أُسدل الستار على الفراغ الرئاسي في لبنان بعد اكثر من عامين على انتهاء ولاية الرئيس الاسبق، ميشال عون، ليبدأ مشهدا جديدا في بلاد الارز يعبر عن تغير موازين القوى التي كانت سائدة منذ السابع من ايار 2008 بشكل كامل.

وجاء انتخاب قائد الجيش، جوزاف عون كرئيس للجمهورية كقطعة اضافية في لعبة "احجية الصور المقطوعة" التي تظهر بشكل واضح بدء افول الشيعية السياسية التي كرست نفوذها سواء على الصعيد الإقليمي حيث وصلت تأثيراتها إلى دول عربية، أو محليا في لبنان حيث بلغ النفوذ اوجه مع الدخول في الفراغ الرئاسي الاول والذي اوصل في نهاية المطاف العماد ميشال عون لكرسي الرئاسة، وحتى الفراغ الرئاسي الثاني حيث تمترس حزب الله وحركة أمل خلف ترشيح سليمان فرنجية.

وبلا ادنى شك فإن حزب الله الذي كان له الدور الاكبر في صعود "الشيعية السياسية" سيكون امام واقع جديد لم يعهده من قبل، فالحزب الذي نجح توظيف احداث السابع من ايار للوصول الى اتفاق الدوحة وضمان ورود عبارة المقاومة في اي بيان وزاري منذ عام 2008، وتقريش انتصاره والنظام السوري في معركة حلب عام 2016 لصالح انتخاب مرشحه للرئاسة في لبنان، سيكون عليه من الآن وصاعدا الى جانب حركة أمل طبعا صب كل جهودهم والقتال سياسيا للحفاظ على حقيبة وزارة المالية في الحكومة اللبنانية الجديدة، كحصة للطائفة الشيعية، و الحصول على مساعدات من أجل اعادة الإعمار.

ودفعت الشيعية السياسية ثمنا باهظا لمعركة الاسناد التي اطلقها حزب الله في 8 تشرين اول 2023 للوقوف الى جانب حركة حماس وعملية "طوفان الأقصى"، حيث ان القراءة الفاشلة للمشهد الاقليمي دمرت عملية بناء استمرت لعقود، وادت في نهاية المطاف الى اغتيال قيادات الصف الاول والثاني في حزب الله اضافة الى الاف المقاتلين والمدنيين، وتشريد مئات الالاف من السكان ودمار لا يوصف.

وجاء اتفاق وقف اطلاق النار ليكشف الواقع الصعب الذي يعيشه الحزب الذي كان قبل أشهر يهدد بإزالة اسرائيل وتدمير مدنها فإذ بقادته ومسؤوليه يجادلون حول بنود وقف الحرب وان كان يقتصر على جنوب منطقة الليطاني او شماله أيضا، علما وبأنه في الحالتين يخسر الحزب علة وجوده وسرديته كحركة مقاومة تقف على الحدود مع إسرائيل.

وكما حاول الحزب عبر امينه العام، الشيخ نعيم قاسم القول بأن وقف اطلاق النار هو بمثابة انتصار كبير لحزب الله يفوق حتى انتصار تموز عام 2006، يحاول اليوم الظهور بمظهر المنتصر في انتخاب العماد جوزاف عون عبر القول بأن قائد الجيش ما كان ليمر الى قصر بعبدا لولا موافقة نواب الثنائي، واللقاء الذي جمعه بممثلين عنه بين الجلسة الاولى والثانية ليرتفع عدد المصوتين له من 71 الى 99 نائبا.

وبغض النظر عن محاولات التسويق، فإن قرار الدول المعنية بالشأن اللبناني او ما يُعرف بأصدقاء لبنان، كان حازما في ضرورة إنهاء الفراغ واعادة البلاد على السكة الصحيحة، وهذا ما ظهر في الزيارات المكوكية قبل ايام من الاستحقاق الرئاسي، وسمع المسؤولون كلاما جازما بأنه اما انتخاب رئيس دون شروط ومطالب وإما مواجهة المجتمع الدولي، واللقاء الذي جمع بين مندوبي الثنائي وقائد الجيش لم يخرج عنه أكثر من صورة فوتوغرافية جرى توزيعها على قاعدة ان الصورة تساوي الف كلمة.

موقف الثنائي الشيعي من وصول قائد الجيش لم يكن إيجابيا منذ خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا، فكم من مرة اثار المقربون من الحزب تعاون قيادة الجيش مع الأميركيين، ثم التصويب عليه بخصوص الخلاف مع وزير الدفاع، موريس سليم، وملف المساعدات التي تصل الى المؤسسة العسكرية، وجاءت حرب ايلول لينزع فريق الثنائي قفازاته ويصبح انتقاده علنيا وبشكل عنيف لقائد الجيش مصوبا من زاوية اداء المؤسسة العسكرية، والتخاذل في ردم حفرة المصنع، والتهديد بشكل علني بشق الجيش، وايضا الاتهامات بلإنقلاب على الثنائي في تعيينات المحكمة العسكرية، وصولا الى التلويح بالوقوف حائلا دون التمديد له في قيادة الجيش، واستحضار التعديل الدستوري في كل مرة لقطع طريق بعبدا عليه.