الراقصة الاولى في العراق هناء عبدالله:
-
اشعر ان كل ما قدمته ذهب مع الريح
- لا يوجد أي اهتمام بفرقة الفنون الشعبية ولا رعاية
- فلسفتي في الحياة ان اكون مخلصة لكل شيء في حياتي
- ضحيت باشياء كثيرة واشعر الان بالندم
- وزارة الثقافة تتحمل هذه المسؤولية والتخلف الذي يحدث في الفن
حاورها : عبد الجبار العتابي:
هناء عبد الله .. هي الراقصة الشعبية الاولى في العراق وان اعتزلت ، فنانة مثابرة.. ونشاطها واضح للعيان، لا يهدأ حماسها على الرغم من عدم وجود هدف امامها، تعمل باخلاص يمكن لاي متابع لها ان يحس به وهي تحافظ على الفرقة القومية للفنون الشعبية العراقية من التبعثر والضياع ، تصمم اللوحات الراقصة وتشارك فيها مع زميلها رئيس الفرقة الفنان فؤاذ ذنون ، وترقص ان تطلب الامر مشاركتها ، قبل ايام كان حضورها واضحا مع الفرقة في مهرجان مسرح الطفل الذي شاركت الفرقة في اوبريت الافتتاح له وفي فعالية الختام ، وألتقيناها في حوار موسع .

*سأدق على الخشب اولا.. واسألك عن سر هذه المثابرة الواضحة لديك؟
ـ لان عملنا رياضي، والرياضة نؤدي تمارينها كل يوم ، لذلك تجدني مثابرة ونشيطة ولانني ايضا احب عملي، وربما لا تصدق ان قلت لك ان عملي يشغل كل حياتي، ووقتي كله للفرقة من حيث التدريب وتصميم الرقصات، فانا احب هذه الفرقة واحسها بيتي والذين فيها اهلي، لذلك انا مثابرة على الرغم من عدم وجود الدعم والاهتمام ونحن مهمشون مثلما هو حال الفن بشكل عام والذي هو مهمش، فلم يعطنا احد حقنا وهذا ما يخلق حالة من الاحباط لدينا ولكننا نعمل ونجتهد ويشجع احدنا الاخر وضحينا بالكثير لاننا نقول ان الفرقة فرقتنا وهناك العديد من الاشياء ستزول وسنبقى نحن.

*ما الفلسفة التي تحملينها وتعملين فيها بحياتك؟
ـ انا فلسفتي في الحياة ان اكون مخلصة لكل شيء في حياتي، مخلصة لاهلي ولعلاقاتي ولعملي الذي هو الفن والذي انا مخلصة له لذلك تراني مستمرة فيه الى حد الان، انا فلسفتي في الحياة الاخلاص ثم الاخلاص ثم الاخلاص.

*من يعرفك.. يعرف انك ضحيت باشياء عديدة في حياتك من اجل الفن والفرقة.. لماذا؟
ـ نعم.. هذا صحيح.. لقد ضحيت ولكنني الان اشعر بالندم، فقد ضحيت باشياء كثيرة، ضحيت بحياتي الخاصة واقدر اقول ضحيت بسمعتي، نحن جزء من الفن لكن عملنا مميز وله خصوصية لكنني الان نادمة جدا واقولها بصراحة، فانا لم استفد اي شيء من الفرقة وتضحياتي العديدة كانت بلا مقابل، صار لي كذا سنة اعمل و اعطي ولكنني الى الان لا املك بيتا.. بل اعيش في الايجار وانا مهددة في اية لحظة وهذه ابسط معاناة اعانيها وقد فنيت حياتي من اجل الفرقة والفن.

*منذ متى بدأ لديك الشعور بالندم؟
ـ خلال السنوات الاخيرة وقد احسست ان كل ما قدمته ذهب مع الريح، اترك المكاسب المادية.. فقد كان للفرقة نشاطات داخلية وخارجية، وهي الان مجمدة تقريبا ، لا تصلها دعوات مشاركة وليس لها اي نشاط ولم تقدم العروض، وهذا ما اشعرنا بالاحباط والندم وان كنت انا وزميلي فؤاد ذنون نعمل ونواكب نجري تمارين الرياضة الصباحية ونعيد لوحاتنا القديمة ونستقطب عضوات واعضاء جدد ونحاول ان نهيأهم ثم نزجهم في اللوحات ، صرنا نعمل من اجل انفسنا ويكون احدنا الحافز للاخر، ونقول ربما تكون الايام المقبلة افضل، انا اشعر بالندم لانني لم احصل من الفن على اي شيء وانا اعطيت الكثير ومازلت اعطي.

*لو عادت بك السنوات الى الوراء.. هل ستختارين مهنة غير هذه المهنة؟
ـ لا ادري.. انه مجرد كلام (لو رجعت) لم يخطر هذا ببالي، ولكنني احببت هذا العمل وان اصبح لدي احباط، واحببت الفرقة رغم ندمي وحزني.. ولكنني لو فكرت بشكل جدي فانني سأعود الى الفرقة مرة ثانية.

*هل يعني هذا انك لم تشعري بالملل وانت مع الفرقة كل هذه السنوات؟
ـ حتى في الاجازة تجدني استمتع بالرياضة التي هي صحة ونشاط وقد يصدف ان اشعر بالملل حين اجلس مع نفسي واستذكر واستعيد ما مر واتألم.. لكن عملي لا استغني عنه وربما تقول انني ابالغ ولكن هذا الواقع.

*لكن التضحية منك وصلت الى عدم الزواج وتأسيس عائلة.. هل كانت الفرقة تستحق هذا؟
ـ اود ان اقول ان كل شيء قسمة ونصيب واذا ترجع الى الحقيقة انا نادمة على هذا، وقد كان حبي للفرقة وللفن يشغلني وكنت سعيدة بهذه التضحية ولكن كل هذا التفاني والاخلاص تندم عليه في لحظة عندما تشعر انك في بلدك غير مقيم ولا احد يهتم لك، هذا الشيء يؤلمني والوسط الفني يعاني منه، انظر الى تاريخ الفرقة القومية للفنون الشعبية، كم عملنا وقدمنا واحرزنا جوائز وابدعنا ورفعنا رأس بلدنا، والنتيجة.. لا يوجد تقييم ولا تقدير وهذا نتأسف له.

*ما الذي منحك اياه وجودك في الفرقة كل هذه السنوات؟
ـ ديمومة الحياة، اشعر انني اتنفس بشكل صحيح، الفرقة عالمي الجميل وهي تعطيني الصحة والحيوية والشباب الدائم، الفرقة هي متنفسي وساحة ابداعي، لذلك لم افكر انني سأتركها يوما، لم يخطر هذا ببالي واعتقد انه لو حدث فهذه نهاية الحياة بالنسبة لي، اشعر بأني كأية قطعة اثاث مهملة، الفرقة منحتني ما لا يمكن ان اعبر عنه بالكلمات.

*لماذا اخترت ان تكوني راقصة..؟
ـ الرقص الشعبي هذا كنت اهواه منذ طفولتي، وعندما ارى في التلفزيون راقصة اقلدها، كان الرقص يستهويني.. لذلك اخترته، وصحيح انني في البداية واجهت اعتراضات من الاهل وصعوبات.. ولكنني اقنعتهم بان العمل مشرف وانا اؤدي رقصات شعبية فلكلورية هي من تراث العراق وتقاليد الاجداد وليس فيها ما يسيء واخبرتهم ان هذا الرقص ليس كالراقصات في النوادي وقد اقتنعوا بوجهة نظري، انا احب هذا الرقص لانه معبر ويعكس صورة عن تراثنا وانه جميل.

*هل عانيت من وجودك كراقصة داخل المجتمع؟
ـنعم.. عانيت، من الممكن ان تسمع كلمات جارحة ولكن بالمقابل تسمع كلمات اعجاب حلوة، هناك اشياء تسعدني وفي اوقات تزعجني ، شيء يغطي على شيء، والنجاح الذي احصل عليه وحب الناس يجعلني اعتبر كل ما اسمعه من كلام جارح تفاهات.. وربما يكون ما اسمعه تسمعه اية فتاة عادية في الشارع، كلمات سيئة وكلمات حلوة.

*هل للراقصة في الفرقة وقت للاعتزال؟
ـ طبعا.. الرقص مثل الرياضة، فعندما يصل الرياضي الى عمر معين.. يعتزل وانا اعتزلت كراقصة وعملت كمصممة ولكنني مازلت اواكب العمل ومستمرة على الرياضة والعمل اليومي، واذكر ان (قمر خانم) مدربة الرقص الروسية كان عمرها (63) عاما، وما شاء الله تراها بعمر (30) سنة، ولكن على الراقصة حتى اذا اعتزلت ان تتواصل في اداء التمارين الرياضية لانها عندما تتركها تصاب بالتهاب المفاصل ويؤثر ذلك على جسدها، لذلك انا احيانا اشارك في النشاطات الخارجية مع الفرقة برقصة او رقصتين، وانا قررت الاعتزال لكي افسح المجال للشابات وقد كنت راقصة (صولو) وراقصة اولى في الفرقة.

*ما الذي منحتيه للشابات اللواتي جئن الى الفرصة حديثا؟
-
منحتهن خبرتي وحبي وتفاني وان كان هذا الشيء ينبع من النفس، اي انك لا يمكن ان تبدع في عملك ان لم تكن تحبه، ولكن هناك من تحسه لا يحب عمله فلا يمكنه ان يبدع وهناك من يحبه ويعمل على تطوير نفسه ويكون راقصا جيدا.

*ما الفرق بين جيلكم والجيل الحالي؟
ـ عندما انتمينا للفرقة.. منذ التأسيس كنا نعمل عملنا وجئناه برغبة وحب لذلك تفانينا في ان نطور انفسنا، البعض لم يأت عن رغبة كبيرة بل من اجل المادة وان كانت الفرقة ليست فيها استفادة مادية كبيرة، فتصور ان راتبي بعد كل هذا العمر والعمل (200) الف دينار وذلك بسبب التمويل الذاتي، انا وزميلي فؤاد ذنون راتبنا هذا وطبعا اضيف اليه مكافأة السيد المدير العام لدائرة السينما والمسرح الذي انتبه الى ذلك، وادفع منه (150) الف للايجار.. ومع ذلك اقول الحمد لله والشكر هذا الذي حصلنا عليه ومع ذلك نشتغل ونقدم، ويبدو ان التمويل المركزي سيؤثر على ميزانية الدولة وعلى وزارة المالية، ولا اعرف لماذا مازالوا يعملون بالتمويل الذاتي وهم يعرفون ان النشاطات الفنية متوقفة، فكيف نمول انفسنا ذاتيا.. انه امر يجب اعادة النظر فيه من اجل الفنان الا اذا لم يكن مرغوبا به.

* من خلال متابعتي لكم اشاهدكم في تواصل مستمر في التمارين حتى وان لا توجد لديكم مشاركة ؟
نتمنى ان تكون لنا مشاركات.. ولكن ماذا نفعل اذا كانت الوزارة غير مهتمة بهذا وقد كنا نشارك في كل مهرجانات العالم، نحن نعمل فعلا بلا هدف ما عدا بعض المشاركات في الشمال وضمن نشاطات الدائرة ، ولكن نريد الفرقة ان تستمر فان قعدنا في بيوتنا ستنتهي الفرقة وهذا ما لانريده ونحن نؤمن بوجودها فكم وزير تغير لكن الفرقة باقية، حبنا للفرقة هو الحافز واخلاصنا لها هو التضحية من اجلها ونحن مقتنعون بما نعمل، والاجمل اننا اصبحنا قدوة للاخرين الذين يقولون لنا (عندما نشاهدكم تعملون ولدينا احباط.. ترفعون معنوياتنا).

*ألم تحاولوا مفاتحة الجهات المسؤولة؟
ـ المدير العام لدائرة السينما والمسرح يقول انا سعيد بكم، قلنا له ان هناك مهرجانات عالمية تعودت على مشاركاتنا وهناك بروتوكولات ثقافية مع وزارات العديد من الدول، ولكن يبدو ان وزارة الثقافة لا تهتم، لسنا ساكتين ولا المدير العام ولكن لا حول لنا ولا قوة، وحتى لو فاتحنا جهة في الخارج سيقولون (ان الضيافة علينا) ولكن ماذا عن تذاكر الطائرة، والوزارة تقول (ما عندي)، ان وزارة الثقافة تتحمل هذه المسؤولية والتخلف الذي يحدث في الفن، نحن نقدم فنا راقيا وفرقتنا هي الوحيدة في العراق ونالت جوائز ولها سمعتها وللاسف ان قيمتنا خارج العراق اكبر منها داخله.

*كيف ترين حال الفرق الان؟
ـ كعمل مازلنا نحافظ على مستواها وعلى ثمرة تمريناتنا ولكنها حطام في نشاطها حيث لا رعاية ولا عناية ولا تقدير وكل هذا ونقول (ميخالف) نحن الباقين، فقد جاءت على الفقرة تأثرت كثيرا وبعض اعضائها تركوها بسبب الظروف والخوف لكننا بقينا مصرين على التواصل واستقطبنا عناصر جديدة، والحمد لله اعدنا بناء الفرقة واصبح لدينا عشر راقصات وخمسة عشر راقصا وفرقة موسيقية، ولكن اذا بقيت هكذا مهمشة ومجهولة ستنتهي.

*ما اكبر الصعوبات التي تواجهونها؟
ـ هناك جهات لا تشجع الفن ونشعر ان في هذا خطورة علينا ولكننا نجازف بأرواحنا بالاضافة الى الحالة الامنية، اما داخل الفرقة فلا توجد مشاكل وعملنا حلو وليس فيه منغصات.. لكنه متعب والبعض انتمى للفرقة وحين وجد العمل متعبا غادرها.

*ما الذي تتمنينه للفرقة؟
ـ الاهتمام ثم الاهتمام ثم الاهتمام من الدولة ووزارة الثقافة لان الفرقة تحمل اسم الدولة وهي تعكس صورة العراق وتؤكد ان شعب العراق متحضرومتطور وان لدينا فنا راقيا وشعبنا يحب الامن والامان وهو شعب مثقف.