كان الصحافي والكاتب تركي رمضان، طيّب الله ثراه، محبّاً وعاشقاً جداً للقراءة والكتابة، ويصرف ما في جيبه لقاء شراء كتاب صدر حديثاً، أو مجلة أسبوعية أو شهرية يتابع ما ينشر فيها باستمرار، وحتى صحيفة يومية كانت تلفت اهتمامه، ما يعني أنه سيضطر إلى اقتنائها مهما كلفه ذلك من مبالغ مالية، وإن كان دخله المادي، باعتبار أنه موظف صغير يعمل في المؤسسة العامة لسد الفرات، بالكاد أن يسد الرمق، وهو الإنسان الملتزم الذي يعيش بمفرده في بيت عربي صغير الحجم، وهو أشبه بصمت مطبق، مثال "صمت الجدران" الذي عاش فيه سنوات طويلة من عمره في حبّ الوحدة التي كانت سبيله الوحيد في اقتفاء أثر الراحة التي كان يبحث عنها في كل زاوية من زواياه، وسبق له أن تناول وكتب قصة حملت نفس العنوان، ونشرت في مجلة "العربي" الكويتية، ونالت إعجاب الأصدقاء وكل من عرف الكاتب الصديق عن كثب.

وحينما كنا نزوره في بيته، نجده ينشغل بضيوفه كثيراً، ويحاول أن يقدم لهم ما يتوافر ما بين يديه من ضيافة يقدمها وبكل تواضع، وإن لم يكن ذلك متوافراً، يلجأ وهو في وضع صحي مزر، إلى الذهاب إلى جاره صاحب البقالة لجلب ما يمكن أن يثلج صدورهم.

وكان، رحمه الله، يصرّ على تقديم الضيافة بنفسه، حيث يرى أنها حاجة لا بد من تقديمها للضيف، وهو نتيجة وضعه الصحي لم يكن باستطاعته خدمة الضيوف الخدمة التي تستحق، كما يراها هو، ما يجعله يتألم في دخيلة نفسه، ويرثي الوضع الذي يعيشه، فكان أغلب أصدقائه الزوار يعذرونه على تأخر الخدمة، ويحاولون مؤكدين عدم رغبتهم في تناول أي شيء تلافياً للجهد والإرهاق اللذين سيكون لهما نتائجهما السلبية حيال صديقي الكاتب والصحافي النبيل الذي لا ينفك بالانشغال عنك ولا بك بحديثه المشوّق، وبنهفاته المضحكة التي كانت تطل برأسها راسمة ابتسامة صادقة على كوكبة الأصدقاء الذين يزورونه بين فينة وأخرى للاطمئنان عن صحته.

إقرأ أيضاً: الخطيب.. "فلتة" أخلاقية وكروية!

كان الأديب الراحل الذي وافاه الأجل قبل نحو ثلاث سنوات، وأقام في تركيا بعد مغادرته مدينة الرّقة، مسقط رأسه، نتيجة تعرّضه لإصابة بليغة إثر قصف الطيران الذي لحق بمدينته، ونال قسماً كبيراً من أحيائها، واستمر على هذه الحالة سنوات حبيس الفراش، بعد مغادرتها، وتحمّل مرارة العيش والفاقة والعوز الذي كان يعاني منه!

يكفي فقيدنا المرحوم تركي رمضان أنّه كان متواضعاً جداً، ومثقفاً وإنساناً بسيطاً، ولم يكن يهمّه الظهور، أو التقرّب إلى المسؤولين باحثاً عن عطاءَاتهم، كما فعل كثير غيره، لقاء السكوت عن الكثير من الأخطاء التي كانوا يرتكبونها في المديريات والمؤسسات التي يديرونها.

إقرأ أيضاً: صلاح... وميركاتو صيفي ساخن!

كان تركي رمضان محارباً للفساد، ولأيّ تجاوز مهما كان صغيراً... وأسس ـ رحمه الله ـ قاعدة من الصحافيين الشباب، ومنهم من شقّ طريقه ونجح، ومنهم من سعى في اتجاهات أخرى باحثاً عن التقاط رزقه بعيداً عن هذا الدرب الشائك!.

وفي هذا المقام لا يسعنا إلّا أن نقول: الرحمة والمغفرة على روح الصديق الصحافي والكاتب النبيل تركي رمضان.