من الظلم وضع نواف سلام، رئيس الحكومة المكلَّف في لبنان، أمام مفترق طرق: حكومة نقية من شوائب الأحزاب أو الدخول في مغارة المنظومة السياسية.!

يملك القاضي نواف سلام كل مقومات النجاح: نظافة الكف، العزيمة، الرؤية، وصلابة الدفاع عن مبادئه، لكنه بالتأكيد لا يملك عصا سحرية تنتشل لبنان واللبنانيين بين ليلة وضحاها من تبعات عقودٍ من الإرث السياسي المتجذر فسادًا في المجتمع قبل المؤسسات.

نواف سلام اليوم ليس قاضيًا في محكمة، بل هو رجل سياسة يتعامل مع معطيات الأمر الواقع. يتعامل مع واقع احتلال إسرائيلي، ومنظومة طائفية متجذرة أفقيًا وعموديًا، ومؤسسات تخطَّت مرحلة الاهتراء، ومجاميع شعبية مخطوفة القرار تخشى الخروج من قوقعة "أمان الطائفة" الوهمي إلى رحاب الوطن الجامع.!

التأخر في إعلان التشكيلة الحكومية يعني أن الرئيس المكلَّف يواجه عقبات تتجاوز مطالب الثنائي الشيعي بالاحتفاظ بوزارة المالية إلى إصرار "المنظومة" على الاحتفاظ بمقومات الحياة. وحبذا لو يخرج الرئيس سلام عن صمته ويكشف للبنانيين عقدَ لا عقدةَ التشكيل الحكومي.

التحدي الأكبر أمام العهد الجديد في لبنان هو المضي في تنفيذ خارطة الإصلاحات، لإعادة الحياة إلى شريان الثقة بدولة المؤسسات. وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قد قال من على منبر قصر بعبدا إن تطبيق الإصلاحات من شأنه تعزيز ثقة شركاء لبنان به وفسح المجال لاستعادة مكانته الطبيعية في محيطه العربي والدولي.

يدرك الرئيس جوزف عون والرئيس المكلَّف نواف سلام أن طريق الإصلاحات مُضنٍ وشاق، ولابد من أن يُتوَّج بالعبور من البوابة التشريعية. ويدرك الرئيسان، كما العالم أجمع، أن إصلاح السلطة التشريعية هو بيد اللبنانيين حين يقفون خلف ستارة الحقيقة في مراكز الاقتراع العام المقبل.

من هنا، فإنه ليس سرًّا أن ثمة ثقة تغلفها مشاعر القلق بمستقبل الإصلاحات في لبنان. وقد أسرَّ لي مرجع سياسي عربي بأن دولًا نافذة تحاول بلورة فكرة إنشاء صندوق خاص بلبنان في البنك الدولي، بحيث يكون الدعم المالي محسوبًا بدقة أوجه الصرف.

باختصار، كي ندعم العهد الجديد، وكي لا نظلم نواف سلام، فإن الإصلاح الحقيقي في لبنان ينطلق مع انتهاء الانتخابات النيابية المقبلة، ومعرفة أي لبنان سينبثق عن صناديق الاقتراع.