إيلاف: جمهور غفير تأجج شوقه لمسرح مهرجان الحمامات بعد انقطاع عن طابعه الدولي لسنتين متتاليتين بسبب جائحة كورونا، مع عرض حصري لمسرحية "على هواك" بإمضاء أحد قامات المسرح التونسي "توفيق الجبالي".

هذا العمل الجديد أراد صاحبه أن يكون متنفساً سياسياً واجتماعياً وفنياً للجمهور عبر توظيف أسلوب فكاهي ساخر في قالب من النقد اللاذع ومثقلة بالرموز واللوحات المبهرة، تحرك سواكن المشاهد بكتابة مشهدية خاصة متكاملة العناصر الفرجوية والاستعراضية (موسيقى...رقص...إنشاد...مسرح) نفذها فنانون وفنانات من مختبر التياترو.
بما أن المسرح في فلسفة توفيق الجبالي التي باح بها في مختلف أعماله، هو تحليل للحياة المجتمعية بمختلف تناقضاتها ومفارقاتها وتوصيفاتها الأليمة والساخرة والعابثة والمتمردة، فقد تعمد في "على هواك" تعرية النفس البشرية ليخرق حدود الواقع علناً في محاولة منه لاستشفاء الأرواح وتشخيص علتها ومساعدتها على التحرر والإصلاح.
وبما أن الاختلاف في التفكير وفي طرح القضايا يدل على مدى الوعي الاجتماعي، كذلك كان توفيق الجبالي مختلفاً وجريئاً في هذا العمل، فهو ذلك المسرحي القاسي في ظاهره لأنه يشخص القضايا الإنسانية بالمنطق السائد الصادم بعيداً عن العمليات التجميلية في الطرح والمواجهة، وفي باطنه هو المسرحي الذي يبحث في الكيان الإنساني عبر توظيف الموسيقى لدعم الخبرة المسرحية وما يتاخمها من مشاعر ولغات تتجانس في وضعياتها، إنه مسرح الاتي بالضرورة وليس مسرحاً موسيقياً بما يتيح إلغاء مفاهيم السرد والشخصية والتمثيل والآداء الموسيقي.
وفي تصور توفيق الجبالي "الموسيقى فن يفترض أن يكون شرفتنا على العالم في كونيته وشموليته وروعته، ويبدو أن غاية صانع "على هواك" هو كسر العلاقة القائمة بين الموسيقى والمسرح في العرض، إذ تصبح الموسيقى جزءاً من العرض وليست مكملاً له من خلال كتابة تستحضر التراث الموسيقي التونسي وتطرح أسئلة تستفز الذاكرة الجماعية.
فالموسيقى في هذا العمل ليست مصاحبة للآداء المسرحي بل هي منخرطة فيه وجزء مثل السينوغرافيا والنص وتركيب الشخصيات وبالتالي خروج الموسيقى من دورها التقليدي إلى الفعل المسرحي، لذلك وصف الجبالي عمله المسرحي "على هواك" بأنه عمل "مسرح الألاتي".
وبعد فسحة فنية في خانة المسرح الاجتماعي، ستتواصل فعاليات مهرجان الحمامات الدولي بعروض من شتى الضروب التعبيرية الفنية والموسيقية، وفي سهرة يوم الجمعة 15 يوليو 2022 في ثاني سهراته عرض تونسي خالص بعنوان "مزيج" بإمضاء زهير قوجة.