الدوحة: في عددها الأول لهذه السنة، اختارت مجلة لو بوان، التي تعد واحدة من أهم المجلات السياسة في فرنسا، أن تخصص موضوعها الرئيس الأول الخاص بالسياسة العالمية عن قطر، كتبته الصحافية ميراي دو أتيه، وحمل عنوان quot;قطر.. تنين الرمالquot;.

واعتبرت الكاتبة أن قطر تحولت إلي بلد الأحلام، فمتوقعة أن تصبح قريبا أول وأكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

وقالت إن أمير قطر وزوجته الشيخة موزة بنت ناصر المسند يشكّلان نموذجاً فريداً للعلاقة الزوجية في منطقة الشرق الأوسط المحافظة.

وتوقفت المجلة لتوضح أن مشاركتهما خلال احتفالات العيد الوطني الأول الذي يحضره الرئيس نيكولا ساركوزي بعد انتخابه على سدة الحكم في فرنسا، كان بمناسبة تخرج نجلهما الشيخ جوعان من أكاديمية سان سير العسكرية، التي خرّجت أشهر القادة الفرنسيين، وعلى رأسهم الجنرال شارل ديغول.

حيث إنهما، تقول الكاتبة حضرا ليشاهدا مرور نجلهما الشيخ جوعان، الذي شارك في الاستعراض العسكري مع فيلق أكاديمية سان سير العسكرية، أمام منصة الشرف وكانا يجلسان مع الرئيس ساركوزي.

وأضافت أن الأمير لا يخفي ميوله الفرنسية، وهو كثيرا ما ينزل في باريس. حيث يمتلك إضافة إلى العديد من الأملاك الأخرى، قصراً على خطوات من ميدان فاندوم الشهير.

وحول العلاقة المتميزة التي تربط بين القيادتين القطرية والفرنسية، تشرح المجلة الواسعة الانتشار، بأنه لا عجب أن يقدّر الأمير بشكل خاص من طرف مختلف رؤساء الجمهورية الفرنسية، من جاك شيراك إلى نيكولا ساركوزي.

ورأت المجلة أن العلاقة مع ساركوزي تتميز بود مضاف، وشبّهت العلاقة بين الشيخ حمد وساركوزي بتلك العلاقة الوثيقة التي كانت تربط بين شيراك ورئيس الوزراء اللبناني السابق الحريري.

وأشارت المجلة إلى أن قطر صارت خلال السنوات الأخيرة، واحدة من أكبر المستثمرين في فرنسا. فهيئة الاستثمارات القطرية - ومكتبها الرئيس في باريس- التي تمثل صندوق السيادة الرئيس لقطر، اشترت إضافة إلي العديد من الاستثمارات الأخرى، قصر المؤتمرات الدولي على جادة كليبير في قلب العاصمة باريس، الذي كان لوزارة الشؤون الخارجية.

ولفتت المجلة إلى أن للأمير حضوره الملحوظ في مناسبات أقل رسمية، بين صفوف الشعب الفرنسي.

وتقول المجلة أن قطر قد أصبحت، في الواقع موجودة على الجبهات كافة. وهذا ما يعني أن جهدا دبلوماسيا لا يهدأ وراء هذا الحضور العالمي المتميز لقطر في مقدمة الصفوف، وهو الأمر الذي جعل المجلة تتساءل عن الأسباب التي تدفع الدبلوماسية القطرية لكل هذا الجهد.

الإجابة تجدها المجلة عند أحد الأصدقاء المقربين للأمير، الذي يشرح للكاتبة، أن العامل المحرك الأساسي لهذه الرغبة الخارقة في التحرك باتجاه تعزيز مكانة قطر ودورها في العالم لدى الأمير، هو حسرة كانت قد رافقته عندما كان شابا، حيث إنه كان يشعر بالأسى كل مرة يسافر فيها عبر مطارات العالم، عندما كان رجال الجمارك يسألونه بعد أن يقلبون جوازه بين أيديهم أين تقع قطر.

فأقسم في قرارة نفسه أن يجعل هدفه الأساسي في المستقبل، أن يحفر اسم بلده الصغير قطر على خارطة العالم.

واعتبرت المجلة أن ما يقلق الأمير في واقع الأمر ليس فقط حجم جغرافية بلده الصغير، ولكن موقعها غير المريح، الذي يجعلها بين دفتي بلدين عملاقين، هما المملكة العربية السعودية، من جهة، وايران.


من جهة أخرى تعرّج المجلة للتحليل، بأن الأمير، ومنذ عام 90، وكان حينئذ وليا للعهد، فهم بأن قطر، إذا ما أرادت أن تحافظ علي بقائها، يجب أن تصبح بلدا غنية من جهة، وأن تضمن أكثر من آلية للحماية، وأن تتحول إلى رقم صعب أو إلى بلد يؤسس لمحور جوهري.

وثمنت حرص الأمير حمد على تعليم اللغة الفرنسية لجميع أبنائه وتركيزه بصورة خاصة على تحديث البني التحية لصناعات الغاز، وهو الرهان الذي بدأ في حينها غير مضمون النتائج.

وبعدما ضمن الأمير، تكمل المجلة، أن بلاده صارت وفق طموحه بلداً غنياً، حيث نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي للبلد من أعلى المعدلات في العالم 73.500 دولار، بمن فيهم الرعايا الأجانب، ونحو 000 400 دولار للقطريين.

توجّه بالاعتماد علي ركيزتين أساسيتين، للعمل علي الخروج ببلاده من دائرة الظل، وفي الوقت نفسه ضمان بقائها. الركيزة الأولى هي إنشاؤه قناة الجزيرة عام 1998، التي أعطى فيها حرية عمل مطلقة للصحافيين، تسمح لهم أن يبلوروا بصورة لا قيود فيها، تلفزيون حر يمكن أن يعبر عن الصوت العربي.

وهي السياسة، أو حرية الحركة التي ستجعل من قناة الجزيرة تتحول إلي أهم منبر إعلامي يدور حوله اهتمام الشارع العربي من المحيط إلي الخليج.
ونقلت عن أحد الدبلوماسيين قوله إن قطر رغم كونها منفتحة على البلدان الغربية، لكنها تستضيف في الوقت نفسه المعارضات الإسلامية من كل الأطياف. بل إن بعض من هذه الرموز تملك حضورا مؤثرا في الشارع العربي، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، وهو مصري الأصل من الإخوان المسلمين، والذي يقوم بالوعظ على قناة الجزيرة.

وتعرج المجلة للقول، إن ذلك لم يمنع قطر من تفتح أراضيها، وذلك منذ عام 90 للقاعدة الجوية الأميركية، ومركز قيادة القوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما لا تعتبره المجلة التحالف الوحيد الذي التزمت به قطر، فهي تذكر هنا، بأنه للأمير، عندما كان الشيخ حمد وليا للعهد آنذاك، أن اقترح على فرنسا أن تنقل قاعدتها الموجودة في جيبوتي إلى قطر، غير أن باريس لم تستجب.

ومع ذلك، تواصل لو بوان، فإن ذلك لم يتدخل سلباً علي اختيار قطر في أن تتزود بقرابة الـ 80% من حاجاتها من المعدات العسكرية من فرنسا. وتقول المجلة إن العديد من العقود كانت وقّعت منذ أن كان جاك شيراك رئيساً للوزراء في أواخر 1970.

الركن الثاني هو الدبلوماسية التي استند إليها الأمير في علاقاته تجاه العالم. مستشهدة بعرض قطر استضافة الاجتماع الطارئ للجامعة العربية في الثاني من يناير، لمعالجة تداعيات هجوم الجيش الإسرائيلي علي غزة. وفي صيف عام 2007، ذكّرت بسعي الأمير لدى السلطات الليبية للإفراج عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني المحتجزين في ليبيا.

ونوّهت بجمعه مختلف الفصائل اللبنانية المتصارعة، في الدوحة لفك الأزمة وانتخاب رئيس جديد في أوائل سبتمبر، معتقدة أن تلك الدبلوماسية كانت وراء رحلة نيكولا ساركوزي إلى دمشق للمشاركة في القمة الرباعية التي جمعت بين رؤساء كل من سوريا وفرنسا، وأمير قطر ورئيس وزراء تركيا.

وتواصل المجلة أن الأمير استمر بعد ذلك في مساعيه باتجاه ملفات أخرى، منها إيجاد مخارج مرضية لأزمة دارفور. ومحاولة الدفع بعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط بتوظيف علاقاته الجيدة مع إسرائيل، لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل والفلسطينيين.

هذه النجاحات التي تحصدها مساعي الدبلوماسية القطرية في هذه الملفات المعقدة، هو ما صار يجعل من قطر، تقول لو بوان، شيئا فشيئا إحدى أهم الأوراق الأساسية في الدبلوماسية العالمية.