من مفكرة سفير عربي في اليابان

يبدو بأن هناك "نسمة تفاءل" في منطقة الشرق الاوسط، حيث بدأت الدبلوماسية العمانية تعمل وبتناغم مع الدبلوماسية التركية، وبالتعاون مع الغرب، لخلق أجواء للتفاهم، على إستراتيجية لحل الكثير من الأمور العالقة في الشرق الأوسط. كما يبدو بأن الجناح الإيراني المتشدد يتعرض لضغوط حكومية شديدة، في الوقت الذي وضعت أسس لحل معضلة المشروع النووي بين المجتمع الدولي والمفاوضين الإيرانيين. فهل يا ترى استوعبت الاطراف الدولية والأقليمية خطورة الاوضاع في الشرق الأوسط، مع انتشار الارهاب بشكله العوالمي، ونوعيته التوسعية المتوحشة؟ وهل هناك تصور لتهدئة الاوضاع في الشرق الاوسط، للتهيئة لاستراتيجية شرق اوسطية جديدة؟ وهل ستتحول بذلك إيران القضية، إلى إيران المواطنة والدولة؟
لقد علقت صحيفة اليابان تايمز في عددها الصادر 18 مارس& الماضي على ذلك من خلال مقال وبعنوان، توازن القوى تقوي إيران، والذي كتبه استاذ القانون بجامعة يل الامريكية، ستيفن كارتر، ويقول فيه: "ومع صعوبة الاعتقاد،& ولكن إيران تمثل تحدي أكبر، من أن التفاوض على اتفاق نووي مع النظام مشكلته موافقة الكونجرس، ليكون قانونيا. ومع أن الموضوع النووي مخيف، ومهم، ولكن على المدى الطويل، وقائع الجغرافية السياسية أكثر أهمية. لذلك قد يكون التقرير الذي وصل مؤخرا من دبي مقلقا. فقد أعلن علي يونس، مستشار خامينائي، القائد الأعلى الإيراني، في مؤتمر، بعنوان، الهوية الإيرانية، والذي عقد في إيران في 8 مارس الماضي، ليؤكد بأن إيران موجودة في العراق لكي تبقى، حيث عبر بقوله: فإيران أصبحت إمبراطورية مرة أخرى في النهاية، وعاصمتها بغداد، وهي مركز الحضارة، ثقافة وهوية، كما كانت دائما طوال مدى التاريخ.
ويستمر الكاتب: وفي الحقيقة هذا موضوع مقلق، ولكن قد يكون مجرد بلاغة خطابية، موجهة للاستهلاك السياسي المحلي؟ ولكن هناك أسباب تجعلنا نعتقد العكس، فقد خدمت العراق عقود طويلة كحصن ضد الاطماع التوسعية الإيرانية، وقد تبخرت هذه الحقيقة، أولا، بغزو الرئيس جورج بوش الابن للعراق، وثانيا، بسحب الرئيس الأمريكي بارك أوباما الجيش الأمريكي من العراق، ليصبح دور الولايات المتحدة جانبي، في حملة طرد مقاتلي "داعش" من تكريت.& وليس فقط، لأن الولايات المتحدة لم تشارك، بل أيضا لم تكن تعلم، عن هجوم وشيك، يضم 30 ألف جندي حكومي عراقي مع مليشيا شعبية.
وليضيف الكاتب تعليق اخر بقوله: في الشهر الماضي، علق الجنرال قاسم سليمان، قائد قوات القدس الإيرانية، التي تدعم الحملة على تكريت، يقول فيه: "نلاحظ اليوم علامات الثورة الاسلامية صدرت لجميع أجزاء المنطقة، من البحرين إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن، وحتى الشمال الأفريقى." بل والأعظم من ذلك بأن طهران ما عادت تخفي طموحاتها، فيبدو بأنها لا تواجه معارضة مهمة، في جهودها& لتحقيق ذلك، ومن المؤكد بأن الولايات المتحدة، القوة الاقليمية المهيمنة، تبدو أنها واقفة تشاهد في الجانب، بينما تتقدم إيران في المنطقة. وكان الانتقاد للرئيس جورج بوش الابن بأنه لم يفكر على تأثيرات المدى البعيد، بعد غزو العراق، ويمكن أن ينطبق نفس الانتقاد على إدارة أوباما، فهي لم تدرك& حقيقة ما سيحدث، حينما انسحب الجيش الأمريكي من العراق. بل وحينما وضحت الكارثة في العراق، لم يكن لدي الولايات المتحدة خطة للتعامل معها، بل يبدو بأن إدارة أوباما غير مهتمة أصلا.
وقد لفت النظر من قبل الكثير من الخبراء لهذه النتيجة المحتملة، ومن ضمنهم جورج فريدمان، الخبير الاستراتيجي، ومؤسس صحيفة الالكترونية الاستراتيجية، ستراتفور. فقد كتب فريدمان في كتابه، الذي صدر في عام 2011، وبعنوان، القرن القادم: الامبراطورية والجمهورية في العالم المتغير، يقول: "لقد بقى توازن القوى بين العراق وإيران حتى عام 2003، حتى دمر الغزو الامريكي الحكومة والجيش العراقي. وبعدها، حافظ على هذا التوازن وجود الجيش الامريكي في العراق، ولكن حينما اعلنت الولايات المتحدة انسحابها من العراق، اصبحت ايران القوة المهيمنة في منطقة الخليج. ويبقى السؤال: ما مدى هذه الهيمنة؟"
ويوضح فريدمان في حواره بالقول: "إن إيران مهيمنة بشكل كافي، بحيث أن المباحثات النووية اصبحت جانبية، وذلك بعد إنشغال 30 مليون عراقي، في قتال بعضهم بعضا، بدل أن يكونوا قوة لتوازن القوى في المنطقة. وبذلك، أصبحت إيران، ولأول مرة، منذ قرون، حرة من أي تهديد من جيرانها.. ولنتذكر أيضا، بأن القوة النووية ليست مهمة في الواقع، فستبقى إيران قوة مهمة في الخليج، حتى ولو دمرت قوتها النووية. ويبدو بأن الرئيس أوباما قد قبل بهذا الواقع، فلا تستطيع الولايات المتحدة تحمل كلفة وجود قوة عسكرية امريكية كبيرة في المنطقة."
كما استقراء فريدمان أيضا، قبل اربع سنوات في كتابه: "بأنه في القرن القادم، سيكون الخيار المرغوب فيه مع إيران، هو من خلال تحرك لا يمكن أن يصدق الان. وهو نفس الخيار الذي اعتمده الرئيسان فرانكلن روزفلت، ورتشارد نيكسون، حينما واجها مهمات استراتيجية مستحيلة، حيث قاما بخلق تحالف مع دول كانت تعتبر سابقا تهديد استراتيجي وأخلاقي ضدها." والحقائق على أرض الواقع تضع بأن الولايات المتحدة في نفس الوضع مع إيران اليوم. فمع أن هذه الدولتين (الولايات المتحدة وإيران) تحتقر بعضها البعض، ولكن مع ذلك لا تستطيع أن تدمر أحداها الأخر، وخاصة لأن بينهما مصالح عامه مشتركة. وبعبارة اخرى لكي يحقق الرئيس الأمريكي اهدافه الاستراتيجية، عليه أن يبحث عن وسيلة لاستيعاب ايران.
وينهي فريدمان تعليقه بالقول: "إن انفراج الأزمة النووية مع إيران،& ستخدم المصالح الامريكية الطويلة الامد، ليس فقط بحل موضوع الخطر النووي، بل باستخدام إيران في استراتيجية توازن القوى في المنطقة، مع تركيا والمملكة العربية السعودية(ممثلة للعرب) وإسرائيل، لمنع انتشار الفوضى في باقي بلدان الشرق الأوسط، بل ولحل التحديات العالقة في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وربما فلسطين. لذلك على الولايات المتحدة أن تقبل إيران كقوة مهيمنة في منطقة الشرق الاوسط، وإذا كان ذلك ما نعيشه اليوم فعلي الرئيس أوباما الاعتراف بذلك، فشعبه، وشعوب المنطقة المضطربة، يستحقون معرفة الحقيقة."
كما لفت نظري مقال أخر، كتبه رئيس وزراء، ووزير الخارجية السويدي السابق، كارل بلدت، بمجلة الالكترونية الفكرية، بروجيكت سنديكت، في 18 مارس الماضي، وبعنوان، المساومة& النووية الكبيرة مع إيران، يقول فيه: "وصلت محادثات إيران مع المجتمع الدولي، عن مشروعها النووي إلى قرب اتفاق، ولكن الأهم، هو أن النتيجة ستكون تحول كبير في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة. فالتقارب بين ايران وشركائها المفاوضين في مشروعها النووي واضح، وفي هذه اللحظة لا احد يعتقد، بأن ايران محافظة على برنامج نووي فاعل، لتطوير سلاح نووي، مع أنه ليس بوقت بعيد، كان التصور بأنها قريبة من تحقيق ذلك. ويركز المفاوضون اليوم، على أنه إذا أرادت إيران تطوير سلاح نووي، ستحتاج لسنوات طويلة. ولكن مفهوم الاختراق مفهوم مشكوك فيه، لأنه لو انعدمت الثقة، وقررت إيران إلغاء الاتفاقية النووية، فمن شبه المؤكد بأنها ستتطور السلاح النووي، وحتى لو ألقيت عليها قنابل متكررة. فموضوع استراتيجية الـتأكيد على الاختراق في الموضوع النووي ليس في مكانه الصحيح، بل مفتاح نجاح الاختراق في تحويل إيران من قضية إلى دولة، كما قالها هنري كيسنجر. ففي الحقيقة، تحتاج إيران، للتركيز على تنمية مواردها الطبيعية والبشرية، لتصبح جزء من المنطقة، وتنتقل من مرحلة المجابهة إلى مرحلة التعاون."
&ويستمر الكاتب في حواره بالقول: "ولو أن موضوع السلاح النووي موضوع رئيسي، ولكن في نفس الوقت المهم، الية معتمدة، لتطوير التجارة والاستثمار، وهو الرباط الذي سينقل إيران من العزلة، إلى التكامل كجزء فاعل في المنطقة. ومع تحرك المفاوضات لمرحلتها النهائية فالموضوع الرئيسي سيكون العقوبات.. وكما هو متوقع أن يحاول المحافظون وقف الاتفاق، مع القوى التي تعيش على المجابهة في الولايات المتحدة وخارجها. فيشك المتطرفون في إيران بأن الولايات المتحدة سترفع العقوبات، كما سيدفع أمثالهم في الغرب بكل قوتهم لتأكيد هذا الفرضية، وقد يكون نتيجة ذلك دبلوماسية حلزونية مدمرة. وهنا يجب أن يكون الاتحاد الاوربي مستعدا، ليؤكد استعداده لرفع العقوبات عن ايران، حينما تنجح المفاوضات. بل يجب أن يتبع ذلك تعاون سياسي مع إيران على القضايا المهمة، كافغانستان والعراق، وطبعا بالاستشارة مع السعودية، وباقي دول الخليج. فقد يمكن بذلك التوصل إلى تصورات استراتيجية حيوية، وتعاون مشترك، في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. كما سنحتاج لطرح القضية السورية على الطاولة، فإيران والولايات المتحدة، والاتحاد الأوربي، يتشاركون في الرأي، بضرورة وقف انهيار الدولة السورية."
وينهي رئيس الوزراء السويدي السابق مقاله بالقول: "ومع أن المفاوضات قاربت على النهاية في لوزان، وتتركز على الموضوع النووي، ولكن وراء هذه الاتفاقية هناك احتمالات ومخاطر اكبر. فالاختراق في المفاوضات، قد يفتح الطريق لإيران، لتحول دبلوماسيتها المنعزلة لدبلوماسية طبيعية، ليؤدي ذلك لصفقة كبيرة، تعيد الاستقرار والنظام في باقي المنطقة. وبالعكس فشل نتائج المفاوضات، قد لا تدفع لحرب قريبة، ولكنها قد تؤدي لتطورات، تدفع المنطقة لزيادة من العنف والفوضى. فمع حل مقبول للموضوع النووي، يكون من الضروري حل موضوع العقوبات، والاستفادة من الفرصة لاحتمال صفقة استراتيجية أخرى نوعية كبيرة. فيجب أن تودي الصفقة النووية لبداية لجهود دولية، تدفع بإيران، للمشاركة في التعامل مع التحديات الصعبة في المنطقة." ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان