استمعت في إحدى ساحات الحوار إلى تعليق لأحد المهتمين بالإعلام. تحدث وأفاض واصفاً حالة الإعلام العربي في إطاره العام، وقال إن "الإعلام العربي إعلام مراهق" - وهو مصطلح اسمعه لأول مرة - مشيرًا إلى أنه لا يخدم السياسات كما يفعل الإعلام الغربي، ولافتًا إلى أن "أغلب العاملين فيه من غير المختصين أو ممن لا يملكون الخبرة الكافية". وأشار إلى أهمية الحرب النفسية التي ترتكز على الإعلام المدرك لدوره ولتأثيره. وكرر أن هناك "إعلام مراهق"، معللاً ذلك بأن الإعلام غير الواعي، وغير المدرك لدوره ولأهميته ولإمكاناته هو إعلام مراهق - أو بعبارة أدق - غير ناضج.

ومن هنا، طرحت الأسئلة التالية لبعض المهتمين بالشأن نفسه لعلي أخلص في النهاية لمعرفة ما يثري هذا الحقل المهم: كيف ترى دور الإعلام العربي في خدمة قضاياه المصيرية وما يخدم مصالح دوله عالميًا؟ وهل الإعلام العربي يحتاج حقًا إلى وقفة مع الذات وليس إلى جلد الذات؟ أليس من المهم أن نحدد المشكلة التي تجعل المختصين والمهتمين غير راضين عن الأداء الإعلامي العربي في شكله العام مع إدراك الفروقات بين الوسائل والرسائل والإمكانات؟

أرى أن الموضوع طويل ومتشعب ويحتاج إلى تشخيص دقيق من خلال تحليل المضامين والاتجاهات وقياس علاقة الإعلام العربي مع واقعه وقضاياه. فالإعلام العربي لم ينضج بعد لعدة أسباب. ولو أخذنا الإعلام اللبناني كنموذج أعرق، أو الإعلام المصري كنموذج أوسع انتشارًا، سيقودنا المشهد إلى حقيقة أن الإعلام العربي ما زال بعيدًا عن إدراك دوره.

والحديث في هذا السياق يطول، ويحتاج إلى طرحه بهدوء وتأنٍ، مع الاسترشاد بآراء الباحثين والمختصين. وإن كان هناك من يعتقد أن قياس التأثير يحدد مدى قوة الإعلام العربي وأنه في المسار الصحيح، فالدراسات وتحليل المضمون قد تكون مكررة وتعيدنا للمربع الأول، والغرق في تفاصيل لا نهاية لها ولا جدوى من نتائجها، وأعتقد أنه رأي نشاز.

ويرى العميد البحري الركن م/ راشد محمد القحطاني أن "الإعلام العربي إعلام غير مراهق وتبنته جهتان بالإضافة إلى الإعلام الرسمي لكل دولة عربية:

  1. إعلامي المهجر، ولهم أجندة لا تصلح للمشرق وهم في طور الانقراض كما انقرض شعراء المهجر، وبقي منهم أصوات في "هنا لندن" وفي "مونت كارلو" محسوبة على العرب وهم موجهون سياسيًا وكأداة للتغيير الثقافي الغربي.
  2. الإعلام العربي المتنوع المشارب والمصادر، فمنه المحافظ والمنفتح وإعلام الثورات، وهو ثري بالمحتوى ومحدود القدرات وغلب عليه طابع التبعية. ثم ابتُلي الإعلام العربي بدعاة متطرفين وعلمانيين، ثم إعلام الثروات وفق مصالح الملاك، وظهر إعلام الغوغاء والتلميع، ولم تظهر وكالة أنباء عربية ذائعة الصيت".

وهناك طرح آخر للدكتور سعود الغربي، إذ يرى أن "مصطلح الإعلام المراهق هو محاولة لتشخيص وتحليل الحالة الإعلامية في الوطن العربي بشكل عام، حيث إن هذا الإعلام متشابه ومتأثر ببعضه البعض. وكما يشير الوصف، فإن "الإعلام المراهق" يعبر عن عدم النضوج، وهو قائم على الاندفاع والتهور والاستعجال، ويتجاوز فعله من دون أن يشعر بأنه على وجهة من التيه أو أنه يسير بخطوات غير مدروسة جيدًا.

لا شك أن هذا المصطلح يتطلب الدراسة والتمحيص والتأطير النظري والعلمي الرصين لتأصيله، وهو مماثل للكثير من المصطلحات الإعلامية التي أطلقها باحثون عرب مثل مصطلح الغوغائية والتخمة الإعلامية وغيرها من الفرضيات التي طرحها الباحثون العرب ولا تزال تحتاج إلى الكثير من البحث العلمي والدراسات المسحية الاستقصائية حتى يتم تمحيص هذه المصطلحات وجعلها مؤثرة في الخريطة العلمية الإعلامية، ودفعها كمنهجيات لمعالجة حالات الإعلام وتقويم حالته للأفضل لأداء رسالته والقيام بواجبه كما يجب".

وهناك نظرة مختلفة إلى حد ما للواء م/ محمد عبدالرحمن الوابل، الذي يتوقع بأن "الإعلام العربي أحيانًا إعلام تضليلي وظاهرة صوتية مثل أحمد سعيد إبان حرب الأيام الستة مع إسرائيل، وأحيانًا إعلام تخدير، وأحيانًا إعلام تأليب للرأي العام من دون هدف، وهو غير ناضج".

واختتم مقالي هذا بما ذكره لي شخصيًا الإعلامي البريطاني الجنسية المحرر بقناة BBC الشهيرة، الأستاذ نادر عبد العظيم، إذ يقول: "الإعلام المراهق ليس نعتًا سيئًا، بل هو بداية للإعلام الذي سيأتي عليه يوم وينضج. وسبيل المثال على ذلك حالة الإعلام السعودي، الذي أخذ من تجارب سابقة واستطاع الآن أن يكون أداة مؤثرة في محيطه الداخلي والعربي. ولعل ما يقوم به وزير الإعلام السعودي، سلمان الدوسري، من دعم أدوات الإعلام، دور كبير في أن يتحول هذا الإعلام المراهق إلى ناضج يقود مسيرة الإعلام السعودي لتحقيق الأهداف المرجوة. يكفي أن ندلل على ما قامت به المملكة خلال الأشهر الماضية من دعم كبير للإعلاميين السعوديين، تجلى في منتدى الإعلام السعودي، والذي ضم كوكبة من أقطاب الإعلام".