في الثامن من آذار (مارس) عام 2014، أقلعت الرحلة MH370 التابعة للخطوط الجوية الماليزية من كوالالمبور متجهة إلى بكين، وعلى متنها 239 راكباً وأفراد الطاقم. بعد أقل من ساعة من التحليق، انقطع الاتصال بها تماماً، ولم يتم العثور على أي أثر واضح لها حتى اليوم. طائرات اختفت قبلها، وحوادث غامضة وقعت عبر التاريخ، لكن ما يجعل MH370 مختلفة أنها اختفت في عصر التكنولوجيا والأقمار الصناعية، في زمن يُفترض أن يكون فيه تعقب أي جسم طائر أمراً بديهياً. ومع ذلك، لم تترك وراءها سوى أسئلة بلا إجابات، وفرضيات تفوق الخيال.
بيانات الرادارات والأقمار الصناعية كشفت لاحقًا أن الطائرة لم تسقط فوراً، بل استمرت في التحليق لساعات بعد فقدان الاتصال، متخذة مساراً غير مفهوم، قبل أن تنتهي رحلتها في مكان مجهول في أعماق المحيط الهندي. لماذا غيّرت مسارها؟ ومن الذي أوقف أنظمة الاتصال يدوياً؟ ولماذا لم يتم العثور على أي أثر رئيسي للحطام؟ هذه الأسئلة جعلت MH370 أكثر من مجرد حادث طيران، بل لغزاً عالمياً أثار عاصفة من الفرضيات الغامضة.
أكثر التفسيرات منطقية تشير إلى أن الطائرة ربما تعرضت لحادث داخل قمرة القيادة أدى إلى فقدان السيطرة عليها، سواء كان ذلك بسبب خلل فني، أو فقدان الضغط، مما جعلها تحلق على الطيار الآلي حتى نفد الوقود وسقطت في المحيط. لكن مشكلة هذه النظرية أنها لا تفسر سبب قيام الطائرة بتغيير مسارها بشكل مقصود قبل فقدان الاتصال، ولا تفسر كيف لم يتم العثور على الحطام رغم عمليات البحث الضخمة التي استمرت سنوات.
إقرأ أيضاً: سبتة ومليلية… احتلال التاريخ
أما التفسيرات الأخرى، فتأخذ الحادثة إلى مستويات أكثر غموضاً. هناك من يعتقد أن الطائرة اختُطفت عمداً وهبطت في قاعدة سرية، مثل دييغو غارسيا، وهي قاعدة عسكرية أمريكية في المحيط الهندي. أصحاب هذه النظرية يرون أن الطائرة ربما كانت تحمل شحنة سرية أو شخصيات هامة، ما دفع جهة ما إلى إخفائها عن الأنظار.
أما أكثر السيناريوهات غرابة، فتشير إلى أن MH370 دخلت في ثقب دودي أو بوابة زمنية، مما جعلها تختفي عن عالمنا، مثلما تتحدث الأساطير عن مثلث برمودا. البعض الآخر يعتقد أن الطائرة ربما تعرضت للاختطاف من قبل كائنات فضائية، خصوصاً مع ظهور تقارير عن أضواء غريبة في السماء وقت الحادث. رغم أن هذه الفرضيات أقرب للخيال العلمي، إلا أن غياب أي تفسير ملموس يجعل العقول تسبح في الاحتمالات المستحيلة.
إقرأ أيضاً: جزيرة سامناو: حيث تبدأ الحياة من جديد
نظريات أخرى تتحدث عن هجوم سيبراني سيطر على الطائرة عن بعد، أو حتى أنها كانت ضحية لتجربة عسكرية فاشلة استخدمت فيها تكنولوجيا التخفي، مما أدى إلى فقدانها دون ترك أثر. بعض المحللين يربطون الاختفاء بكون الطائرة كانت تحمل تقنيات متقدمة أو أسراراً عسكرية، مما جعل إسقاطها أمراً ضرورياً وهناك أيضاً من يرى أن الطائرة لم تتحطم فوراً، بل هبطت على سطح الماء، ثم تم إغراقها عمداً، وهو ما يفسر غياب الحطام الكبير حتى الآن.
لكن أكثر الفرضيات واقعية، رغم قسوتها، تقول إن الطيار زهاري أحمد شاه تعمد إسقاط الطائرة في المحيط بعد أن قادها لمسافة طويلة بعيداً عن أي مناطق مأهولة. التقارير تشير إلى أنه قام بمحاكاة مسار مماثل على جهاز محاكاة الطيران في منزله قبل أشهر من الحادث، مما يعزز الشكوك حول انتحاره بطريقة جعلت من المستحيل العثور على الطائرة بسهولة. ورغم أن هذه الفرضية تبدو منطقية، إلا أن غياب أي دليل حاسم يجعلها تظل مجرد احتمال.
إقرأ أيضاً: لست مصاباً بعقدة العيون الملونة؟
وبين كل هذه النظريات، تبقى الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن العالم فشل في العثور على MH370 رغم أعقد عمليات البحث في التاريخ. فرق البحث جابت ملايين الكيلومترات المربعة من المحيط الهندي، وظهرت قطع من الحطام على شواطئ مختلفة، لكن لم يتم العثور على أي جزء رئيسي من الطائرة، ولا الصندوق الأسود، الذي يمكن أن يحمل الإجابة الحقيقية لما حدث.
قد لا يُحل هذا اللغز أبداً ، ورغم أن الطائرات الحديثة لا تختفي بهذه الطريقة، لكن MH370 فعلت وتركت وراءها واحدة من أعظم الألغاز في تاريخ الطيران. ربما في يوم ما، عندما تتقدم التكنولوجيا أكثر، أو عندما يظهر دليل غير متوقع، سنعرف الحقيقة. لكن حتى ذلك الحين، ستبقى MH370 رمزاً للمجهول، وحكاية طائرة ابتلعتها السماء ولم تعد.
التعليقات