يقول نيتشه: "إنه لأمر رهيب أن تلتزم الصمت بينما لديك الكثير لتقوله!"، وخامنئي عندما قال ما قال في خطبة صلاة الجمعة في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري في طهران، فأغلب الظن أنه لم يقل سوى شيئًا سطحيًا عارضًا مما في جعبته، في وقت لديه الكثير جدًا ليقوله، لكن البوح بجانب من هذا الكثير يمكن أن يقلب الطاولة على رأس النظام.

خامنئي، الذي ألقى خطبة اتسمت بالخط والمسار التمويهي الذي دأب عليه هذا النظام ويحرص عليه كثيرًا، لم يجد بُدًّا من الحديث عن الأوضاع في المنطقة، ولا سيما بعد حرب غزة وما تداعى ويتداعى عنها من آثار سلبية في لبنان بشكل خاص، واليمن وسوريا والعراق بشكل عام. لكنَّ خامنئي، وجريًا على الخط والمسار أعلاه، قال: "علينا أن نحكم حزام الدفاع من أفغانستان إلى اليمن، ومن إيران إلى غزة ولبنان في جميع الدول الإسلامية وبين الشعوب الإسلامية". وهذا الكلام، لو قمنا بتفسيره على أرض الواقع في البلدان المعنية به، لوجدنا أن وقعه أشبه بوقع خطبة عن فائدة الصحارى وضرورة الاعتناء بها على مسامع العطشان.

نظام الملالي في إيران، والذي لا نذيع سرًّا إن قلنا إن العديد من الأوساط والشخصيات السياسية والإعلامية العربية في بلدان المنطقة، ولاسيما المكتوية بنار تدخلاته، ترى فيه عدوًّا لدودًا لشعوب وبلدان المنطقة، ومن أجل تحقيق أهدافه، يحرص أشد الحرص على إبقاء كرة النار في حضن هذه البلدان. بيد أن خامنئي في خطبته آنفة الذكر، قال كلامًا يتعارض مع ذلك تمامًا: "عدو إيران هو نفس عدو فلسطين ولبنان والعراق ومصر وسوريا واليمن، العدو واحد!".

السؤال الذي يتعيَّن على خامنئي الإجابة عليه هو: سياسات ونهج أي دولة غير إيران كانت مسؤولة عن تدمير غزة ومقتل أكثر من 42 ألف فرد فيها وتشريد أكثر من مليونين من سكانها؟ وبنفس السياق، على خامنئي أن يجيب أيضًا عن سبب اضطرام النار التي امتدت من غزة إلى لبنان، وأسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من ألفين لبناني وتشريد نحو مليوني لبناني؟ هذا إذا ما وضعنا جانبًا ما حدث في الأعوام السابقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن بسبب سياسات هذا النظام. ونتساءل: ألهذا النظام من أعمال أو نشاطات إيجابية ساهمت في تحقيق الأمن والطمأنينة لشعوب هذه البلدان؟

إقرأ أيضاً: عن بقاء حماس وحزب الله

بلدان المنطقة ليست في حاجة لمن يحدد عدوها من صديقها، إذ تنظر للأفعال لا الأقوال حتى تحدد على ضوئها العدو والصديق. إن المنطقة، ومنذ عام 1981 وما بعده، واجهت أوضاعًا غريبة وغير مسبوقة، أصبحت تهدد ليس أمنها القومي فقط بل وحتى الاجتماعي. ومصدر هذه الأوضاع كان ولا يزال طهران ذاتها. ولسنا بحاجة إلى أن نذكر مرة أخرى ما حدث في هذا البلد أو ذاك خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي على يد عملاء تابعين لهذا النظام، وبنفس السياق ما يحدث حاليًا في غزة ولبنان. وهذا إن دل على شيء، فعلى أن مصدر العبث والتلاعب بأمن المنطقة وزعزعته هو نظام الملالي الذي يبدو أنَّه لا يتعظ من ذلك أبدًا، بل وحتى يصر عليه، كما رأى العالم كله في خطاب صلاة الجمعة لخامنئي.

إقرأ أيضاً: عودة ترامب أم عودة أميركا؟

كما أن مصدر العبث والتلاعب بأمن المنطقة وزعزعته في طهران، فإنَّ مفتاح أمن المنطقة واستقرارها أيضًا يوجد فيها، وهذا المفتاح هو التغيير السياسي الجذري في النظام القائم هناك منذ 45 عامًا. إن الأموال الطائلة التي تصرف على الأسلحة والصواريخ المستخدمة ضد النظام ووكلائه في المنطقة، لو كان قد تم صرف أقل من نصفها من أجل دعم وتأييد النضال الذي يخوضه الشعب الإيراني ضد هذا النظام من أجل الحرية، فإن المعادلة كانت ستتغير في إيران، خصوصًا أنَّ العالم كله صار يعرف أن الشعب الإيراني في وادٍ والنظام في وادٍ آخر. والملاحظة المهمة الأخرى أن هناك معارضة سياسية عنيدة ضد النظام، لعبت وتلعب دورًا أساسيًا في تعبئة الشعب ضده. هذه المعارضة تتجسد في منظمة مجاهدي خلق، التي لم تُبتلِ أي معارضة إيرانية بما ابتليت به منذ بدايات النظام حتى الآن. وكان لها دائمًا دورها وتأثيرها في الأحداث والتطورات الجارية في داخل إيران، ولم ينشغل النظام أو يهتم بأيّ معارضة كاهتمامه بشأنها، ويطالب حاليًا دولًا تتواجد فيها هذه المنظمة بتسليمه 104 من قادتها وأعضائها!

مثلما أن المستقيم الواصل بين نقطتين هو أقرب مسافة للوصول بينهما، فإن أقصر طريق للتغيير الجذري في إيران يمر عبر دعم وتأييد الشعب الإيراني ومنظمة مجاهدي خلق.