فقدان مهنة الصيدلة لمعايير عملها، وعجز الخريجين عن فتح صيدليات خاصة، يدفع سكان مدينة دمشق، وفي مناطق أخرى في سورية حياتهم ثمناً لجشع ممتهني الصيدلة وتجّار الأدوية، وسط تجاوزات قانونية وفساد مستشري في القطاع الصحي الذي يتبع النظام السوري!

إنّ الحكومة السورية تعترف بانتشار ظاهرة تأجير شهادات الصيدلة، ومخالفات أخرى ترتكب بحق المواطن، وتشتمل تلك المخالفات على أشخاص بعينهم، وتشدّد الجهات المسؤولة على أنَّ اللجان المختصة في نقابة الصيادلة ومديريات الصحة في المحافظات تقوم بجولات دائمة لرصد المخالفات وقمعها، في حال علمنا أن العقوبة المتخذة في حق المخالفين تراوح بين تنظيم ضبط وإغلاق الصيدلية بالشمع الأحمر، وفرض غرامات بمبالغ مالية كبيرة تتراوح بين ثلاثمئة دولار وأربعمئة وخمسين دولاراً، فضلاً عن تحويل الصيدلي الأساسي إلى مجلس تأديب، والشخص الذي يمارس المهنة من دون امتلاك شهادة جامعية إلى القضاء.

المشكلة التي تقف حجر عثرة أمام أفواج الخريجين من حملة شهادات الصيدلة هو عدم قدرتهم على فتح صيدليات خاصة بهم.

إنّ مهنة الصيدلة والطب في سورية تحولت إلى تجارة رابحة بامتياز وسط غياب الرقابة الصحية، وتفشي ظاهرة الفساد والمحسوبيات، في ظل وجود أشخاص يمتهنون الصيدلة، أي باعة أدوية، وهذا مصدر خطر كبير على صحة المرضى، كما بات يُمارس الصيدلي دور الطبيب بسبب عدم قدرة السكان المقيمين في بعض الأحياء الذهاب إلى عيادات تفرض رسوماً كبيرة للمعاينة. والأسوأ من ذلك هو أن يصف شخص لا علاقة له بمهنة الصيدلة أدوية لا يعرفُ تركيباتها وآثارها الجانبية لمرض ما يؤدي إلى كارثة في حال عانى المريض من تدخلات الدواء التي تقود إلى الوفاة، أو أن يعطى هذا الشخص -الصيدلي - إبراً لمرضى من دون امتلاك أدنى معرفة طبية.

إقرأ أيضاً: الخطيب.. "فلتة" أخلاقية وكروية!

وهناك ظاهرة أخرى أخذت تنتشر بالتزامن مع بيع من يسمّون أنفسهم صيادلة الدواء المهرّب بلا وصفات طبية، وأصبحت الأدوية المهرّبة تجارة مربحة في ظل انقطاع أصناف من الأدوية التي تنتج محلياً.

تظل مشكلة تأجير بعض خريجي الصيدلة شهاداتهم لأشخاص لا علاقة لهم بالمهنة، ولا يملكون أدنى معرفة طبية، في مقابل مبالغ محدّدة، مشكلة قائمة، وتعود إلى ما قبل الثورة، أضف إلى عدم قدرتهم على توفير تكاليف فتح صيدليات، ورفضهم تأدية الخدمة الإلزامية في الريف لمدة سنتين، علاوة على أن هناك صيادلة وخريجين جدداً من كليات تدرس المهنة، وبصورة خاصة من النساء، يؤجرون شهاداتهم إلى أشخاص غير صيادلة، وآخرون يفعلون ذلك في حال عملوا في مختبرات، كما يشغّل بعضهم أقاربهم في صيدلياتهم.

إقرأ أيضاً: صلاح... وميركاتو صيفي ساخن!

إنّ انتشار ظاهرة امتهان الصيدلة، في عزّ الظهيرة، وسط غياب إجراءات الرقابة، وواقع العيش الذليل المزري والفاقة، يعيش مئات الآلاف من السوريين تحت خط الفقر، ما يجعلهم يقصدون صيادلة للتداوي عوضاً عن الذهاب إلى متخصصين.

الجدير ذكره أنَّ عدد خريجي كلية الصيدلة في ازدياد هائل مع كل عام، وخاصة في ظل وجود حوالى 17 كلية خاصة في سوريا و4 كليات حكومية، منها ما أُنْشِئ منذ خمسة أعوام في نفس الوقت، أي أننا سنشهد بعد عامين أزمة خريجين جدد قد تصل أعدادهم إلى نحو 4000 خريج، إلى أنه لا يوجد ريف سيستوعب هذه الأعداد التي أخذت في الازدياد عاماً بعد آخر.