إيلاف من القاهرة: تُلقي إيلاف الضوء على مسيرة الفنان محمود عبد العزيز الذي قدّم بحياته الفنية أكثر من 100 فيلم وأجمل أدوار الدراما الخالدة بتاريخ الفن المصري.ونستهل الحديث في الحلقة الرابعة من سلسلة حياته بالحديث عن علاقته مع المخرج علي عبد الخالق الذي قدّم معه 8 أفلام. وهو المخرج الأكبر رصيداً في قائمة أفلامة. والأهم من ذلك أن 4 منها تمثل نقلة هائلة في مشوار المرحلة الثانية لهذا النجم الراحل، ولقد أضافت له كممثل الكثير، بحيث استمر التعاون بينهما لمدة 20 سنة كاملة. وكانت البداية بفيلم "الأبالسة" في العام 1980، وهو عمل ميلودرامي لعب فيه دور طاغية في قرية يتصدى له أحد المدرسين فريد شوقي.
والتجربة الثانية بينهما كانت بفيلم "العار" الذي قدمه في العام 1982، الذي يمكن اعتباره إنطلاقة جديدة له. حيث لعب شخصية الطبيب النفسي والإبن الثالث لتاجر مخدرات كان معروفاً بالتقوى والإيمان. وهو يرى أن تجارة المخدرات ليست حراماً بحجة أن الشرع لم يحرّمها، ويقوم بعقد صفقة يضع فيها كل ثروته ثم يموت في حادثة، ويصبح كل ميراث اولاده هو هذه الصفقة التي تبلغ قيمتها الملايين، فيدور الصراع علي مستويين. الأول حول مفاهيم الحلال والحرام والثاني يتمثل في صراع الأخوة: الأخ الأكبر الذي يعمل مع والده وهو نور الشريف، والأخ الثاني رئيس النيابة حسين فهمي، والأخ الثالث الطبيب محمود عبد العزيز، وتكون أزمة الشقيقين الأوسط والأصغر أن كلاهما يؤمن ومن بين وظائف مهنته أن تجارة وتعاطي المخدرات حراماً وضد قوانين المجتمع، ولكن رغبتهما في الحصول علي الميراث تجعلها يشاركان في استلام هذه الصفقة ثم بيعها بعد ذلك للحصول على الميراث.
وكتب هذا الفيلم محمود أبو زيد بحرفية عالية سواء على مستوى الدراما أو الأفكار. وقدّمه علي عبد الخالق بشكلٍ متكامل بكل عناصره الفنية، ووصل فيه الي درجة كبيرة من النضج في توظيف أدواته، وفي إدارته لثلاثة ممثلين كبار في أدوار جديدة بالنسبة لهم.
ويمكن القول أن "عبد العزيز" لعِبَ أول أدواره الكبيرة في هذا الفيلم، ونجح في أن يُكسِب الشخصية ملامح وتفاصيل وأسلوب وأداء وانفعالات متميزة وقوية، جعلت لها حضوراً خاصاً وبصفة أساسية في مشاهده مع النجمين نور الشريف وحسين فهمي.
وفي العام 1983 قدّم "عبد الخالق" فيلم "السادة المرتشون"، وأسند له دور ضابط المباحث الذي يُحب إبنة عمه التي تحب مفتش التموين محمود ياسين. ويحاول أن يثبت أنه مرتشي حتى يتزوج من إبنة العم. وينسب هذا الفيلم الإجتماعي البوليسي لأفلام الإنفتاح الإقتصادي، وظاهرة إنتشار الاغذية الفاسدة مذاك الوقت. لكن دوره جاء غير ملفت بدرجةٍ كافية. ثم لعِبَ دور شخصية ضابط أيضاً ولكن هذه المرة في المخابرات بفيلم "إعدام ميت" في العام 1985، فكان فيه ساحرا بالفعل. بحيث أثبت بهذه الشخصية أن المخرج يفهم إمكانياته كممثل لمع نجمه وتوهج أكثر بفيلم "العار".
ويصوّرالفيلم مهمة ضابط مخابرات مصري للكشف عن أسرار المُفاعل النووي الإسرائيلي، عن طريق تقمّص شخصية شاب كان جاسوساً لإسرائيل، وبتم القبض عليه وقد اراد المسؤول في المخابرات المصرية فريد شوقي ان يستفيد من التشابة في ملامح أحد ضباطه، فيستبدل الشاب العميل بـ"عبد العزيز" ويؤدي الضابط مهمته بنجاح، فلا يستطيع المسؤول في الموساد يحيى الفخراني أن يكشفه، بينما تنجح في ذلك الفتاة التي كانت علي علاقة به بوسي. فتقوم الأحداث علي دراما مُحكمة ومثيرة كتبها إبراهيم مسعود، وكان "الراحل" بارعاً في أداء هذه الشخصية الذكية والممتعة لما تملكه من حيوية وحضور وخفة ظل. وقد لعب في "إعدام ميت" من أجمل أدواره وأكثرها جاذبية.
ويُكمل "عبد العزيز" مع "عبد الخالق" ثلاثية محمود أبو زيد التي بدات في "العار" من خلال فيلمي "الكيف" في العام 1985، و"جري الوحوش" في العام 1987، والتي تقوم معالجتها على مفاهيم الحلال والحرام سواء في تجارة المخدرات أوتعاطيها، أو في الصراع بين العلم والدين. ففي الكيف تدور الأحداث حول محاولة الكيميائي يحيى الفخراني إقناع أخيه مغنّي الأفراح محمود عبد العزيز بالإبتعاد عن تعاطي المخدارت، ويقوم باعداد ترطيبة تعطي الاحساس بما تفعله المخدرات، ولكن دون مواد مخدره ضارة، ثم يتم تداول هذه التركيبة، مما يجعل الكيميائي مطارداً من كبار تجار المخدارت ويمتد مفهوم الكيف في الفيلم ليشمل كل شئ رديء، وبشكلٍ خاص الغناء الشعبي المبتذل الذي كان سائداً في ذلك الوقت. فكانت مواقف الفيلم مثيرة وتنمو درامياً بوعي، واستطاع المخرج توظيف أدواته الفنية لتقديم عملٍ مسلِّ للغاية. ويحمل أفكاراً ضد كل ما هو سائد من مفاهيم شعبية تعتقد أن الكيف أو المخدرات تساعد على تلطيف الحالة المزاجية وإسعاد المتعاطي ليصل بنا إلى أنها وهم كبير يربح من ورائه التجار والمسؤولين الكبار وهنا ينتقل "البطل" من شخصية الطبيب في الفيلم الأول إلى شخصية مغنّي الأفراح ليقدِّمها بشكلٍ مقنع. أما بفيلم "جري الوحوش"، فيلعب شخصية منجد شعبي فقير يقنعه طبيب كبير يقوم بدوره حسين فهمي بنقل جزء من الغدة النخامية إلى أحد الأثرياء الذي يلعب دوره نور الشريف من أجل علاجه من العقم. وذلك مقابل مبلغ كبير. وتدور الفكرة بهذا العمل حول نقل الأعضاء. ولكنه يقدّمها وكأن تقدّم العلم في نقل الاعضاء سيكون ضد الدين. وهي فكرة شديدة الرجعية، رغم أن الفيلم قدمها بدراما ذكية وملفتة، وفي اطارٍ فنيّ جيد لا يعيبه سوي الحوارات الطويلة. وكان أداء نجوم الفيلم الثلاثة متميزاً بالفعل، حيث نجح الفنان الراحل في الإنتقال يالشخصية من مرحلة إلى مرحلة قبل وبعد العملية بمهارةٍ شديدة.
ويمكن القول، أن ثلاثية العار- الكيف – جري الوحوش كانت العلامة المتميزة والحقيقية في انتقال محمود عبد العزيز إلى مرحلة جديدة يتمتع فيها بحضوره كنجم وممثل بارع. وهي تمثل واحدة من العناوين المهمة في المرحلة الثانية لتطوره كفنان مبدع الاداء.
واستمر التعاون بين "عبد العزيز" و"عبد الخالق" بفيلمين آخرين ، تم تقديمهما بعد سنوات وهما "الجنتيل" في العام 1996 و"النمس" في العام 2000. ولقد اعتمدا بشكلٍ أساسي درامياً علي شخصية البطل الشعبي، حيث لعب في "الجنتل" دور عجلاتي، إبن البلد ومحبوب في الحارة. وهو يدخل في مغامرة مع شقيقتين بوسي وإلهام شاهين. وينتقل من مكانٍ إلى مكان حتي يصل لإحدى القرى السياحية البعيدة، ليجد نفسه في عالم مختلف، وبيده حقيبة بداخلها مليون جينه.
أما في النمس، فهو سائق ميكروباص شهم يدافع عن جارته. الأمر الذي يُفقِده عمله. فينتقل بين أعمالٍ عديدة إلى أن يلتقي بتاجر سلاح، ويعمل معه. ولقد حاول أن يقدم الشخصيتين بشكلٍ غير تقليدي ليعبّر عن شخصية ابن البلد او الحارة في نهاية القرن العشرين. ولكن الدراما لم تسعفه. وعموما فإن هذين الفيلمين ينتسبان إلى المرحلة الثالثة في مشواره الفني والتي اعتمدت على شخصيات تُمثِّل في حد ذاتها دراما تتحرك من خلالها الأحداث وتؤثر فيها وتتأثر بها.
في الثمانينات
وتشهد سنوات الثمانينات ثلاثة أفلام مع المخرج حسام الدين مصطفى، الذي بدأ معه في دورٍ صغير بفيلم "غابة من السيقان". ثم كانت أول جائزة يحصل عليها مع نفس المخرج بفيلم "الشياطين". أما أفلام الثمانينات، فتبدأ بفيلم "وكالة البلح" في العام 1982 ، مع نادية الجندي ومحمود ياسين. حيث يلعب دور أحد أزواجها، والذي يستمر في خدمتها بعد الطلاق بسبب حبه لها، وبعد أن أصبح مفلساً تصوِّر الصراعات والأحداث التي تدور في الوكالة من أجل السيطرة والنفوذ والمال من خلال امراة متسلطة ومزواجة، وتتخلص من اي شخص يقف في طريقها. ويقدم فيه شخصية المعلم. ولكن في سنوات انكساره وخدمته للمعلمة باداءٍ تقليدي لا يضيف له الكثير.
ثم يأتي فيلم درب الهوى في العام 1893 ، وهو أحد الفيلمين الذين تم سحبهما من صالات العرض بعد بداية عرضهما بالفعل. وذلك بعد نشر رسائل ومقالات صحفية تحمل توقيع بعض المصريين الذين يعملون في دول الخليج تؤكد أن الفيلمين يمثلان إساءة بالغة لسمعة مصر. وقد ظلا ممنوعين من العرض لحوالي 8 سنوات حتي سمح بعرضهما بحكمٍ قضائي. وتدور أحداث درب الهوي في الأربعنيات بمنطقة الأزبكية حيث يكون حي البغاء القديم درب طيات ، وتقوم فكرة الفيلم على أن دعارة الفكر مثل دعارة الجسد من خلال عاهرتين ساقتهما الظروف إلى هذا المصير ومدرسٍ جامعي ومسؤول سياسي من الباشوات يطالب بإلغاء البغاء، ثم يذهب ليمارسه بشكلٍ شاذ ليلاً، انها مفارقة الفيلم للربط بين البغاء والفساد السياسي.
ولعب "عبد العزيز" في الأحداث دور البلطجي. أما آخر أفلامه مع حسام الدين مصطفى فكان "سكة الندامة" الذي قدمه في العام 1987، وقام فيه بدور مهندس شريف يقاوم الإنحراف والرشوة، فيقع نتيجة الضغوط من أسرة خطيبته في الاإمان، ويلتقي بفتاة ليل ترتبط به، وتسعى لشفائه من الإدمان وهو الدور الذي لعبته يسرا.
ويمكن القول أن محمود عبد العزيز قدّم خلال 4 سنوات ما بين 1982-1985 مجموعةً كبيرة من الأفلام. أي ما يقارب 27 فيلما تقريباً. ولقد وضعه بعضها علي الطريق الصحيح كأحد ممثلي السينما المصرية الكبار فيما لم يقدّم بعضها أي إضافة له كممثل نجم. علماً أن معظمها حقق إيرادات عالية في سوق السينما، وهي أفلام تمثل امتداداً لأفلام المرحلة الاولى التي ارتبطت بادوار البطولة، والرغبة في الإنتشار وتحقيق أكبر قدر من التواجد والشعبية.
التعليقات