثمانية، بنى في نهاية حياته بشابة صغيرة وهو في الثمانين؛ فأنجبت له غلاما زكيا.
ونابليون وهو في جزيرة المنفى سانت هيلانة، آنسته خليلة حملت منه بطفلة، ولدت له في باريس كانت نابليونة.
وسيشرون أبو الخطابة والجمهورية، أنهى حياته في حضن شابة صغيرة وهو في الستينات، فمنحته أجمل ساعات حياته طرا، في دنيا طوقتها الحروب الأهلية والمؤامرات والدماء تجري كالأنهار.
هذه الأيام نحن في ذكرى عيد الحب فالانتين، ونحن نرى أزمة المجتمع العربي واضحة جدا بغياب المرأة، فالبيوت قلاع والنوافذ ضيقة والتهوية رديئة، كله بسبب الحجر على المرأة.
والتعليم فساد طام كله بسبب غياب المرأة.
والقسوة والحرب والظلم عام عارم كله بسبب غياب المرأة.
لذا وجب أن نقف في برد فبراير لنأخذ قسطا من دفء الحب في عيد فالانتين، الذي عاش للحب وقتله الإمبراطور، لأنه يشيع الحب بين الجنود، فيتقاعسون عن مهمة ذبح الشعوب.
قال جلال الدين الرومي في الحب:
quot; سأقول لك كيف خُلِقَ الإنسان من طين؟
ذلك أن الله ndash; جل جلاله ndash; نفخ في الطين أنفاس الحبّ.
سأقول لك لماذا تمضي السماوات في حركاتها الدائرية؟
ذلك أن عرش الله ndash; سبحانه ndash; يملؤها بانعكاسات الحب!
سأقول لك لماذا تهبّ رياح الصباح؟
ذلك لأنها تريد دائما أن تعبث بالأوراق النائمة على شجيرات ورود الحب!
سأقول لك لماذا يتشح الليل بغلائله؟
ذلك أنه يدعو الناس إلى الصلاة في مخدع الحب!
إنني لأستطيع أن أفسر لك كل ألغاز الخليقة؟
فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب!quot;
فليكن يوم فالنتين هذا عيد حب للجميع، تتبادل فيه الشفاه رحيقها، والقلوب أسرارها، والأجساد لذتها الأبدية.