تاريخ سينمائي بلا اوسكار حقيقي
فاز قبل أيام فلم (المليونير المتشرد) بأكثر من ثماني جوائز اوسكار عالميا، كما تابعنا ذلك.. وهو فيلم سينمائي تمتع بإمكانات عالية في قصته وإخراجه على الرغم من نفقاته القليلة بميزانية محدودة، وبالرغم من توقع فشله الذريع.. ويعد هذا الفيلم، فيلما هنديا بالرغم من إخراجه البريطاني.. وقبل سنتين، فاز فيلم (راكض الطائرة الورقية) الذي عدّ فيلما أفغانيا، نظرا لأن اغلب الذين شاركوا فيه من الأفغان.. وهكذا بالنسبة للأفلام الروسية والإيرانية وغيرها. هنا نسأل: أين هو الفيلم العربي؟ لماذا تعد السينما العربية (والمصرية بالذات) من أقدم ما أنتج في عموم المنطقة منذ عهد الملك فؤاد الأول، بل واعتبرت مصر بالذات من أقدم البيئات السينمائية في العالم.. ولكنها لم تنجح أبدا منذ خمسين سنة حتى الآن بعالميتها! كما إنها لم تحظ حتى اليوم بمكانة الآخرين في السينما العالمية!
إن فوز فيلم quot;المليونير المتشردquot; الهندي بثماني جوائز أوسكار، دفعة واحدة بدءا بالإخراج ووصولا إلى الموسيقى التصويرية، يدل دلالة أكيدة على أن السينما الهندية هي أفضل بكثير من سينماءات غيرها، إذ يعد هذا الفوز علامة فارقة في تاريخ السينما العالمية، كما ويعد هذا التقدير دلالة على أن الجهود الهندية في اختراق أسوار السينما العالية التي بنتها هوليود تمضي في طريقها للنجاح. ولعل أحد معالم الفيلم الرئيسية التي ساهمت في خلق تميزه، وطيران شهرته هو تصويره المكثف والمحايد لحياة الفقر المدقعة في عموم أجزاء الهند بكل أنواع القسوة التي تكتنفها. لقد منح هذا الفيلم، كل هذه القوة كونه صور حياة عالم الجنوب تصويرا حقيقيا أمام العالم كله!
فاز قبل أيام فلم (المليونير المتشرد) بأكثر من ثماني جوائز اوسكار عالميا، كما تابعنا ذلك.. وهو فيلم سينمائي تمتع بإمكانات عالية في قصته وإخراجه على الرغم من نفقاته القليلة بميزانية محدودة، وبالرغم من توقع فشله الذريع.. ويعد هذا الفيلم، فيلما هنديا بالرغم من إخراجه البريطاني.. وقبل سنتين، فاز فيلم (راكض الطائرة الورقية) الذي عدّ فيلما أفغانيا، نظرا لأن اغلب الذين شاركوا فيه من الأفغان.. وهكذا بالنسبة للأفلام الروسية والإيرانية وغيرها. هنا نسأل: أين هو الفيلم العربي؟ لماذا تعد السينما العربية (والمصرية بالذات) من أقدم ما أنتج في عموم المنطقة منذ عهد الملك فؤاد الأول، بل واعتبرت مصر بالذات من أقدم البيئات السينمائية في العالم.. ولكنها لم تنجح أبدا منذ خمسين سنة حتى الآن بعالميتها! كما إنها لم تحظ حتى اليوم بمكانة الآخرين في السينما العالمية!
إن فوز فيلم quot;المليونير المتشردquot; الهندي بثماني جوائز أوسكار، دفعة واحدة بدءا بالإخراج ووصولا إلى الموسيقى التصويرية، يدل دلالة أكيدة على أن السينما الهندية هي أفضل بكثير من سينماءات غيرها، إذ يعد هذا الفوز علامة فارقة في تاريخ السينما العالمية، كما ويعد هذا التقدير دلالة على أن الجهود الهندية في اختراق أسوار السينما العالية التي بنتها هوليود تمضي في طريقها للنجاح. ولعل أحد معالم الفيلم الرئيسية التي ساهمت في خلق تميزه، وطيران شهرته هو تصويره المكثف والمحايد لحياة الفقر المدقعة في عموم أجزاء الهند بكل أنواع القسوة التي تكتنفها. لقد منح هذا الفيلم، كل هذه القوة كونه صور حياة عالم الجنوب تصويرا حقيقيا أمام العالم كله!
هزال السينما العربية:
لقد بدأت السينما العربية بمصر منذ عقود طويلة من الزمن، وكانت انطلاقتها ممتازة لما توفر فيها من عناصر حسب مواصفات ذلك الوقت مقارنة بما كان لدى العالم.. ولقد استمرت ولم تنقطع مع انجازات مهمة محلية اغلبها، وقد مرّت عليها مراحل عانت فيها من الترهل والضعف والتردي، حالها حال كل الألوان السينمائية العربية التي لم تنجح ولو لمرة واحدة في أن تفرض نفسها عالميا.. صحيح أن ممثلا مصريا مثل الفنان عمر الشريف كان قد وصل درجة العالمية، ولكن ليس من خلال المنتج الفني المصري، بل من خلال إبداعاته العالمية لقصص غير مصرية. إن عمر الشريف نفسه قد تراجع اليوم ليعود ممثلا محليا.. وصحيح أن مؤلفا روائيا مثل الأديب المبدع نجيب محفوظ قد حصل على جائزة نوبل، ولكن لم يصلها من خلال السينما، بل من خلال الرواية.. إن السينما العربية كلها تعاني اليوم مثلما تعاني كل الإبداعات العربية من ضعف، بل وتصل بعض الأفلام إلى درجة الإسفاف ويا للأسف الشديد!
دعونا نتساءل عن الأسباب ونستفهم عن أسرار هذا التردي الذي تعاني منه السينما العربية وإخفاقات هذا الفن السابع للوصول إلى درجة العالمية بأي فلم من الأفلام التي باستطاعتها أن تدير اهتمام الناس في أرجاء الأرض.. ربما كانت هناك روايات عربية ممتازة، ولكنها عموما غير منفتحة على المناخ العالمي، ولم تعرف كيف يكون باستطاعتها توظيف الإبداع العربي في أن يشارك على قدم المساواة الآخرين في معالجة قضايا تعاني منها الشعوب كلها.. إن الاهتمامات العربية بقيت مختزلة نفسها في اهتمام هذا الذي يتدافع على الشباك عربيا ليعيش تفاهة هزلية، أو تمثيلية يقال عنها رومانسية، أو فيلما ومسلسلا تافها.. لقد أساء المخرجون العرب القدماء والجدد في دغدغة مشاعر الشباب المكبوتة بصور ومواضع وأغاني لا تمت بصلة إلى الفن السابع! وغدا هذا الفن ينتجه أناس لا تهمهم الا جيوبهم، من دون إنتاج النادر من الأعمال.. أصبح كل من هب ودب يكتب ويمثّل ويخرج وينتج على هواه من دون أي دراسة، ولا أي تجربة، ولا أي اعتبارات، ولا أية خبرات.. كان من المؤمل أن يكون الفن السابع واحدا من أهم الوسائل أمام العرب للتعبير عن قضاياهم الوطنية والسياسية والفكرية، وعن مآسيهم الاجتماعية والمعيشية.. بدل كل هذا الذي ينتجوه منذ خمسين سنة! ولعل عامل التلفزيون، ودخوله منافسا السينما في الحياة العربية قد اثر تأثيرا سيئا على الفن السينمائي العربي، ووقف بالضد منها منافسا على المستوى المحلي الذي ليس من مهامه الا المحافظة على الانغلاق!.
لقد بدأت السينما العربية بمصر منذ عقود طويلة من الزمن، وكانت انطلاقتها ممتازة لما توفر فيها من عناصر حسب مواصفات ذلك الوقت مقارنة بما كان لدى العالم.. ولقد استمرت ولم تنقطع مع انجازات مهمة محلية اغلبها، وقد مرّت عليها مراحل عانت فيها من الترهل والضعف والتردي، حالها حال كل الألوان السينمائية العربية التي لم تنجح ولو لمرة واحدة في أن تفرض نفسها عالميا.. صحيح أن ممثلا مصريا مثل الفنان عمر الشريف كان قد وصل درجة العالمية، ولكن ليس من خلال المنتج الفني المصري، بل من خلال إبداعاته العالمية لقصص غير مصرية. إن عمر الشريف نفسه قد تراجع اليوم ليعود ممثلا محليا.. وصحيح أن مؤلفا روائيا مثل الأديب المبدع نجيب محفوظ قد حصل على جائزة نوبل، ولكن لم يصلها من خلال السينما، بل من خلال الرواية.. إن السينما العربية كلها تعاني اليوم مثلما تعاني كل الإبداعات العربية من ضعف، بل وتصل بعض الأفلام إلى درجة الإسفاف ويا للأسف الشديد!
دعونا نتساءل عن الأسباب ونستفهم عن أسرار هذا التردي الذي تعاني منه السينما العربية وإخفاقات هذا الفن السابع للوصول إلى درجة العالمية بأي فلم من الأفلام التي باستطاعتها أن تدير اهتمام الناس في أرجاء الأرض.. ربما كانت هناك روايات عربية ممتازة، ولكنها عموما غير منفتحة على المناخ العالمي، ولم تعرف كيف يكون باستطاعتها توظيف الإبداع العربي في أن يشارك على قدم المساواة الآخرين في معالجة قضايا تعاني منها الشعوب كلها.. إن الاهتمامات العربية بقيت مختزلة نفسها في اهتمام هذا الذي يتدافع على الشباك عربيا ليعيش تفاهة هزلية، أو تمثيلية يقال عنها رومانسية، أو فيلما ومسلسلا تافها.. لقد أساء المخرجون العرب القدماء والجدد في دغدغة مشاعر الشباب المكبوتة بصور ومواضع وأغاني لا تمت بصلة إلى الفن السابع! وغدا هذا الفن ينتجه أناس لا تهمهم الا جيوبهم، من دون إنتاج النادر من الأعمال.. أصبح كل من هب ودب يكتب ويمثّل ويخرج وينتج على هواه من دون أي دراسة، ولا أي تجربة، ولا أي اعتبارات، ولا أية خبرات.. كان من المؤمل أن يكون الفن السابع واحدا من أهم الوسائل أمام العرب للتعبير عن قضاياهم الوطنية والسياسية والفكرية، وعن مآسيهم الاجتماعية والمعيشية.. بدل كل هذا الذي ينتجوه منذ خمسين سنة! ولعل عامل التلفزيون، ودخوله منافسا السينما في الحياة العربية قد اثر تأثيرا سيئا على الفن السينمائي العربي، ووقف بالضد منها منافسا على المستوى المحلي الذي ليس من مهامه الا المحافظة على الانغلاق!.
العرب بحاجة الى ثورة تغيير
إن الفن السينمائي العربي لا يمكن أن ينقذ بسهولة بعد كل هذا الهجين الذي طفا على سطحه.. وانه بحاجة إلى ثورة فنية يقودها فنانون حقيقيون من أي مكان في العالم.. فضلا عن أنها ثورة لا يمكن أن تنطلق على ارض بوار وفي مناخ مكبل بالقيود والتقاليد البالية.. إن أي تفكير بالتغيير من اجل تطوير الفن السينمائي العربي، أو بقية الفنون الأخرى التي تعاني هي الأخرى من انحدارات كبيرة.. فلابد أن يبدأ التغيير في كل مكان نحو الأفضل.. لابد أن تنفتح الحياة العربية على مصراعيها نحو تجارب العالم الأخرى.. ينبغي أن يتبلور مناخ جديد، وفضاء جديد، وتفكير جديد في الحياة العربية.. تتوفر فيه الحريات، ويتمتع فيها الإنسان بشخصيته وإرادته ويعمل في إطار حر مبتعدا عن كل ما يكبل مجتمعه وتفكيره وإبداعه..
إن قصة المليونير المتشرد، ليست قصة معقدة.. أبدا! وليست خيالية، أو رومانسية تافهة، أو حالة مزيفة كالتي نراها عربيا في معظم الأفلام.. إنها تعبير حقيقي عن واقع فقراء الهند، وهم يتابعون شابا متشردا متسكعا يعيش بين الصفائح القذرة وقد ربح جائزة كبرى بالملايين فجأة بعد اشتراكه في برنامج quot; من سيربح المليون quot; وهو عقدة القصة، بل هو سر التحول الذي قاد ذلك الإنسان المتشرد في مثل هذا العالم إلى مليونير ثري.. فيلعب على الطبيعة وينتقم من الفقر عبر نهايات غاية في التعبير عن الاستجابة للتحديات ضمن ما يسود من تيارات عالمية اليوم. إن المهم، هو كيف لعب كل من الكاتب، والمنتج، والمخرج لعبتهم في أن يأتي الفيلم في سنة كهذه التي يعاني العالم من أزمة مالية.. وان الناس، اليوم، تشغلهم هكذا قضية وهم يبحثون عن الأمل انطلاقا من الهند ومن خلال عناصر هندية، أي ما يقدّم من عالم الجنوب في مخاطبة عالم الشمال..
إن الفن السينمائي العربي لا يمكن أن ينقذ بسهولة بعد كل هذا الهجين الذي طفا على سطحه.. وانه بحاجة إلى ثورة فنية يقودها فنانون حقيقيون من أي مكان في العالم.. فضلا عن أنها ثورة لا يمكن أن تنطلق على ارض بوار وفي مناخ مكبل بالقيود والتقاليد البالية.. إن أي تفكير بالتغيير من اجل تطوير الفن السينمائي العربي، أو بقية الفنون الأخرى التي تعاني هي الأخرى من انحدارات كبيرة.. فلابد أن يبدأ التغيير في كل مكان نحو الأفضل.. لابد أن تنفتح الحياة العربية على مصراعيها نحو تجارب العالم الأخرى.. ينبغي أن يتبلور مناخ جديد، وفضاء جديد، وتفكير جديد في الحياة العربية.. تتوفر فيه الحريات، ويتمتع فيها الإنسان بشخصيته وإرادته ويعمل في إطار حر مبتعدا عن كل ما يكبل مجتمعه وتفكيره وإبداعه..
إن قصة المليونير المتشرد، ليست قصة معقدة.. أبدا! وليست خيالية، أو رومانسية تافهة، أو حالة مزيفة كالتي نراها عربيا في معظم الأفلام.. إنها تعبير حقيقي عن واقع فقراء الهند، وهم يتابعون شابا متشردا متسكعا يعيش بين الصفائح القذرة وقد ربح جائزة كبرى بالملايين فجأة بعد اشتراكه في برنامج quot; من سيربح المليون quot; وهو عقدة القصة، بل هو سر التحول الذي قاد ذلك الإنسان المتشرد في مثل هذا العالم إلى مليونير ثري.. فيلعب على الطبيعة وينتقم من الفقر عبر نهايات غاية في التعبير عن الاستجابة للتحديات ضمن ما يسود من تيارات عالمية اليوم. إن المهم، هو كيف لعب كل من الكاتب، والمنتج، والمخرج لعبتهم في أن يأتي الفيلم في سنة كهذه التي يعاني العالم من أزمة مالية.. وان الناس، اليوم، تشغلهم هكذا قضية وهم يبحثون عن الأمل انطلاقا من الهند ومن خلال عناصر هندية، أي ما يقدّم من عالم الجنوب في مخاطبة عالم الشمال..
مستلزمات التطوير السينمائي العربي
السؤال: كيف لنا أن نستفيد من هكذا تجربة فنية، هي بسيطة جدا في فيلم لم تكن تكاليفه باهظة، ولكنه حصد كل الأمزجة، واشتهر شهرة عالمية، ليؤثر في الملايين من الناس؟ نعم، علينا أن نكون أذكياء في مخاطبة العالم، وخصوصا المجتمعات الغربية التي لا يمكن هز قناعاتها إلا من خلال ما يمكن التعبير فيه عن واقع.. ومهما كان ذلك الواقع، فان ثمة مقاييس تقدّر الإنتاج والإبداع والجدية والصدق.. إن أي عمل فني سينمائي عربي، لا يشترط أن تكون عناصره، وخصوصا الممثلين معروفون في الأوساط العربية، فكل ممثلينا وفنانينا الذين نعرفهم قاطبة هم غير معروفين أبدا في غير مجتمعاتنا، بل ومغمورين خارج حدودنا، فلماذا لا يمكن الاستعانة بممثلين جدد ومغمورين والاستفادة ممن عنده انكليزية رائعة، أو فرنسية قوية؟.. إن اغلب الممثلين في فيلم المليونير المتشرد، هم جدد لا يعرفهم احد حتى في الهند نفسها.. ومع كل هذا وذاك، فقد انتصروا للهند انتصارا كبيرا.. إن من يريد أن يضرب ضربته عالميا، عليه أن يتخلص من تقاليد وأعراف فرضها واقعنا (أو من يسمون أنفسهم فنانين عندنا) على تفكيرنا.. وهي تقاليد بليدة لا يمكن الاعتماد عليها في الانطلاق نحو العالم. إن الوضوح مطلوب جدا، وخصوصا الوضوح الاجتماعي.. والرؤية الفنية مطلوبة، وخصوصا، في عملية استخدام الصورة.. إن السرعة مطلوبة فالزمن اليوم ثمين جدا.. إن الفيلم السينمائي اليوم بحاجة إلى حشد كبير من المعاني والإيماءات المؤثرة بدل الاطنابات في الصورة والموسيقى والتعبير الممل.. إن مخاطبة العقل في العالم هو غير مخاطبة اللا عقل في مجتمعاتنا.. إن أي قصة عربية مبدعة، لا يمكنها أن تنجح عالميا، ما لم تخاطب العالم، بحرية، بلا زيف، ولا رياء، ولا كذب، ولا إطناب، ولا تمويه، ولا تصنّع.. الخ حتى نجذب العالم كله إلى قضايانا، ينبغي أن نكون نفكّر بالطريقة التي يفكر بها العالم، لا بالطريقة التي نفكر بها نحن.. لا ضير أن يكون المنتج عربيا والمخرج عالميا وان يكون الممثلون عربا مع استعانة بخبرات أجنبية او جالياتية.. لا ضير أن نبتعد عن مقاييسنا المتوارثة السيئة التي قالها هذا الفنان العربي، أو ذاك المخرج العربي قبل أربعين سنة.. لا عيب ان يتعلم كل فنان عربي من العربي الآخر.. بدل هذا التنافر والحساسيات العربية بين مكان وآخر.. لا عيب أن يتم التمثيل في استوديوهات عالمية غير استوديوهاتنا المتهرئة، ولا عيب أن يتعلم من يعتبر نفسه كبيرا في مجتمعاتنا من الآخرين في مجتمعات أخرى.. فالحياة اليوم قد تغّيرت، ولابد أن تتغير الحياة العربية لما فيه مصالح مجتمعاتنا العليا في مواجهتها للعالم.. وان نثق بأنفسنا وإبداعاتنا في أن ما يمكن تقديمه هو خطوة واحدة بين الشمال والجنوب، ولكن التحرك يستلزم توفير الحريات والحركة والتفاعل مع الآخر بعيدا عن الانغلاق وتكبيل الإرادة والتفكير!
السؤال: كيف لنا أن نستفيد من هكذا تجربة فنية، هي بسيطة جدا في فيلم لم تكن تكاليفه باهظة، ولكنه حصد كل الأمزجة، واشتهر شهرة عالمية، ليؤثر في الملايين من الناس؟ نعم، علينا أن نكون أذكياء في مخاطبة العالم، وخصوصا المجتمعات الغربية التي لا يمكن هز قناعاتها إلا من خلال ما يمكن التعبير فيه عن واقع.. ومهما كان ذلك الواقع، فان ثمة مقاييس تقدّر الإنتاج والإبداع والجدية والصدق.. إن أي عمل فني سينمائي عربي، لا يشترط أن تكون عناصره، وخصوصا الممثلين معروفون في الأوساط العربية، فكل ممثلينا وفنانينا الذين نعرفهم قاطبة هم غير معروفين أبدا في غير مجتمعاتنا، بل ومغمورين خارج حدودنا، فلماذا لا يمكن الاستعانة بممثلين جدد ومغمورين والاستفادة ممن عنده انكليزية رائعة، أو فرنسية قوية؟.. إن اغلب الممثلين في فيلم المليونير المتشرد، هم جدد لا يعرفهم احد حتى في الهند نفسها.. ومع كل هذا وذاك، فقد انتصروا للهند انتصارا كبيرا.. إن من يريد أن يضرب ضربته عالميا، عليه أن يتخلص من تقاليد وأعراف فرضها واقعنا (أو من يسمون أنفسهم فنانين عندنا) على تفكيرنا.. وهي تقاليد بليدة لا يمكن الاعتماد عليها في الانطلاق نحو العالم. إن الوضوح مطلوب جدا، وخصوصا الوضوح الاجتماعي.. والرؤية الفنية مطلوبة، وخصوصا، في عملية استخدام الصورة.. إن السرعة مطلوبة فالزمن اليوم ثمين جدا.. إن الفيلم السينمائي اليوم بحاجة إلى حشد كبير من المعاني والإيماءات المؤثرة بدل الاطنابات في الصورة والموسيقى والتعبير الممل.. إن مخاطبة العقل في العالم هو غير مخاطبة اللا عقل في مجتمعاتنا.. إن أي قصة عربية مبدعة، لا يمكنها أن تنجح عالميا، ما لم تخاطب العالم، بحرية، بلا زيف، ولا رياء، ولا كذب، ولا إطناب، ولا تمويه، ولا تصنّع.. الخ حتى نجذب العالم كله إلى قضايانا، ينبغي أن نكون نفكّر بالطريقة التي يفكر بها العالم، لا بالطريقة التي نفكر بها نحن.. لا ضير أن يكون المنتج عربيا والمخرج عالميا وان يكون الممثلون عربا مع استعانة بخبرات أجنبية او جالياتية.. لا ضير أن نبتعد عن مقاييسنا المتوارثة السيئة التي قالها هذا الفنان العربي، أو ذاك المخرج العربي قبل أربعين سنة.. لا عيب ان يتعلم كل فنان عربي من العربي الآخر.. بدل هذا التنافر والحساسيات العربية بين مكان وآخر.. لا عيب أن يتم التمثيل في استوديوهات عالمية غير استوديوهاتنا المتهرئة، ولا عيب أن يتعلم من يعتبر نفسه كبيرا في مجتمعاتنا من الآخرين في مجتمعات أخرى.. فالحياة اليوم قد تغّيرت، ولابد أن تتغير الحياة العربية لما فيه مصالح مجتمعاتنا العليا في مواجهتها للعالم.. وان نثق بأنفسنا وإبداعاتنا في أن ما يمكن تقديمه هو خطوة واحدة بين الشمال والجنوب، ولكن التحرك يستلزم توفير الحريات والحركة والتفاعل مع الآخر بعيدا عن الانغلاق وتكبيل الإرادة والتفكير!
التعليقات