أعلم أنَّ عينيك - قارئي الكريم - قد تحيرتا لبُرهة حين وقعتا على هذا العنوان؛ أتقرؤه من شمال أم من يمين؟! وحار فيه ترجمانك لبُرهتين؛ أيترجمه من الإنجليزية إلى العربية، أم من العربية إلى الإنجليزية؟! ثم ثاب إليك رشدك في الثالثة فسألت: وما له يشتتنا بين سامِيَّة، وهندوأوروبية، وعامية؟! ألم يكن أجدر أن تجعلها لغة واحدة خالصة؟!

وأنا مثلك، سيدى القارئ، أسأل سيدي مدرب مهارات الحياة ومستشار الأسرة فلان بن فلان: ماذا عليك لو قلتها بلسان واحد مبين: "ستتخطى أو ستتعافى أسرع"؟! ولا تشتت علينا أمرنا بين سابقة عامية مصرية هي (هـ) الاستقبال، وسابقة المضارع في الفصحى وهي (ت)، وإدخالهما على فعل إنجليزي هو (Move) ثم إتباعه بلاحقة إنجليزية هي (On)، ثم إتباعهم جميعاً بأفعل التفضيل العربية (أسرع)! ثم من عندي زدتكم علامة التعجب الإسبانية (!¡) لأزيد (الـAttention)!

إقرأ أيضاً: يمام رمسيس

إنَّ هذا العنوان المُعْوَجَّ الشائه الذى تنكره العيون والعقول هو عينه ما تسمعه آذاننا، وتلفظه ألسنتنا كل ساعة من تخليط الأعجمي بالعامي بالفصيح في الجملة الواحدة، بل إنه ليُنحت نحتًا في الكلمة الواحدة! لكننا أَلِفْنا تلك المسوخ اللغوية لطول ذيوعها، وكثرة تكرارها على منصات التواصل حيث النقل أسرع، والمدى أبعد، والأثر أنكى.

إنَّ التجاوز والتَّرَخُّص فى إدخال الأجنبي من الكلمات إلى لساننا العربي مع حضور مقابله العربي الفصيح المتداول المشهور - هو إيذان بانقراض اللسانِ العربيّ: آدابِه ومعاجمِه، فصيحِه وعاميِّه، واستبداله بلسان آخر مختلط مُبَلْبَل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا يحفظ قديماً، ولا يقوم بجديد!

إقرأ أيضاً: كيمياء الزمن

ثم لن يكون الحال نصف كلمة أبدلناها بنصف كلمة وينقضي الأمر، فمن يقبل سمعه وقلبه اليوم نصف الدخيل يغالب نصف الأصيل، فغدًا يرضى بالدخيل كله محل الأصيل كله، ثم من بعده ينزل بك صاحب هذا الدخيل بنفسه فيحل محلك أنت ذاتك فلا يُنكَر منه مقام، ولا يُرد عن منزل، فمن أَلِف الإحلال والإبدال في لسانه، أَلِفه كذلك في ثيابه وأخلاقه واستقلاله، فالأمر عنده هيِّن كاستبدال لفظة عربية بأخرى أعجمية.

فاحذر! لا نُؤْتَى من ثغرك.