يسعى المواطن في سوريا جاهداً لجهة تأمين المسكن الذي يليق به وبأسرته، وهذا المنزل من الصعوبة بمكان الحصول عليه بيسر، ما يلجئه إلى امتلاك بيت المستقبل بالأقساط المريحة، وعلى وجه التحقيق، بالنسبة إلى العاملين من ذوي الدخل المحدود، الذين يضطرون للامتثال إلى إشتراطات الجمعيات السكنية، والدوامة التي تدفع بالمواطن الاكتتاب في تلك المشاريع السكنية، ومثالها مشاريع المؤسسة العامة للإسكان، وهي فرصة تظل على طبق من ذهب، في حال تحققت، إلّا أنَّ السمة العامة لهذه المشاريع بقيت قائمة على الورق، وظل كابوس الإخفاقات يُحيط بالمواطن، والانتظار الطويل والبغيض الذي يرافقها، فضلاً عن الوعود والأكاذيب، وعمليات الاحتيال والنصب التي ترافقها، والمواطن يقف بانتظار تنفيذ هذه المشاريع التي في أغلبها وهمية، وما تصاحبها من صراعات غريبة، وانتظار أغرب استمر سنوات، وما على المواطن سوى الانتظار، والانتظار الممل والمقرف للفوز بالمسكن الحلم بعيد المنال. هذا ما كان في الماضي، قبل اشتعال فتيل الثورة، فما بالك باليوم، فقد أصبح تجسيد الحلم أشبه بالمستحيل!

إنَّ معظم مشاريع التشييد في سورية تعاني مشاكل التأخير في التنفيذ، لا سيما أنَّ صناعة التشييد محلية وغير مهيأة بالقدر الكافي لموضوع إدارة المشاريع المرافقة للازدهار المتوقع في هذه الصناعة، إضافة إلى تضخّم الأسعار والظروف الاقتصادية المزرية التي تمر بها البلاد، في ظل تراجع القيمة الشرائية لليرة أما الدولار الذي تضاعفت قيمته!

إقرأ أيضاً: لغة العيون

المؤسسة العامة للإسكان لديها العديد من المشاريع، وأهمها المشروع المخصص لأساتذة الجامعة الذين دفعوا مبالغ مادية، ومستمرون بدفع الأقساط الشهرية، إضافة إلى مشروع السكن الشبابي، إلا أنه وبسبب الظروف الاقتصادية الحالية يعاني منها الجميع، تضرر الكثير من المكتتبين إلى حد بعيد جداً، فضلاً عن أن معظم مشاريع التشييد تتأخر لعدّة أسباب غالباً ما تتشابه وتتكرر، ومنها ما يتعلق بصعوبات تمويل المشاريع من المقاول، أو التأخّر في تسليم موقع المشروع الخالي من العوائق، أو النزاع بين المقاول والإشراف والمالك، بالإضافة للأخطاء والتضارب في وثائق التصميم والعمالة غير الماهرة، ونقص العمالة عموماً أو التأخير في عملية التعاقد والتوريد للبناء.

وفي سورية يوجد نحو 2500 جمعية سكنية، وأغلب هذه الجمعيات غير فاعلة، وتحتاج إلى فترة زمنية طويلة من أجل تنفيذ الأعمال المطلوب تنفيذها، وصارت هذه الجمعيات بعيدة عن الغاية التي أحدثت من أجلها، وهي تأمين مسكن للأسر التي تنتظر الاقلاع بها لانهاء أزمة السكن التي يعانون.

المشكلة لا تزال قائمة بين الجمعيات من جهة، والمتنفّذين والتجار من جهة أخرى، الذين حولوها إلى مشاريع تجارية مقصدها الربح من دون أن تُراعي دخل المكتتبين التي تهوي إلى ما دون الصفر نتيجة الوضع القائم والحاجة التي يعانيها المواطن.

الأصوات ظلت تنادي بحل وزارة الأشغال العامة والإسكان محل الاتحاد التعاون السكني، وربط الجمعيات السكنية بالوزارة مباشرة والعمل على إلغاء دور الوسيط.

إقرأ أيضاً: تفاقم ظاهرة الطلاق!

إنَّ أغلب مشاريع المؤسسة تفتقر اليوم إلى البنية التحتية في ظل غياب الشوارع والأرصفة، وكذلك عدم تخديم المشاريع بالكهرباء والماء بالوقت المناسب، كما تسلم حوالى 80 بالمئة من المساكن القائمة حالياً وهي غير مخدّمة بالشكل الأمل، ومنها ضاحية الباسل، والسكن الشبابي في اللاذقية.. حيث إنّ ضاحية الباسل منتهية أعمالها قبل عام 2010، وإلى الآن تفتقر إلى عامل الصرف الصحي، فضلاً عن الأرصفة والشوارع وغياب الأسواق، أو المحال التي لم تحدث داخلها إضافة إلى عدم التنسيق مع مجالس المدن وربطها بالمواصلات، كما أنّ أغلب المساكن هي عبارة عن دور سكن بعيداً عن إقامة أسواق تجارية وخدمات لهذه الضواحي.

وتعود الأسباب في تأخّر تنفيذ مشاريع وزارة الإسكان إلى اتساع رقعة الحرب على سورية، وارتفاع تكاليف التنفيذ وفروقات، وإلى غياب الاعتمادات المرصودة في الموازنة العامة وغير المتناسبة مع حجم العمل. أي أن أغلب الموازنات الاستثمارية هي موازنة وهمية بعيدة عن الواقع، واعتماد المؤسسة على جداول المدفوعات التي يقوم بها المشتركون والمكتتبون، ناهيك بضعف التمويل، ونقص اليد العاملة الخبيرة والماهرة التي فقدت بسبب الحرب، واعتماد المؤسسة تلزيم الأعمال لمتعهدين من خارجها.