يشهد الشارع السوري، وخاصة في العاصمة دمشق، استياءً كبيراً بسبب استمرار الحكومة في رفع الأسعار، خصوصاً أسعار الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، رغم الوضع الاقتصادي والمالي الصعب الذي تعاني منه البلاد. وقد تحولت مداخيل المواطنين الشهرية إلى مصدر تمويل رئيسي لخزينة الحكومة، بسبب التراجع الحاد في مصادر التمويل وعجزها عن تأمين الاحتياجات الأساسية.

لم يُعفَ المشهد المتأزم للمواطنين في مناطق سيطرة النظام الحكومة من توجيه ضربات موجعة للمواطن. فقد أعلنت "الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد" عن رفع أسعار الخدمات الأساسية المقدمة من شركتي الخلوي "سيريتل" و"MTN" و"الشركة السورية للاتصالات" الحكومية بنسبة 50 بالمئة. جاء ذلك بعد أيام من رفع وزارة الداخلية رسوم إصدار جواز السفر "الفوري" إلى 300 ألف ليرة سورية، بدلاً من 102 ألف ليرة، وقبلها رفع أسعار مادتي البنزين والمازوت غير المدعومتين، حيث حددت رسوم البنزين "أوكتان 90" بـ 3500 ليرة للتر الواحد، بعد أن كانت 2500، و"أوكتان 95" بـ 4000 ليرة بعدما كانت 3500 ليرة. كما رفعت سعر مادة المازوت الصناعي والتجاري من 1700 ليرة إلى 2500 ليرة لليتر.

قوبل قرار الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد باستياء شعبي كبير، خصوصاً في دمشق، حيث إن المواطن "مُنهك أصلاً" بسبب الارتفاع المستمر في الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، إذ أصبح الراتب الشهري لا يكفي سوى لأيام قليلة. العديد من العائلات باتت تعيش على وجبة واحدة في اليوم، وبعضهم يأكلون الخبز فقط. ومع قرار رفع أسعار الاتصالات، باتت كل عائلة تحتاج إلى راتب شهري خاص لتغطية تكاليف الاتصالات، خصوصاً أنهم يعتمدون عليها للتواصل مع أقاربهم في الخارج. تُتهم الحكومة اليوم بتجويع الناس وزيادة فقرهم عبر قراراتها، ورغم معرفتها بالمعاناة المعيشية القاسية، فإنها تستمر يومياً في إصدار قرارات رفع الأسعار والخدمات.

تبرر الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد رفع الأسعار بأنه استجابة ضرورية لتمكين شركات الاتصالات من تنفيذ مشاريع الصيانة والتأهيل، إضافة إلى الوفاء بالتزاماتها المالية بالقطع الأجنبي لشركات مزودي الخدمة العالمية، في ظل ارتفاع كبير في أسعار الطاقة. تحتكر شركتا "سيريتل" و"MTN" سوق الاتصالات الخلوية في سوريا منذ أكثر من عشرين عاماً بعقود طويلة الأجل قابلة للتمديد، وذلك بالشراكة مع "المؤسسة العامة للاتصالات" الحكومية وفق نظام الـ B.O.T. وصل عدد المشتركين فيهما إلى نحو 16 مليوناً، ورغم ذلك فإن المشتركين يعانون منذ سنوات من رداءة خدمات الاتصالات والإنترنت، وتفاقم الوضع أكثر مع الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي وصعوبة تأمين الوقود.

من جهة أخرى، تفاقمت أزمة الغذاء في سوريا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز الـ 800 بالمئة خلال العامين الماضيين، مما تسبب في وصول أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.

يترافق ارتفاع الأسعار مع تدهور مستمر في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، حيث يصل حالياً إلى نحو 14700 ليرة، بعدما كان في عام 2010، قبل اندلاع الحرب، ما بين 48 و50 ليرة. ولم تسهم الزيادات على رواتب الموظفين في تقليل الفجوة بين دخل العائلة الشهري وما تتطلبه من احتياجات. إذ إن راتب موظف الفئة الأولى لا يتجاوز الـ 469410 ليرة سورية، والفئة الثانية 414075 ليرة سورية، والفئة الثالثة والرابعة 394770 ليرة سورية، والفئة الخامسة 365805 ليرة سورية. في حين باتت الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تحتاج إلى أكثر من مليوني ليرة شهرياً للعيش بمستوى متوسط.

في هذا السياق، أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة نظام الأسد رفع سعر مبيع ربطة الخبز زنة 1100 غرام للمواطن من 200 ليرة إلى 400 ليرة سورية في الأفران العامة والخاصة.

زعم الوزارة أن السعر الجديد للخبز ليس رفعاً لسعر الربطة بقدر ما هو مساهمة من المواطن في تحمل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة توفر هذه المادة الأساسية. كما قررت وزارة التموين رفع سعر مادة المازوت المخصصة للأفران إلى 2000 ليرة بعد أن كان محدداً بسعر 700 ليرة.

إقرأ أيضاً: تركي رمضان... وصمت الجدران

قدرت الوزارة أن تكلفة تأمين الرغيف يومياً ارتفعت إلى معدلات غير مسبوقة وصلت إلى ما يزيد عن 7,000 ليرة سورية للربطة. وأضافت أن "التحريك البسيط لسعر مبيع الخبز يصل إلى 400 ليرة سورية"، مشيرةً إلى أن قرار رفع سعر الخبز يعادل حوالى 5 بالمئة من التكلفة، من منطلق الحرص على منع حصول نقص أو اختناقات في تأمين حصول المواطن على هذه المادة الأساسية.

وادعت أن نظام الأسد، ممثلاً بالحكومة، يتحمل العبء الأكبر من التكلفة، بالإضافة إلى استحقاقات إعادة إصلاح وتأهيل المخابز وتأمين الرغيف للمواطن، بالتعاون مع منظمات دولية.

المتتبع لما يجري على أرض الواقع يلاحظ أن الحكومة السورية تعيش بمنأى عن الواقع تماماً. ويتجلى ذلك بوضوح في موضوع الرواتب والأجور، الذي يشكل الهاجس الأكبر للمواطن، حيث بات المصروف أكبر من قدرة المواطن على التحمل، وأصبحت الرواتب والأجور غير منصفة إطلاقاً مقارنة بأعباء المعيشة التي أصبحت لا تطاق.

إقرأ أيضاً: حلم العودة إلى وطن مفقود!

إنَّ الواقع الاقتصادي والمالي في سوريا بات ينهار بشكل مرعب في مناطق سيطرة النظام، ويزداد سوءاً ولا يمكن بأي حال ترميمه بسبب انعدام الإنتاج بعد دمار أغلب المعامل والمصانع، وخروج معظم حقول النفط والغاز والأراضي الزراعية، ذات المحاصيل الاستراتيجية، عن سيطرتها، وانحسار السياحة. وهذا ما يعني تراجع واردات خزينة الحكومة إلى مستويات شبه معدومة. في ظل هذا الوضع، تواصل الحكومة رفع الأسعار والضرائب وأجور الخدمات، مما حول مداخيل المواطنين الشهرية، التي تصلهم من الخارج، إلى مصدر تمويل رئيسي لخزينتها.

تؤكد الاتهامات أن الحكومة السورية مسؤولة عن تجويع الناس وإذلالهم، ولم تعد كل عمليات الترقيع قادرة على تجاوز المشكلات التي يواجهها المواطن، الذي توقف عن الصراخ بعدما لم يعد صوته مجدياً. وما يجري اليوم يستدعي من المواطن تحمل تبعات الوضع الراهن وما يلحق به من معاناة.