إيلاف من بيروت: ضياء العزّاوي (1939) هو واحد من رواد الحركة التشكيلية الحديثة في العراق، ورمز من رموز الفن التشكيلي في الوطن العربي. هو فنان تشكيلي شامل، أشهرَ فنَّه كسلاح يدافع به عن قضايا الإنسان والإنسانية، وجعل منه رسالة ملونة ضد الحروب والظلم والطغيان. «عملي ينخرط ضمن حركة نهضة الفن العربي، لكنه يتميّز ببُعد شامل، ويرتبط بشكل حميم سواء بالتاريخ أم بقيم الثقافة المعاصرة». هكذا لخّص ضياء العزاوي مسيرته.

سواء في تشكيلاته الملونة أم في الرسم، أو حتى في الحفر والنحت، نستشفّ في أعماله حداثة مستحدثة وغير نمطيّة، مقرونة برغبة عميقة في انبثاق بنية عربية جديدة، في حالة تناغم مع ذاتها ومع الزمن المتحلِّل الذي نعايشه... يرسمه ضياء تارةً، ويكتبه شعرًا طورًا. قصائد لطالما شدّته. السبب كما يعلل: «لهذه القصائد القدرة على إرباك المخيّلة»! فهل هو الإرباك نفسه الذي ينتج عن هذه القصائد فقط، أم عن حركة الذهاب والإياب بين الشرق والغرب داخل عمله؟

البعض يربطها بالعلامات والوجوه التي ورثها العزّاوي من ماضٍ سحيق في موطنه العراق، وتنتمي خصوصًا إلى الفن السومري والآشوري. الربط مهم ولكن ليس الأهم. أهمية مجموع نتاج العزّاوي مرتبطة بدون شك أساسًا بمسألة الهوية أو الأصح، كما يسميها، «الانتماء». فالانتماء له يعني أيضًا، وبشكل ما، مقاومته، وهذا ما يفسّر قيام الفنان «بدمج صورية هذا الفن وهندسته بديناميكية الحداثة»، وهو ما يمنح الطريقة الفريدة التي يعتمدها في ذلك كل قيمتها. وبالتالي، وكما يصفها صالح بركات: «ليس من المهم محاولة ربط ما هو عربي وما هو غير عربي في لوحات العزّاوي، فجميع عناصر هذه الأخيرة تبدو متداخلة – رسمًا ونحتًا، بشكلٍ يتعذّر تفكيكه». ويضيف بركات: «هذا المعرض لا يشبه غيره، وهو بالنسبة لي ليس معرضًا، بل هو «بيان» (statement). بيان ضد كل حالات التشرذم التي تحيط بنا، وإعادة اعتبار لمدينة بيروت بما تمثل لبدايات ضياء ومعاصريه، حتى يومنا هذا»!

لوحات ومنحوتات تبدو اختصارًا لفنون وتاريخ حضارات هذا الفضاء العربي الذي يطبعنا، دون أن يجعل منها على الإطلاق أعمالاً بأبعاد "ماضوية" أو حنينية. فهذا المعرض يحضر إلى بيروت في غاليري صالح بركات كـ«بيان» فريد ولكنه شامل وآني للفضاء المعروض فيه، وهو ما يحوّل كل لوحة من لوحات الفنان إلى عنصر من عناصر الفضاء المعماري الذي يحتضنه، ويفترش أرضيته بتشكيلات معمارية سرمدية تتكاتف فيها ثقافاتٌ وحضاراتٌ عديدة. المقاييس خيالية، كأنها مطالبة الفنان الدائمة بتجاوز نفسه. الأعمال المعروضة تحاكي اللازمان واللامكان، بما فيها القيمة واللاقيمة: أعمال تأبى امتثالها لمقاييس المكان الذي تُعرض فيه، صالةً كانت، أم مدينة، أم بلدًا! حضور عملاق يخترق حضاريًا المستقبل بأدوات الماضي.