الواضح أن منظومة التخادم الوظيفية الإيرانية- الحشدية- الأسدية- الحزب اللاتية الحوثية ايقنت نهاية مهمتها؛ وبالتالي بعد غزة، و بأقل تقدير، سوف تبقى تحت عقوبات أكبر، ولن تتمكّن من فتح جبهات مباشرة؛ لأن الأذرع الباقية بحوزتها محسوبة على ايران مباشرةً؛ فحتى لو أنتجت أذرعاً ذات صفات عقدية كنموذج "حماس ثانيةً"، فمنطقة التأثير ستكون من جغرافيا مكلفة؛ فنظام الأسد لا يحتمل، وايران لا تحتمل حرباً مباشرة لتراكم مسؤوليتها الدولية، والحوثي تاثيره محدود، ولبنان صعب جدا، خاصة واقع الحزب داخليا، وممكن أن يستجرّ تدميره و تدمير نصف لبنان عدا وضعه على لائحة الإرهاب، وتجفيف كل تمويله و ضرب خطوطه اللوجستية عبر سوريا وايران.
المنظومة بعد غزة تعرف الوضع فلا يمكنها العودة لتقاص عبر تشغيل مليشيات شيعية ستدفع الجغرافيا السياسية التي ينطلقون منها اثمان فادحة. سترزح، إذا ما بقيت، تحت اسوأ عقوبات مُدرَجَة على لوائح الإرهاب، و لحالة من تجفيف الموارد؛ والأخطر عليها عدم قدرتها على انتاج نسخ حمساوية "شيعية" خاصة او سنية مموهة، بسبب الكلفة المباشرة على طهران او أي جغرافيا سياسية حليفة مثقلة ومستهدفة. وتبقى صواريخها المتزامنة من الجولان والحوثي ولبنان ليست أكثر من محاولة يائسة تقول إنه إذا كانت حماس منتهية- كما التصميم الأمرو-إسرائيلي، إلا أنه على الأقل هناك قوس اقليمي ممانع فاعل لا يمكن تجاوزه بالحسابات القادمة. هذا التوقيت هو فقط الممكن لهذه المنظومة ان تتحرك تحت غطاء احداث غزة. اما لاحقا؛ فسيكون ذلك مستحيلاً بسبب انتهاء حماس وما سيتبعها من ترتيبات امر واقع. بذا، تستبق المنظومة مآلات صعبة قادمة وشبه عدمية بحدها الادنى مالم يرتفع السقف إلى الأعلى بكثير. بالمختصر، نحن نشهد الآن اخر رمايات المنظومة.
إن مجرد نهاية الحرب في غزة يعني أن أي استهداف لإسرائيل، سيكون عدواناً مفضوحاً، ويفرض ردة فعل غير مسبوقة، وحالة حرب، وبغطاء دولي. المنظومة فقدت الكثير الآن؛ وربما الحليف الروسي يقدم فيتو أحيانا، لكن ليس بقضايا امنية تمس إسرائيل؛ فروسيا لا تستطيع وقف الحرب، ولا تستطيع دعم حلفاء الأمس او حمايتهم. المنظومة من جانبها، لا تجد روسيا قوية، ولا مخلصة تجاه ايران وحزب الله وحتى الأسد، بل براغماتية جدا، وممكن أن تبيعهم باي صفقة لاحقا.
هذا يعني أنه، ولأول مرة، ينطوي "محور المقاومة والممانعة" على نفسه بلا غطاء في مربع مكشوف وغير فاعل، بل محكوم بردات فعل مع قدرة متدنية على التأثير أو التغيير أو اختراع بدائل. فروسيا أصلا غير معنية بالمنظومة إلا بقدر ما تخدم مصالحها، لكن ليس إلى حد إعلان حروب إنقاذية وصفقات لأجلها؛ فها هي الرادرات الروسية تُغلَق بتفاهمات مع إسرائيل رغم استهداف دائم لقوافل الحزب وإيران.
ويبقى "النظام السوري" أعلى قيمة عند الروس، فقط لاستدامة قواعدهم البحرية المتوسطية؛ علماً أن نظام الأسد انخفضت جدًا قيمتيه الداخلية بحراك السويداء المستمر، وواقع التقسيم على الأرض السورية، و بسبب ارتباطه بالمنظومة الإيرانية. وقد يكون تغيير الأسد أحد اوراق روسيا المقبلة لتخرج بتقاص في أوكرانيا؛ خاصة و أن تل ابيب وجهت تهديداً لبوتن. فإسرائيل لم تعد تقبل التماهي بالأدوار؛ فهي اعتبرته داعم لمنظومة اخترقت امنها بعملية كارثية الكلفة ولأجل ليس قصير. واضح أن حجم التغيير بالمنطقة ستحدده فقط إسرائيل، وأولاً، ووفق سلم أهدافها التي تحقق بالتزامن أهدافا امريكيةً كبرى ودور جديد بحجم وزنها. الكلفة دُفعت، لكن الحصاد كبير جدًا لتل ابيب؛ لأن النصر وعودة الهيمنة هو استعادة مضاعفة أضعافا لكل مكاسبها حتى المستقبلية بل تعجل فيها.
من هنا، لن تتوقف إسرائيل بعد غزة بالمطلق، فهذه فرصة تاريخية للتطبيع والحل الفلسطيني وفق امنها لعقود، ولاستدامة مشاريع الطاقة، وبناء موقف دولي حاد تجاه ايران؛ فهي اذا لم تستهدف القدرات للحزب وطهران، فعلى الاقل تجففها، ولن تسمح بتراكمها زمنياً مطلقاً. لقد استوعبت درس غزة جيداً؛ والآتي حصاد يفوق الكلفة بألف مرة. الموقف الرسمي العربي بحده الأقصى لا يناكف الموقف الغربي إلا إعلامياً؛ وحلف إيران يعاني من هشاشة وغضب اجتماعي؛ وهو مخنوق اقتصاديا. مابعد غزة، هناك خرائط جديدة للمنطقة؛ وما فعلته غزة هو التعجيل بنشرها؛ والمنظومة الوظيفية التخادمية لما يُسمّى محور "المقاومة والممانعة" الآن في اعلى درجات قلقه وتوتره وانعدام خياراته.
التعليقات