ما هي الصيغة التي يمكن أن نصل بها إلى عقل القارئ العربي؟ وبأي اتجاه يمكننا أن نحاوره، وأن نثير انتباهه، ونحن نخوض هذه التجربة من خلال طرح العديد من التساؤلات؟ تساؤلات ندرك تمامًا مدى عفويتها من جهة، وآلية عملها من جهة أخرى. وهل يمكن أن تُحقق هذه التساؤلات مطالب المسؤول العربي وآماله وتطلعاته، في زمن صار الواحد منا يستسهل فيه قول ما يريد في ظل آلية النشر السريعة، بعيدًا عن عين الرقيب، باستثناء مراقبة الضمير، خاصة من خلال قنوات المواقع الاجتماعية المتعددة، والحرية التي تتيحها في إبداء الرأي، حتى يتمكن الفرد من الوصول إلى الجهة التي يريد وإلى الرئيس المعني الذي هو في موقع القرار؟

ليس من السهل أن نغمض أعيننا، وأن ندير ظهورنا عمّا يدور من حولنا، وعلى مرأى العالم كله، وأن نقف متفرجين بلا حول ولا قوة. فما الهدف والمعنى مما حدث ويحدث الآن على الساحة العربية التي تعيش في دوامة من الاقتتال والخسائر التي تستنزف خزائنها المالية مع كل صباح على حساب المواطن العربي البسيط، الفقير والمهزوم، الذي فضّل الهجرة والانتحار ومواجهة الموت على العيش في إذلال وحاجة؟!

يتساءل البعض عن ماهية الأحداث التي تستهدف الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، ومتى ستتوقف كرة اللهب التي، كما يبدو، ستظل تتدحرج وتأكل الأخضر واليابس، ولن تتمكن من التوقف، لأنها صارت تضرب بقوة، وأمامها نيران مرتفعة، مخلفة وراءها الدمار والخراب وألوانًا من القتل والحرمان والتشرد والفقر.

هكذا أصبح حالنا، وهذه الكرة ستستمر في التدحرج وفي قضمها وسرعتها، لتواجه هذا الطوفان من الأسئلة التي تضاربت حولها الرؤى والتحاليل بشأن ما أثاره الربيع العربي، الذي نغّص حياة الكثيرين، وأدى إلى انتشار الشر المستطير الذي حلّ بالأمة العربية.

صحيح أنَّ هناك من هم على قدر كبير من القوة والإمكانية، ولديهم أدوات التسلح القادرة على صدّ أي تدخل داخلي أو حتى خارجي، ولكن رغم ذلك، لن ينجوا من هذا الشر الذي ترسخ في كل مكان.

إقرأ أيضاً: الموسيقى ومعالجة مرضى الأعصاب

إنَّ الأحداث ومجرياتها صارت تشكل عوامل ثقل كبيرة، ويلزمها وقفة صريحة مع الذات، خاصة مع أولئك الذين كانوا لهم اليد الطولى في إشعالها، ولم يعد بالإمكان بعد الآن إطفاء نيرانها تخوفًا من أن تُلحِقَ بهم الضرر، وهذا ما يمكن أن يحدث.

الكثير من الحالات باتت شائكة، وهذه الشائكة بحاجة إلى النظر في الحلول التي قد توقف هذه المشكلة التي - كما يبدو - ستستمر، والخاسر الأكبر فيها هو المواطن العربي، الذي تحمل تبعاتها جرّاء نشوب هذه الأحداث الضاربة في العمق.

إقرأ أيضاً: اتهام الحكومة السورية بتجويع الناس!

نعم، لقد تحمل المواطن العربي ويلات هذه الأحداث، وخسر الكثير جرّاء نشوبها. فقد خسر واقعه وحياته ذاتها، وعمله، وحريته. كما فقد حتى القدرة على التواصل مع الناس، وأصبح يعيش في عزلة، متحسرًا على الأيام الجميلة والنادرة التي عاشها، أما اليوم فإنه يجد نفسه مجبرًا على الامتثال لرؤية من هم أدنى منه مرتبةً وعلمًا وخبرةً ومعرفةً.

تحوّلت أحوال هؤلاء القلة الذين غيّر الزمن ملامحهم ونظراتهم، وجاؤوا يحاولون تطبيق مزاعم دينية، وإلغاء كل ما هو جميل، معتبرين أنفسهم وحدهم العارفين بالحياة الدنيا، ولا سواهم! فضلاً عن تطبيقهم للكثير من القوانين التي لم تكن في عرف أهل الوطن الأم، وصاروا اليوم يقرّون مبادئ ما أنزل الله بها من سلطان، ويطبّقونها في بعض المدن العربية التي حولوها إلى ولايات تابعة لهذه الجهة أو تلك، غيّروا أسماءها وارتبطت بشعارات لم ترقَ لأحد، واتخذوا قرارات لم يسبق للمواطن العربي أن سمع بها، وإنما مجرد خطوات تعجيزية الغرض منها أن يكون لهذه المجموعات رأيها، ويجب تطبيقه بالحديد والنار وبالقوة، حتى وإن أثار في المجتمع آراء مختلفة.

إقرأ أيضاً: تركي رمضان... وصمت الجدران

ما كان وما سيكون، فيه إجحاف بحق المواطن العربي، الذي ما زال يعاني من الفقر والحرمان. فكيف يمكن أن نقنعه بما يجري في هذا العالم ما دام أنه يعاني من أبسط متطلبات الحياة؟

وبدلاً من أن نخفف عنه عبء الحياة ومتطلباتها، ونؤمن له احتياجاته الأساسية كالماء والكهرباء، نجدهم يتخذون قرارات فيها الكثير من الجهل وقلة الحيلة بحق المواطن العربي البسيط. إنهم يريدون أن يعيدوا هذا الكون إلى بوابات الجهل والخرافات، ويفرضوا عليه أساليب فيها الكثير من القهر والتسلط!