يشهد قطاع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نشاطًا كبيرًا، يرفده النمو السريع في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومجموعة جديدة من المستثمرين. فمن الرباط إلى الرياض، ثمة طاقة ريادية جديدة زاد تسارعها مع صعود صناديق الثروة السيادية وتزايد انتشار الهواتف الذكية.

تمكنت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا من اجتذاب تمويل قياسي قدره 3.94 مليارات دولار في عام 2022، مع تركيز أكبر على الصفقات في الإمارات والسعودية ومصر، وفقًا لـ"ومضة"، رائدة في الفكر وفي الاستثمار بالمجال التقني. ربما يبدو هذا الرقم متواضعًا مقارنة بأسواق الشركات الناشئة الأكثر تقدمًا (جمعت الشركات الناشئة في جنوب شرق آسيا نحو 18 مليار دولار )، لكن صعود استثمارات صناديق الثروة السيادية والتفويضات الحكومية لتنمية النظم البيئية التكنولوجية والمنافسة الشديدة في جذب رواد الأعمال مسائل تعدُ بنمو قوي في السنوات المقبلة.

قال فادي غندور، مؤسس "أرامكس" والرئيس التنفيذي لـ "ومضة"، إن صناديق الثروة السيادية غيرت قواعد اللعبة في المنطقة، "إذ يمكنها تحريك الدفة الاقتصادية بإمكاناتها المالية الوفيرة". لكن الأمر لا يتعلق بالمال وحده، فوجود هذه الصناديق يحث منظمي القطاع على بناء أفضل البيئات لرواد الأعمال، ويجذب المواهب. يضيف غندور إن "التمويل والأنظمة والموهبة تتضافر في وجودها في أفضل مكان على الإطلاق".

كان غندور أحد المستثمرين الأوائل في شركة "مكتوب.كوم" للخدمات الإقليمية عبر الإنترنت، التي استحوذت عليها "ياهو" في عام 2009 مقابل 164 مليون دولار. وصف كريستوفر شرودر، مؤلف كتاب صعود الشركات الناشئة: ثورة ريادة الأعمال تعيد تشكيل الشرق الأوسط (Startup Rising: The Entrepreneurial Revolution Remaking the Middle East)، تلك الصفقة حينها بأنها "لحظة فاصلة" للمنطقة. كتب: "كانت لحظة فاصلة فعليًا، مع الإدراك أن هذا الأمر كان يحدث في كل مكان. فإذا حدث في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، فلماذا لا يحدث في الشرق الأوسط؟".

ما كانت المنطقة تعاني نقصًا في رواد الأعمال الموهوبين، لكن صار البيئة الحاضنة الآن أكثر حيوية. أدت عمليات استحواذ شركات التكنولوجيا العالمية على الشركات الإقليمية إلى ارتفاع منسوب المخاطر. اشترت "أمازون" موقع "سوق.كوم" للتجارة الإلكترونية بالتجزئة، مقره دبي، في عام 2017 مقابل 580 مليون دولار. واستحوذت "أوبر" على "كريم"، منافستها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، مقابل 3.1 مليارات دولار في عام 2019. هاتان الصفقتان رسمتا معالم المشهد الاستثمار التكنولوجي في المنطقة، وأعطتا دفعًا قويًا لرواد الأعمال الآخرين.

يقول تقرير "ومضة" الصادر في نهاية العام الماضي إن 3.94 مليارات دولار جُمعت في عام 2022 قد وزعت على 795 صفقة، بزيادة نسبتها 24 في المئة عن عام 2021. اجتذبت الإمارات نحو 47 في المئة من الاستثمارات الإقليمية (1.85 مليار دولار في 250 صفقة)، تليها السعودية (907 ملايين دولار في 153 صفقة)، ومصر (736 مليون دولار في 180 صفقة). وفي مؤتمر LEAP 2023 للتكنولوجيا الذي عقد أخيرًا في السعودية، أُعلن عن موجة من التدفقات التمويلية الجديدة قيمتها 2.43 مليار دولار للاستثمار في شركات التكنولوجيا السعودية والإقليمية. مثّل ذلك بداية قوية في عام 2023، في أحد أقوى الأسواق في العالم. يعلق غندور: "يستخف الناس بالتغيير المذهل الذي يحدث في السعودية. المملكة تجتذب المواهب الوطنية والأجنبية وتمكنها وتنشئ لها بيئة تنظيمية ملائمة. إنها سعودية مختلفة".

مع تماثل الحجم السكاني ومستويات التعليم والناتج المحلي الإجمالي للفرد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرجح أن يتجاوز تمويل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في هذه المنطقة ما تشهده أميركا اللاتينية، وذلك في غضون سنوات قليلة. وفي ظل احتدام المنافسة بين دبي وأبو ظبي والرياض لجذب رواد الأعمال الواعدين، وتزايد انتشار الهواتف الذكية في دول المنطقة، وإقبال المستثمرين على الاستثمار الاستراتيجي في شركات التكنولوجيا الإقليمية، ربما نشهد قريبًا نموًا كبيرًا للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.