لمن لا يعرف معنى كلمة بطل هي كلمة مستعربة من الانكليزية Bottle اي القنينة، والعرق هو مشروب كحولي مشهور في منطقة الشرق الاوسط، ويعرف باليوناني اوزو والتركي راكي والعراقيين والكثيرين في المنطقة كانوا يصنعونه ايام زمان في بيوتهم، الى ان منعت الدولة ذلك باعتباره تهربا ضريبيا.
صدر السبت الماضي عن البرلمان العراقي قرارا ملحقا بقانون وارادات البلديات، وفي مكان وفي موقع ليس مكانه او موقعه قرار ضمن القرارات المتعلقة بهذه الواردات فقرة بمنع تصنيع والتجارة واحتساء المشروبات الكحولية، في العراق كله ما عدا اقليم كوردستان. اي ان الفقرة حشيت حشيا ضمن القرار، مثلما يعمل المهرب حينما يضع الامور الممنوعة في مكان لا تطاله الاعين او لا يثير الشبهة لكي يمررها من مناطق التفتيش. كما ان البرلمان حينما استثنى اقليم كوردستان من تطبيق هذا القانون، فانه يقصر ولايته على جزء من العراق ويعلن انتفاء الحاجة اليه في بقية المناطق، ويلغي شمولية تمثيله للعراق كله. واحدى المفارقات التي يجب ان تذكر هي انه في التصويت على قانون المزدوجي الجنسية قام اعضاء البرلمان بالتغييب عن الجلسة او خرجوا منها قبل التصويت لكي يعطلوا النصاب، وهو قانون مهم ويثير الانقسام والشك في العراق وفي ولاء مزدوجي الجنسية وحسب الدستور لا يحق لهم تولي مهام سيادية او امنية مهمة. وبلا شك ان عضوية البرلمان منصب سيادي وهم لا يريدون ان يتخلوا عن جنسيات الدول التي تبيح العرق والويسكي. ولكن حينما اتى الدور على التصويت على قانون واردات البلديات اكتمل النصاب، فلا نعلم هل اكتمل لانهم ارادوا ان يمنعوا ما يسمح به في بلدانهم التي اكتسبوا جنسياتها ام لانهم ارادوا تمشية ولو قانون واحد لكي لا يقال ان الجيش العراقي في المعركة والبرلمان مشلول ولا يساهم في تمشية امور البلد.
في اول مشاركة للعراق في معرض فرانكفورت للكتاب الدولي، كنت متلهفا لمشاهدة والاطلاع على مضمون ما يشارك به العراق، من الكتب وانواعها، ومع الاسف كانت المشاركة ضعيفة ولم يكن فيها ما يسترعي الانتباه الا العنوان الديني عدى بعض مشاركات اقليم كوردستان، ولكن ما اغضبني حقا هو انني كنت اتحدث مع امراة حضرت كمندوبة للعراق ضمن الوفد العراقي، وحين سؤالي لها عن احوال العراق وصور الحياة فيه، قالت الله العراق جنة تروح الاسواق بعد ما تشوف (لن ترى) صفوف وانواع المشروبات الحرام فيه. وحينها لم يكن قرار البرلمان صادرا واصلا البرلمان لم يكن منتخبا. وهذا يعني ان بعض المنظمات لم تنتظر قرار البرلمان بل عملت من اجل فرض شريعتها على الجميع، وقامت بمنع المشروبات الكحولية في مناطق نفوذها، بالقوة. ولكن نفس المنظمات لم تتمكن لحد الان من الحد من انتشار الجريمة القتل والاعمال الانتقامية وفرض القوانين العشائرية والانتقاص من حرية وكرامة الانسان في تلك المناطق. من هنا يكاد الامر يثير الاستغراب، وفي المثال يقال كاد المريب يقول خذوني، اذا ان منع المشروبات الروحية بالمناسبة العراقيون كان يطلقون عليها المشروبات الروحية وليس الكحولية، ليس غايته فرض الاستقامة والحد من الجريمة والخروج عن القانون. ومثالنا الاهم البصرة التي تم منع المشروبات فيها، فاستشرت المخدرات وكادت تباع شبه علنا في الاسواق. فهل كان المنع لصالح تجار المخدرات ام لغايات اخرى، نترك الجواب للتجارب ولذوي اهل الخبرة، ولكن يحزنا ان لا نلقى جوابا لحين ان يدمن الناس المخدرات وحينها يكون كل علاج قد انتفى. كما ان المنع سيشجع التهريب، والذي قد يقدم المشروبات الكحولية بنفس سعرها، لانه سيستفاد من عدم دفعه الضرائب التي كانت تجبى منها والتي بلغت 100%. هذا ناهيك عن عدم توفر الرقابة الصحية على المنتوج المهرب والذي سيكون في الغالب من انتاج الافراد، مما سيسهل انتقال الامراض والاصابات المختلف.
دينيا يتم الاستناد الى ((يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة:90-91، وفي هذه الاية هناك من يفسرها بانها تحريم ومن يقول انها دعوة للاجتناب بدليل قوله (( الخمر اثم كبير بنص الاية ()يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )(البقرة: من الآية2 19)). اي ان فيها منفعة ايضا ولكن مضارها اكثر. وهنا يلعب الاجتهاد دوره ويختلف المجتهدون حول ان كان هناك تحريما اصلا. وان كل اختلاف يفسر لصالح السماح وليس للمنع، باعتبار الاسلام دين يسر وليس دين عسر كما يقول يوميا المسلمون، هذا اذا كان يحق للاسلام ان يفرض قوانينه على الناس بالقوة وبقوانين ارضية.
انها بالحقيقة ليست معركة العرق، او الكحول، بل هي معركة الحريات وبناء الدولة، والاهتمام بالمهم ثم الاهم، اليوم السؤال الذي يرد على بال الجميع ما الذي يفرق بين من وافق على هذا القانون والذي تم تسويقه بهذه الصورة المشبوهة، وبين من يحاربهم الجيش العراقي في محافظة نينوى وكركوك والرطبة في محافظة الانبار، هل هناك فرق، ان الفرق الوحيد، هو ان الدواعش فرضت قيمها وقدالتها الخاصة بالقوة، اما اعضاء مجلس النواب او الاحزاب الاسلامية الاخرى تريد ان تفرض تصورها وقيمها على العراقيين تدريجيا، على ان لا يشملها ذلك. ودليلنا عدم توفير النصاب لقانون متعددي الجنيسة الذي كان يطال الكثير منهم.
انها ليست معركة المسيحيين والازيدية والصابئة المندائيين ممن لا تحرم اديانهم احتساء الكحوليات، رغم ان هناك مذاهب مسيحية تحرم الكحول ولكن هذه المذاهب تحرمه على اتباعها ومن رغب بالشرب عليه ان يخرج من المذهب او ليؤسسه مذهبه الخاص. بل انها معركة الحرية والحقوق الشخصية والتي ان تنازل عنها العراقيين فانهم سيتنازلون عن الكثير، ان شيوع ارتداء الحجاب والنقاب في المجتمع والذي انتشر بعد الحملة الايمانية التي قادها صدام، لما كان قد حدث وفرض لو عمل المجتمع اوالناس من اجل رفض فرضه. انها عملية فرض القيم الدينية بواسطة القوانين الارضية، والاسواء انها عملية مخادعة الناس واظهار من وافق على انه مؤمن ملتزم، رغم انه قد يمارس السرقة والكذب والفساد بكل انواعه.
اليوم يمكن ان يدرك العراقيين الفرق بين المسؤل الحقيقي والذي يهتم بمعاناتهم ومشاكلهم ويعمل من اجل حلها ولو تدريجيا، وبين الكذاب المنافق ممن يبيع الشعارات ويجذب الناس الاميين ممن يتبعون رجال الدين ويطلبون مودتهم لاجل حماية حياتهم الاخرى، بعد ان فقدوا كل امل في حياتهم الحالية.
- آخر تحديث :
التعليقات