من ضمن الفواکه المتنوعة التي کانت موجودة في البستان الکبير الذي کان يحيط بالبيت الکبير لأبن عمتي في قرية الزهاوية، کان هناك الرمان من أجود الاصناف بحيث کان يضاهي في مستوى رمان بساتين "شهربان" المقدادية، حيث کان هذا الرمان مشهورا في ديالى کلها بأنه الاجود، وأتذکر جيدا ولوفرة محصول الرمان في موسمه، فقد کانوا أولاد أبن عمتي يقومون بعد قطف کميات کبيرة منها بحفر مکان کبير ووضع القش فيه ومن ثم وضع الرمان دخال القش وتغطيته بالتراب، وبذلك کان يتم المحافظة على الرمان من التلف حيث کانوا يقومون بإخراجه رويدا رويدا خلال أيام الشتاء وأکله.

وفي قرية الزهاوية وفي ليالي الصيف، کان هناك البعوض الذي کانت لسعاته موجعة ولذلك فإنه کان هناك ثمة طريقة لمواجهته والحد من لسعه في تلك الليالي التي کنا نجلس فيها في باحة البيت، إذا کانوا يقومون بحرق روث البقر في داخل صفيحة وکان دخانها يعمل على هروب البعوض وإبتعاده عن جلسات سمرنا.

ولکن بقدر ما کانت ليالي الزهاوية حافلة بجلسات السمر وصخب الکلام والضحك واللهو، فإن نهارها کان مختلفا، إذ کان کل واحد من أفراد العائلة تقريبا يمسك بکتاب ويجلس في رکن أو زاوية ليقرأه بهدوء، وهذا کان يستمر حتى موعدي فترة الغذاء والعشاء، مع إنه کانت هناك أيضا أيام کنا نذهب فيها للسباحة بنهر ديالى (الذي کنا نسميه سيروان)، غير إنني کنت أمنح جل إهتمامي للمطالعة خصوصا وکنت أحمل دفترا معي لأکتب ملاحظات عن الکتاب الذي أطالعه وکذلك کتابة الجمل والتعابير التي تلفت نظري مع الإشارة الى إسم الکتاب والمٶلف ورقم الصفحة، وفي أحد المرات وأثناء کتابة موضوع إنشاء وکنت في الثاني المتوسط، قمت بتضمين أحد تلك الجمل والتعابير مع الاشارة للمصدر، وهو ما قد لفت نظر أستاذ اللغة العربية والذي کان حينها الاستاذ "محمد حسين آل ياسين" وهو الان رئيس المجمع العلمي العراقي، حيث لفت نظره ومن خلال إبتسامة صغيرة وبعد حوار قصير معي، نبهني بأن المطلوب تضمين ما کتبته في مقالات تنشر في الجرائد والمجلات.

الاستاذ محمد حسين آل ياسين الذي نال فيما بعد شهادة الدکتوراه حظيت مع طلاب ثانوية السعدية لعام کامل بتدريسه الشيق والنوعي حيث کان يمتاز بأسلوبه الرشيق في إفهام الطلبة، کما کان حذقا جدا في معرفة مستوى الطلاب، مع ملاحظة إنه أول من نبهني الى الحس النقدي في مطالعة الکتب وأهمية وضرورة تقييم الکتاب وهو فضل لن أنساه ماحييت ولا أزال الى يومنا هذا استفاد من هذه النصيحة.

منذ عام 1974، حيث إنتقلت مع عائلتي الى السليمانية، إنقطعت عن ناحية السعدية وعن قرية الزهاوية، وعن طريق صديق لي في تلك الفترة علمت إن أياما عصيبة مرت على السعدية، والاتعس من ذلك إنني علمت أيضا بأن قرية الزهاوية والقرى الاخرى المحيطة بها قد غمرتها مياه سد حمرين في أواسط عام 1981، حيث کنت أسيرا في إيران، ولم تعد حتى عينا بعد أثر، لکن الذي يثير الحزن أکثر إن هذا السد وبحسب من سألتهم هو من أفشل السدود التي بنيت في العراق!