للحب مذاقات شتى، إنسانية المنشأ، فالليل يتوهج بذكريات وابتسامات وأشجان تتدافع حيناً منفردة وحيناً جماعية؛ إذ إن المشاعر الوجدانية لا تحدها حدود الكلمات ولا السياج الصدري.
لا ندري كيف يتم اختيار نديم الحب ونحن لا ندري!
لكننا ندري أن الحب يبدأ خجولاً وصغيراً ثم يكبر، كالمولود الباكي قبل الإبصار والإدراك للعالم الخارجي، فيحنو المولود إلى عز الحياة ليبدعِ كالزهور التي تتفتح بين رياض القلوب العليلة.. لكننا لا ندري!
تتوه الأبصار والملامح في وسط زحام الدنيا، لكننا نعلم أن مع سهاد الزمن يأتي المنتظر من ذكريات عليلة وأخرى جميلة، فحنايا الحياة فيها اساس مهدنا.. مهد تدفق الأحلام والآهات والعذابات، التي لا تتوارى خجلاً، بل تظل رفيقة الوجدان في الليل والنهار وكل مكان.
ثمة مسارات للحب تتفق مع طبيعة النفس البشرية الانانية، لكنه يظل الحب بمعانيه الجميلة حضناً دافئاً نرتكن إليه مع نبضات القلب كلما تدفقت النبضات شوقاً وتعثرت ندماً.
للحب رهبة في القلوب والعقول، توقد نار القدسية حتى لو تساوت مع هيبة الميت المؤقتة.
بعد انقضاء فترات الصدمات المؤقتة والطويلة أيضا، نعود باحثين عن المأوى الوجداني لنصطاد شتات مذاقات الحب الشتى، من ذكريات والوهج العاطفي والضوء الفكري.
يتفنن، بل يعصف الحب في اعماق الوجدان كما يشاء، فالحب عبقري التوغل والاختراق حين تهب رياحه العاتية، حتى لو انقلبت الأحوال ضدنا في الغالب أو معنا مؤقتاً، إذ نظل باحثين عمّا هو ممكن المنال والمتعملق منه في الصدور.
تحدٍّ مثقل بذروة الحب والأحاسيس يقودنا ولا نقوده.. ندركه حين يغرق البصر في مذاقات العشق وكؤوس الحب، التي لا تلبث أن تنشف من أنفاسنا.. أنفاس العشاق.
جاء شهر شباط (فبراير) 2024 ليجدد الذكرى في عيد الحب وفي مذاقاتنا واختياراتنا في الكتابة والهدايا ونقش حروف من نحب ونهوى وهو التحدي الأكبر الرائع.
زمن أوى من العمر ونحن لا ندري أي نصيب كان لنا وكم كان لغيرنا، فعتمة الزمان والمكان تبعدنا كثيرا عن وهج المنال وجمال الحب.
الليلُ يظل ملجأنا وجليسنا، حين نوقد شموع الحب ونوزع الورد على أنفسنا وعلى هؤلاء ممن يشدو معنا حباً وعذاباً، وضوء النهار يذكرنا بهمس الليلِ، ونفيق على بِكر سَحب العطر.
وترٌ من الأنغام نعزُف في قلوبنا المتعبة، مشتتون في فناء الأرضِ.. باحثون عن ذكرياتنا وأوجاعنا.
للحب مذاقات شتى كالشهدِ والعلقم تروي العطشى من اقداح نهر أو بستان ورد.. فكواكب الليل وحدها تعرف من سكب الدمع ومن افترى ضد حبه ونفسه، وهي نبضات في الحياة تسري!
زهرات الجوري لا بد لها أن تذبل يوماً، ولكن الحب لا يذبل زمناً ورونقاً حتى لو قسا علينا الزمن.
عيد الحب (VALENTNE’S Day) هو عيد لكل البشرية لتجديد التعبير للمحيط القريب والبعيد، والتقاط الأنفاس لتجديد دماء وعروق الحب، من دون أن نصاب بالفزع وهول مصاب العشق، فذلك الثمن يسير نحو المسار الوجداني والهدف الإنساني في إشاعة الحب في كل زمان ومكان.
أصبح الجدل حول عيد الحب رائجاً بين أوساط منغلقة على نفسها وحولها في فهم محدود للأديان السماوية والآراء الأخرى، والتمس العذر لهؤلاء، فهم ضحايا الاستيعاب الخاطئ والمنحرف فكراً في تفسير الشريعة الإسلامي والفقه.
لست بصدد خوض الاشتباك مع من نصب نفسه ولياً ووصياً على آراء الآخرين ورغباتهم وحرياتهم في التعبير، ولكن لا بد من التأكيد أن بدعة الحب من نسيج خيال أفراد واهمة وعقول مريضة!
لا شك أن إقصاء الرأي الآخر ومصادرة حق التعبير، هو التطرف بعينه، تفكيراً وسلوكاً، والجهل بالأديان السماوية خطيئة تحول دون ترسيخ مفاهيم التسامح والاحترام والمودة بين البشرية، بصرف النظر عن الدين والهوية.
*إعلامي كويتي