لم أكن لأكتب عن السعودية وعن تجربتها الفذة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود إلا بعد دراسة متأنية وموضوعية، فقد كنت ولازلت أتابع عن كثب الأحداث والتطورات التي تجري في السعودية.
أذكر جيدا أن أول مقال كتبته عن السعودية سلط الضوء على ما كانت تكيله الأنظمة الانقلابية في بلدان المنطقة ضد القيادة السعودية، إذ لم تتردد الأنظمة بتوجيه أبشع الأوصاف وأكثرها سلبية ضد السعودية. إلا أن الوقائع أثبتت عكس ذلك تماماً، وانكشف كذب وزيف وهراء مزاعم الأنظمة الانقلابية تلك، التي تلاشت تباعا مثل الفقاعات، بينما تبقى السعودية وقيادتها الفذة طودا شامخا تفرض نفسها ودورها على المنطقة والعالم.
دور قيادي
قد يعترض البعض على وصفي للسعودية وقيادتها بالطود الشامخ، ولكنني أرد على هذا الاعتراض بأن السعودية وقيادتها لم تشغل العالمين العربي والإسلامي بالشعارات الرنانة والثوريات الجوفاء بل عملت بصمت وبدقة وأناة، إذ أن الموقف المبدئي الحاسم للمغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز، بإيقاف تصدير النفط إلى البلدان الغربية أثناء حرب أکتوبر 1973، کان يرقى الى مستوى الهجوم الذي شنه الجيش المصري على إسرائيل من حيث تأثيراته وتداعياته لصالح الهجوم المصري.
أسلوب هادئ ورزين
وفي ظل حرکة التقدم والتطور العالمي الذي نجح في تحويل بلدان العالم الثالث إلى مجرد تابع وخاضع، كثف الغرب النشاط الاعلامي، فخاطب شعوب البلدان العربية والاسلامية بلغتهم وركز على الفروقات الشاسعة جدا بين الغرب والعالمين العربي والاسلامي، بدأت السعودية بمواجهة هذا النشاط بأسلوب هادئ ورزين. أول فصول المواجهة كان مع تأسيس صحيفة "الشرق الاوسط" ومن ثم مجموعة "MBC"، ولايوجد هناك من يمكنه التقليل من الدور الريادي والفعال والمٶثر الذي لعبته وتلعبه في المنطقة ولاسيما من حيث طرح الحضارة العربية ـ الاسلامية کند للحضارة الغربية في المجالات الفکرية والفنية والادبية والثقافية إذ تشكل صحيفة الشرق الاوسط ومجموعة "MBC" ظاهرة غير مسبوقة في المنطقة، نجحت في الولوج الى عقول ونفوس الشعوب العربية.
وقد أيقنت السعودية أن إعداد العقول وتهيئتها ولاسيما العقل الجمعي، ضرورة ملحة للإقدام على خطوات إضافية تمهد لتغييرات کبيرة غير مسبوقة، لا سيما بعد أن صار العالمين العربي والاسلامي والعالم برمته يواجه خطر الإرهاب والتطرف.
وبهذا الصدد فقد أدت المنابر الإعلامية التي أطلقتها السعودية دورا کبيرا في إنجاح الحرب السعودية الفعالة ضد الارهاب والتطرف، عندما بادرت الى تسليط الأضواء على الدور بالغ السلبية للإرهاب والتطرف وعدم علاقته بالإسلام. من المفيد الاشارة هنا الى المواجهة الحصيفة والعقلانية لإثارة النعرات الطائفية في السعودية بغرض استغلالها لتحقيق أهداف وأجندات خاصة في المنطقة ولا يخفى على أحد مرکزها المشبوه، إذ أن السعودية حافظت على أمنها الاجتماعي على أحسن ما يكون.
نحو نهضة شاملة
بعد کل ما قد سردت ذکره، جاء الحدث والتطور الذي أثبت بأن القيادة السعودية بما قامت به سابقا، لم يكن عبثا ومن دون هدف محدد، وذلك بعد أن حل عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الامير محمد بن سلمان، حيث فتح الأبواب أمام السعودية للدخول في مرحلة تاريخية جديدة، مرحلة أسس لها الأمير محمد بن سلمان من خلال "رٶية 2030" التي صار جليا بأنها ليست مجرد نظرية أو زوبعة سياسية ـ إعلامية سرعان ما تخبو کما حدث مع العديد من التجارب التي حاولت بلدان أخرى في المنطقة تأسيسها ولم يكتب لها أي نجاح.
وتمهد رٶية 2030 بصورة عملية لمرحلة مشرقة ترتكز على بناء المملكة العربية السعودية بصورة تجعلها ليس قطبا ولاعبا نوعيا على مستوى العالمين العربي والإسلامي فقط، إنما على المستوى العالمي أيضاً، وهذا إن قمنا بتفسيره في ضوء التأريخ الحديث والمعاصر للمنطقة تحديدا، فإنه يعني إن ما سيتحقق في السعودية هو في مستوى المعجزة!
عهد الإنجازات
رٶية 2023، مشروع نهضوي عام وشامل يتصدى لمختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفکرية والسياسية، وهدفه أکبر من الذي يمکن تصوره لأي مشروع نهضوي آخر على مستوى المنطقة والعالم، فهو يهدف إلى العمل على تحقيق قفزة تنموية نوعية تضع السعودية في مصاف الدول المتقدمة وتجعلها وبحق نموذجاً يقتدى به للعالمين العربي والاسلامي، وهي بذلك تتخطى الحالتين القطرية والاماراتية کما هو مرسوم لها، وبطبيعة الحال فإن لدى القيادة السعودية عموما والامير محمد بن سلمان خصوصا أکثر من هدف استراتيجي من وراء ذلك ولعل أهمها رفع درجة ومستوى ثقة الشعب السعودي بقيادته وبما تسعى إليه من ضمان حاضر ومستقبل زاهر للشعب. باعتقادي أن القيادة السعودية تريد أيضا مخاطبة شعوب وبلدان المنطقة برسالة مفادها أن مرحلة الشعارات والبهرجة النظرية انتهت، وأن المرحلة الحالية هي مرحلة تجسيد وتفعيل الخطط التنموية الطموحة والعمل الجاد من أجل سعادة ورخاء ورفاه الشعوب ومستقبل أجيالها.
الزيارات النوعية لزعماء البلدان المتقدمة للسعودية وبشکل خاص خلال عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز والمٶتمرات والتجمعات النوعية المقامة فيها وآخرها القمة العربية ـ الاسلامية، أثبتت مستوى الدور والثقل السياسي والاقتصادي والفکري والإعلامي الذي باتت تمثله السعودية، وبشکل خاص بعد أن مضى الأمير محمد بن سلمان قدما في ترجمة رٶيته على أرض الواقع، وهو ما لفت الأنظار إليه، وأثبت أن السعودية قادرة ليس فقط على تکرار تجارب تطور وتغيير إيجابي کالذي حدث في ماليزيا وسنغافورة وکوريا الجنوبية، بل تحقيق تجارب أکبر ولاسيما أنها تمتلك إمکانيات مادية هائلة ولها عمق عربي إسلامي لايخفى على أحد.
التعليقات