حين نفكّر في وضع إطارٍ عامٍّ للوطن، أو حين ندخل في أعماق هذه الكلمة لنبحر في كلّ تفاصيلها، نجدنا أحيانًا نعجز عن الوصف، وربّما لا نجيد التعبير، لكن حين نعيش هذه الكلمة كواقع نشعر بصدقها وقيمتها كمعنى مرتبط بأسس كثيرة تحتاج شرحًا مقترنًا بالإثباتات من واقع هذا العالم. الوطن إحساس واستقرار، الوطن حياة وقيمة وتضحية، ومكان تعرف تغمض عينيك فيه، الوطن جزء عميق من إنسان يحمل معه كلّ تفاصيل الحبّ والإنسانيّة.
الوطن هو أنا وأنت وأرض نرويها بدمنا، ونبنيها بأرواحنا، الوطن مكان نعانق به ومعه عنان السماء.
لا أحد يشعر بمثل هذه الكلمات، إلّا عندما يشاهد الحروب التي تدور رحاها في هذا العالم الفسيح، حروب لا يسقط فيها إلّا الضعفاء الذين لا يجدون من يحميهم أو يدافع عن حقوقهم في أوطانهم التي سُلبت منهم، لا منظمات حقوقيّة تستطيع فعل ذلك، ولا منظمات دوليّة تملك القدرة على رفع الظلم عنهم. لذا العالم اليوم يشهد صراع القوّة، والدولة التي لا تهتم بالقوّة، وتعزّز منها، لن تكون في مأمن من الاعتداءات والتدخّل في شؤونها. فلن تنظر كلّ المجالس الأمنيّة في هذا العالم في أمرك، ولن تحرّك ساكنًا، بل ربّما يجدونها دولة ضعيفة من السهل تجاهل ما يحدث فيها. ماذا فعل مجلس الأمن في الحرب الروسيّة الأوكرانيّة؟ وماذا فعل لفلسطين وأهل غزّة؟ وماذا سيفعل من أجل السودان؟ وكيف سيحلّ مشكلة الاعتداء الإسرائيلي المتكرّر على سوريا ولبنان؟ لا شيء، فالأحداث تكشف واقع هذا المجلس، وتكشف حقيقة الأمم المتّحدة. لذلك أصبحت الدول الذكيّة بقيادتها تفكّر جيّدًا في القوّة، وتعزّز من هذا الجانب، وتسعى بكلّ ما أوتيت من إمكانيّات أن تبني علاقاتها مع دول جيّدة تملك ميزة القوّة، فالمحافظة على الأوطان ليست بالكلام، ولا بالعلاقات فقط، ولا بالمال. المحافظة على الأوطان تحتاج إلى كلّ المكوّنات الرئيسة لصنع القوّة والتمكّن من حماية الوطن.
في هذا الجانب تحديدًا تعيش المملكة العربيّة السعوديّة تفوّقًا ملحوظًا، فهي تسعى جاهدةً في مواكبة كلّ سبل القوّة الحديثة من كلّ مكان، ولديها القدرة على فعل ذلك. حين يؤمن الجميع بأهميّة الوطن وضرورة اتّخاذ كلّ الإجراءات التي تمنحه القوّة والسيادة سيتحقّق الاستقرار، وتعيش الشعوب في مأمن من أيّ اعتداء. تلك النظرة اليوم تعني أنّ المستقبل لهذا الوطن مشرق، ويسعى إلى أن يكون في القمّة مع القمم الذين لديهم التوجّه نفسه. حديث الدول القويّة اليوم غير حديث الدول الضعيفة التي تبحث عن الأمان بتقديم التنازلات من أجل أن يعود إليهم وطن قد سُلب منهم بجرائم حرب ومؤامرات قذرة لم تكن في الحسبان.
أخذتني الأفكار والهواجس، وأنا أتنقّل بين المحطّات الإخباريّة، مشاهدات تُدمي القلب، اعتداءات لا تتوقّف ويصعب تحمّلها، حياة صعبة عنوانها الظلم والقهر، أطفال تموت إمّا بقنبلة تسقط على منازلهم، أو تموت بسبب البرد فلا يوجد مأوى يقيهم قسوة البرد، بالرغم من أنّ كثيرًا من الدول، وعلى رأسها السعوديّة، متمثّلة في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيّة، الذي كان وما زال له دور حقيقي في إنقاذ كثير من الشعوب حول العالم.
اليوم العالم في أمسّ الحاجة إلى إعادة النظر في العمل الإنساني، وأن تقدّم الدول التي تستطيع الدور الإنساني الذي تفرضه الإنسانيّة، طالما لم تستطع أن تساهم في رفع الظلم وإنهاء شبح الحروب والاعتداءات على الدول والشعوب الضعيفة. هذا العالم يتّسع للجميع، وسبل السلام متاحة حين يتحقّق العدل، وتتوقّف الأطماع، وتصبح حدود الشرّ في أضيق نطاق. حينها قد يكون للسلام الحقيقي مكان، ومع الوقت تترسّخ كلّ جوانبه في هذا العالم الذي تتصارع فيه البشريّة من أجل تأمين القوّة والحماية أو استردادها، فلا قيمة لأيّ شيء في هذه الحياة دون وطن حقيقي نرتبط به ويرتبط بنا.





















التعليقات