إيلاف من الرياض: يزور المخرج المصري القدير يسري نصر الله العاصمة السعودية الرياض للمرة الأولى مشاركاً في مؤتمر النقد السينمائي وحاضراً لعرض فيلمه "صبيان وبنات"، زيارة هي الأولى للمملكة التي يرى تطور في الأفلام التي تقدمها وقصص تبشر بأفلام جيدة في المستقبل.

في حواره مع إيلاف تحدث يسري نصر الله عن تواجده في مؤتمر النقد السينمائي، ورأيه في دعوات توقف الفعاليات الفنية بسبب الحرب في غزة، وأمور أخرى كثيرة، في دردشة سريعة لم تخل من الصراحة والوضوح، وإلى نص الحوار ...

في الزيارة الأولى للسعودية تحضر عرض فيلمك "صبيان وبنات"، كيف تنظر لهذا الفيلم اليوم تحديداً بعد سنوات طويلة على تقديمه؟

"صبيان وبنات" فيلم شائك ليس في السعودية فقط ولكن في كافة الأماكن التي عرضها بها، وهذا الفيلم واجهت خلاله عدة تحديات، بداية من أنني لست مسلماً وانتمي لعائلة مسيحية في القاهرة وصولاً إلى طبيعة التصوير والتفاصيل المختلفة التي جعلت العمل يستغرق عام تقريبا، وسبب رغبتي في تقديم هذا العمل هو مقال قراءته في مجلة "روز اليوسف" عن زيارة أحد قيادات الجماعات الإرهابية التي تورطت في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وعندما نقل من السجن ليقابل وزير الداخلية من أجل الحديث عن نبذ العنف كانت المرة الأولى التي يرى فيها الشارع بعد سنوات في الحبس، وعندما دخل للوزير كان مبتسماً وسعيداً معتبراً أن زيادة عدد المحجبات في الشارع بمثابة انتصار لهم ولأفكارهم، وهو أمر أدرك أنه ليس صحيحاً لأنني طوال الوقت اتعامل مع سيدات يرتدين الحجاب ولا يؤيدون الجماعات الإرهابية أو المتطرفين، وتزامن هذا الأمر مع انتفاضة في فرنسا ضد فتاة ذهبت بالحجاب إلى المدرسة وعلى إثر هذه الانتفاضة جرى منع الحجاب في المدارس.

ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال التصوير؟

كما ذكرت لك، طبيعة الفيلم نفسها كانت صعبة ورغبتي من أن العمل أن أظهر عدم وجود صلة بين من ترتدي الحجاب والجماعات الإرهابية، وهو موضوع شائك في تفاصيله، لذا كان الحل الوحيد لتقديم العمل التصوير مع ناس أحبهم لأقوم بإزالة أي نوع من الحكم على الأفراد، فكان هذا أول قرار إخراجي وأخلاقي، فبرأيي أن القرارات الإخراجية لا تتعارض مع الأخلاقية، لذا كنت اقابل الناس من خلال الفنان باسم سمرة وعائلته، واخترت باسم لأسباب كثيرة منها الحراك الاجتماعي الرهيب في دائرته، فهو من مدينة "بلقاس" في دلتا مصر، ويعيش في منطقة نزلة البطران بالقاهرة وأصدقائه من منطقة نزلة السمان، لذا جاء ظهور شخصيات عديدة ثرية نتيجة الحركة الاجتماعية في دائرته.

في زيارتك الأولى للسعودية ويعرض فيلم "صبيان وبنات" بقضيته الشائكة في مؤتمر النقد، لماذا لم يكن فيلم "باب الشمس" على سبيل المثال الذي جرى ترميمه مؤخراً؟

أعتقد أن "باب الشمس" ستكون مشكلته أكبر من "صبيان وبنات"، بالنسبة لي هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها السعودية بعد التغيرات الكبيرة التي حدثت، وأصبحت مصر أكثر محافظةً من السعودية، وقناعتي أن كل الأفلام التي قدمتها كانت مقياساً للمجتمع، وهو ما ينطبق على مشاركتي بحضور عروض هذه الأفلام، فعندما أعرض "باب الشمس" في مهرجان كان عام 2004، كان يبدو وكأنك تضع ترمومتر يقيس رد الفعل. أنت ترغب في رؤية رد الفعل، فالأفلام ليست مصنوعة من أجل "الطبطبة على الناس"، أنت ترغب في أن "تنكشهم" ولا "تستفزهم"، أي أنك ترغب في إثارة النقاش، وفي الملتقى عرض الفيلم وكان لدي تشوق بشدة لمعرفة رد الفعل، وبالمناسبة ليس لدي مشكلة في رفض العمل من الجمهور، فعندما عُرض الفيلم على المصريين لم يكن الموضوع سهلا وكان هناك ردود أفعال مثيرة جدا، وعند عرض الفيلم في فرنسا أثار بعض الأشياء المضحكة، فهناك سيدة صرخت ووجهت ليّ سؤال عن كيفية إخراج هؤلاء الناس بصورة "دمها خفيف"، لأخبرها أنهم بالفعل كما ظهروا في الفيلم.

تشارك في ملتقى النقد في الوقت الذي توقفت فيه غالبية المهرجانات السينمائية بعد اندلاع الأحداث في فلسطين، كيف ترى عملية إيقاف وتعليق المهرجانات؟

أرفض بشكل قاطع إلغاء وتأجيل الفعاليات الفنية، لأن أي نشاط فني أيا كان لا يصح أن يتوقف تحت أي ظرف، فما هي وظيفتك كفنان إذا لم تكن في الظروف الصعبة تجعل الناس يشعرون بأنهم يمكنهم أن يعيشوا ويقاوموا، عشت في بيروت 4 سنوات خلال فترة الحرب الأهلية أثناء عملي في صحيفة السفير اللبنانية خلال الفترة من 1978 وكانت الحرب لا تتوقف لكن أيضاً السينما لم تكن تتوقف عن العمل إلا عندما تسقط القنابل عليها، حتى الفلسطينيين أنفسهم لم يتوقفوا عن صنع الأفلام خلال الحرب، وأفلامهم التي تقدم عن تلك الفترة شكلت علامة وقدرة على الحياة.

صناعة الأفلام شيء مختلف عن المهرجانات والفعاليات الفنية؟

التساؤل المطروح هل سبب الغاء المهرجانات حداد على ما يحدث ومراعاة لمشاعر الشعب الفلسطيني، إذ كان الامر كذلك يمكننا تحويل أي مهرجان فني لتظاهرة من أجل فلسطين ودعمهم، فمن لا يتعامل مع عمله على أنه رفاهية أو تسلية سيواصل العمل، هل المحاسب سيتوقف عن عمله؟ هل أنت كصحفي ستتوقف عن عملك إلا إذا كانت مهنتك ثقيلة عليك وتبحث عن استغلال ظرف للتوقف عن العمل، ولن اتردد في التأكيد على أن وقف مهرجانات القاهرة والجونة وقرطاج في تلك الظروف أعطاني إحساس بالصدمة، فالقاهرة وقرطاج مهرجانات تاريخية ووجودها جزء من الوضع الثقافي الخاص بالعالم، وعندما يكون المهرجان مهما لتلك الدرجة ثم يفوت الفرصة في اللحظة التي تمر بها غزة بالحرب، بأن يكون جزءاً من فعالياته خلق تضامن مع الفلسطينيين، شيء لا أفهمه، فعندما تُوقف مهرجان بهذا الشكل في ظل تلك الظروف يعني أن تعطي للعالم إشارة بأن الأوضاع مرتبكة، فإقامة الفعاليات الثقافية والفنية بهذا التوقيت أمر أكثر أهمية للتأكيد على دورهما وأنهما ليسا "دلع".

*ماذا عن ردود الفعل والذي يراها البعض ربما يكون مبالغ فيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمصر تجاه الفنانين المستمرين في الأعمال الفنية والمسرحية ، برأيك الترصد والغضب تجاه الفن سببه تدين أم ظروف اقتصادية أم أمور آخرى؟

-السبب هو مزيج مما ذكرت، اليوم عندما تقدما فيلما في أي بلد عربي فهي عملية شديدة الصعوبة، ما بين القيود الرقابية والمحاذير سواء رقابية أو اجتماعية، وهنا أتحدث عن المنطقة عموماً وليس مصر فقط، فالسينما في العالم كله أصبحت صعبة وليست بالبساطة صناعة وتقديم فيلم للجمهور، بالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية وضيق أفق شديد جدا في التعامل برؤية مستقبلية للأفلام، وطرح تساؤلات عدة منها، هل سيُعرض في مهرجانات بالخارج أم داخل مصر؟ هل سيطرح موسم العيد؟، وهنا يكون السؤال أين نظرتك للعالم؟، البعض يقول أن السوق يرغب في ذلك، للأسف لا، فأنت من حددت السوق الضيق الخاص بك.

*هل يعني ذلك أن هناك أمور يمكن من خلالها توسيع دائرة السوق المستهدف؟

- بالتأكيد، عندما قدمت مسلسل "منورة بأهلها" وأعتبره تجربة مهمة وشخصية بالنسبة وكان صعب للغاية خلال العمل عليه، فوجئت بأن الترجمة المصاحبة له غير مفهومة وكأنها وضعت من خلال محرك البحث غوغل دون تدقيق، وحذرتهم من تأثير هذا الأمر على تسويقه لأي مكان خارج المنطقة العربية، فالاستهداف هنا جاء لسوق محدود ولم يتم عرضه في الخارج، وهو أمر اعتبره "ضيق أفق"، على سبيل المثال لا الحصر مسلسل مثل "جعفر العمدة" لو وضعت عليه ترجمة جيدة يمكنك توزيعه في عدة مناطق حول العالم، لذا فالسؤال المطروح لماذا تحصر نفسك في سوق واحد؟، لديك تجربة السينما في كوريا الجنوبية والصين واليابان، تجارب أصبحت تكتسح العالم ثقافيا بتحويل القيمة الثقافية لديهم لأفلام تجارية عالمية، ونحن في العالم العربي لدينا قيمة ثقافية أيضاً فلماذا لا نقدم عنها أفلام؟

*بالنسبة للسينما السعودية، هل شاهدت أفلام سعودية وما رأيك فيها؟

- للأسف لم يتح لي سوى مشاهدة القليل منها وهناك تقدم ملحوظ فيما يقدم وهذه ليست مجاملة لكني تواجدت كمشارك في لجنة تحكيم المشاريع في الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر ونالت إعجابي أغلب السيناريوهات التي شاركت خاصة فيلم "أربعة أوجه للعاصفة" من إخراج حسام الحلوة ومحمد الحمود ، ومن وقت قراءتي لهذه السيناريوهات ولدي قناعة أن هناك كنزا من الحكايات نرغب في معرفتها، وكذلك يوجد العديد من المواهب والرغبة في تقديم سينما، لذا لدي إحساس أنه سيكون هناك سينما جيدة قريباً.

*ماذا عن مشاريعك الجديدة وخاصة الجزء الثاني من "منورة بأهلها"؟

- الجزء الثاني لا يزال في مرحلة الكتابة حتى الآن، ولدي سيناريو في الرقابة خلال الوقت الحالي، وأعتقد أنه من الصعب إنجازه خلال تلك الفترة لإحساسي بضيق الحالة الإنتاجية.

*هل يمكن أن تخوض تجربة تقديم فيلم سينمائي للمنصات على غرار تجربة "أصحاب ولا أعز" التي قدمت عبر "نتفليكس"؟

- طريقة العمل في تلك المنصات أو المهرجانات، تُشعرك بأنها أشبه بـ "التنميط"، يوجد موضوعات محددة للعمل مع تلك الجهات، وأنا لا أعمل بتلك الطريقة.