رحل .. المطرب العراقي صلاح عبد الغفور عن الدنيا عن عمر يناهز 60عاماً، أمضى أكثر من 50 عاماً منها عاشقًا للغناء، هاوياً ثم محترفاً، قدم مئات الأغنيات الجميلة بألوانها الغنائية المختلفة، غادرنا وفي رصيده محبة وتقدير كبيران، وبمناسبة رحيله ننشر حواراً لم يرَ النور من قبل، نلقي الضوء على سنوات عمره الأخيرة، وهواجسه، وهمومه،وأفكاره.


صلاح مع الموسيقار المصري الراحل سيد مكاوي

بغداد:قبل أيام من رحيله، وبينما كنّا نقلبفي أوراقنا القديمة، وجدنا حواراً مع الراحل، لا لم ينشر، كنّا قد أجريناه معه مؤخراً، حيث التقيناه مصادفة في بناية لإحدى القنوات الفضائية، تحدث فيه عن أغنيات جديدة له، لكن على ما يبدو بقيت مؤجلة الى الابد، كما تحدث فيه عن إساءة الأغاني الشبابية للمرأة مؤكداً أنه لا يمكن أن يغني وخلفه نساء يرقصن بإبتذال، كما اوضح أنه لايمكن أن يقدم اغاني مفرحة أو غزلية فيما الموت والأحزان باتا ديدن الحياة اليومية.
لذا ومع رحيله عن عالمنا إرتأينا نشر الحوار لنتعرف سوياً الى ما كان يفكر ويشعر به في سنوات عمره الأخيرة، واليكم تفاصيله .

حين التقينا المطرب صلاح عبد الغفور وتبادلنا التحيات .. بادرناه السلام بكلمات أغنيته الشهيرة (اشلونك عيني شلونك)، فقابلنا بإبتسامة عريضة. سألناه عن أحواله الغنائية وأين هو في ظل الركود الذي تشهده الساحة الغنائية العراقية للمطربين الكبار، فردّ بالقول: quot;أنا موجود في بغداد، وإن شاء الله هناك عدد من المشاريع التي أستعد لتنفيذها لعدد من الفضائيات، ومؤخراً سجلت مجموعة أغنيات منها أغنية للسلام من كلمات أحمد السامر وحيدر الساعدي، وتلحين نجاح عبد الغفور، واغنية للمرأة العراقية من كلمات عدنان هادي، والحان خليل ابراهيم يقول مطلعها (لا تخلين الدنيا تهزك/انت اللي تهزين الدنيا/ انت العالم كله بأيدك/ ولو ما انت شتسوى الدنيا) وهناك أغنية طويلة تشبه أغنيات السبعينيات عنوانها (يا أناني) كتبتها الشاعرة وداد خماس، ومن الحاني، إضافة الى أغنية بالفصحى عنوانها (هيمتيني)، تأليف علي الياسري، والحان نجاح عبد الغفور، وهذه الأغنية فيها روح عراقية خالصة، وبعض هذه الأغاني سيضمها الشريط الجديد مع أغانٍ جديدة، والذي أستعد لإصداره بعد أكثر من ثلاث سنوات على آخر شريط أنتجتهquot;.

مع الفنان التركي إبراهيم تاتليس

* لماذا كل ثلاث سنوات .. وليس كل سنة؟
- بصراحة .. للظروف الموجودة في الكرة الارضية، اضافة الى أنني لا اريد أن (احرق) حالي، واحيانًا.. يصدر الشريط في جو غير ملائم، فنحن نمر الآن بظروف غير ملائمة للسماع، فكيف يمكن لي أن اغني غزلاً وامامي الموتى والقتلى والاحزان، وأسأل نفسي: هل يمكن للناس ان تستوعبني؟ واستغرب حين أرى بعض المطربين يغنون وخلفهم نساء يرقصن، هل هذا ملائم؟ ربما .. انا غلطان!!.
وبصراحة انا افكر في هذا الظرف لأقدم اغنياتي مع ما يتناسب مع ما يجري فيه، وعندي اختيارات لاغانٍ تتحدث عن المساعدة، والخير، والامل، وتكون خفيفة على المستمع، فالمفروض أن نتحدث بالمفاهيم الجديدة، وهذه عندي افضل من أن اتغزل بإمرأة وخلفي نساء يرقصن !!.
* نراك تركز على (نساء يرقصن) هل أنت ضد هذا ؟
- لقد اصبحت الاساءة للمرأة العراقية في الاغاني .. كبيرة، وصرنا نسمع من الآخرين كلاماً مؤلماً، يقولون : هل هذه هي الحضارة والاصالة؟ وينظرون اليها نظرة دونية، والسبب هو بعض المطربين الذين يقدمون المرأة بهذا الشكل، والمفروض بهم ألا يقدموا على هذه الاساءة، ولا يفترض أن نسكت عمن يسيء اليها، انا اعتب على الفنانين العراقيين الذين تستهويهم مثل هذه الاشياء، وأعتب على بعض المخرجين من الجيل الجديد، اريد أن نظهر المرأة العربية بشكل عام بشكل راقٍ، ولا نجعلها عرضة للاساءة .
* ولكن بعض الشباب تستهويه مثل هذه الاغنيات الراقصة.. ألا تخشى أن يتفرقوا من حولك ؟
- لماذا لا نربي الشباب على شيء جيد، لِم لا أكون القدوة وأعمل على نشر القيم والاخلاق التي تعلمتها وتربيت عليها، لنقدم للشباب ما يسمو بالذوق لديه، ما يرفع من قيمة المرأة عنده، ما يعرض لهؤلاء الشباب يستهويهم وإن غنينا لهم بكلمات جميلة والحان جيدة فإنهم سيستمعون الينا، نحن الآن نمر في مرحلة الانحدار الكبير خاصة في الاعلام والموسيقى، وهما اخطر شيء ومعهما التلفزيون الذي هو اخطر، انا لا أريد أن يظهر طفل عمره (13) سنة ووراءه فرقة راقصة، ويغني كلاماً يناسب مَن عمره ستين عامًا !!، عليه أن يغني للطفل اغنيات الخير والفرح والمساعدة، هذه هي المفاهيم الجديدة التي يجب أن نلتزم بها ، فأقول لأهل الفضائيات : الله يحفظكم.. قدموا لنا ولعوائلنا كل ما هو راقٍ ولا يثلم قيم الانسان العراقي، فالشباب عندما نقدم لهم الصح والجميل، فأنا اعتقد أنهم يستوعبونه، وعلى المطربين الشباب أن يقدموا الاغاني التراثية بموسيقاها القديمة والتي فيها اصالة ، لأنها دليل الرقي، وهم احرار في اختيار التقنية لهذه الاغاني .
* هل تعتقد أن للاغنية ظرفها الذي تقدم فيه ؟
- نعم .. وهناك اغنيات نجحت لوجود الظرف المناسب لها ، مثلا اغنية (شلونك عيني..) نجحت لظرفها وقد كانت الناس مرتاحة واستقبلوها بترحاب وهي سبب شهرتي العربية، فهناك استعداد نفسي لها، والكثير من الاغاني نجحت بسبب الظروف، وانا ارى أن الاغنية مقيدة بالظرف أو التكرار، فالعديد من الاغاني الرديئة اشتهرت لأن بعض القنوات سلطت عليها اضواء الرداءة .

لقطة من تشييع جنازته

* هل هناك اغنيات ندمت على تقديمها ؟
- كل مرحلة في حياة المطرب تختلف عن الأخرى ، وهناك اغنيات سجلتها خاضعاً للظروف مثل اغنية (مدللة الشكرة) ليس ندماً.. ولكن اطمح أن اقدم الاروع والافضل، فلكل مرحلة اغانيها، ولكن تبقى الاغاني مثل اولادي، لا افرق بينها، ويبقى المقام العراقي هو شجرة الاصالة، بأصالة وادي الرافدين، وانا ورقة خضراء من هذه الشجرة الخضراء.
* ما اللون الغنائي الأقرب الى نفسك ؟
- انا ملمّ بدراسة كل الالوان وأغنيها جميعًا، اغني المقام العراقي والاغنية البغدادية بأصالتها وهي لوني، وأغني باللغة الاجنبية، انا احفظ اكثر من 700 اغنية ، وهذا من طبيعة عمل الفنان الذي يجب عليه أن يعرف غناء كل الالوان ، والمقام هو ما افتتح به كل حفلاتي خارج العراق وهو الذي عبر عن هويتي خارج العراق، فأنا هناك لا اغني لغير العراق والاغنية البغدادية، واحيانًا أغني لما يطلبه المستمعون من بعض الاغاني لمطربين عرب .
* كيف ترى الواقع العراقي الآن ؟
-تعبان ..!!،وليس ذلك الذي نفكر فيه، فأنا اشاهد من خلال التلفزيون ما لا يعبر عن الفن العراقي، بل ما يسيء اليه، ويجب على فنانينا أن ينتبهوا .. لاننا لا نريد للفن العراقي أن يندثر ويذهب الى الطرقات المظلمة .
* ما الذي يحتاجه الفن العراقي لينهض؟
- إنه بحاجة الى (هبّة) اعلامية وثقافية كي نجمع انفسنا، ملحنين وشعراء ومطربين، وأن يعود كل الفنانين الذين في الخارج الى البلد ، أن نفتح نقابة أو نؤسس مجمعًا وندرس واقع الاغنية، نضع الأصبع على الجرح لننهض بالغناء العراقي مثلما تنهض باقي الوزارات، مثلما نحن بحاجة الى الكهرباء نحن بحاجة الى الموسيقى والاغنية الحلوة، واتمنى أن يكون هناك دعم للفنان العراقي حتى ولو بكلمة لطيفة ، أن يؤخذ بيده وأن يدعم اعلاميًا ، فهو فنان مبدع، انا ادعو كل فنان عراقي أن يقدم وردة لبلده .

صلاح في شبابه