إيلاف من باريس: ما الذي يحدث لمدينة الرومانسية والسهر والنور؟ المطاعم الساهرة التي تشتهر بها باريس تتراجع بقوة، والغالبية تغلق أبوابها حالياً في وقت مبكر على طريقة المدن الأوروبية الجافة التي لا تعرف السهر، وتفضل النوم مبكراً.

صحيفة "لوموند" الفرنسية رصدت ظاهرة تراجع، وربما اختفاء المطاعم والمقاهي الساهرة، وقالت :"تختفي المطاعم التي تفتح حتى وقت متأخر من الليل في باريس، وعلى الرغم من ذلك لا تزال بعض المطاعم المتخصصة في تذوق الطعام ترحب بزوار باريس حتى وقت متأخر لتناول بيضة مسلوقة مع الفطر أو لحم مشوي، ولكن أعدادهم أصبحت نادرة بشكل متزايد، ولافت للنظر".

ولم يتناول التقرير أسباب تراجع عدد المطاعم وأماكن السهر "الساهرة"، وهل للأمر علاقة بجوانب تتعلق بالأمن، أم أن الجيل الشاب لا يفضل العمل ليلاً؟ وقد أكد ذلك أحد العاملين في مطعم باريسي شهير، حيث إشار إلى أن الجيل القديم هو الذي يفضل أجواء العمل الساهرة، فيما يرى الشباب أن هذا النوع من العمل مرهق للغاية، والبعض الآخر يراه مملاً.

قبل بضعة أشهر، وفي منتصف الليل، انكشف مشهد فريد من نوعه في مقهى Au Pied de Cochon، وهو مقهى يقع في حي Les Halles في وسط باريس.

كان هذا المقهى الكبير في الحي المركزي يعج بالأصوات والمناقشات النارية الضحكات وأصوات ارتطام الكؤوس، عندما سمع فجأة صوتًا قويًا: "انتبهوا، من فضلكم!".

كان هناك أحد الزبائن يقف في منتصف المكان، وعلى الفور سكت أكثر من 200 شخص، فصاح قائلاً: "لقد تجاوزت الساعة منتصف الليل وهذا المطعم يقوم بعمل رائع".

وتابع بأعلى صوته :"أهنئ العاملين في المطابخ وغرفة الطعام وغسالات الأطباق!"، فما كان من الجميع إلا أن صفقوا بقوة ولفترة طويلة، تقديراً وعرفاناً لجهد هؤلاء الساهرين.

لا شك أن هؤلاء الذواقة الذين يسهرون في وقت متأخر من الليل شعروا أيضًا أنهم يعيشون لحظة مميزة، وربما أيضًا لأنهم كانوا يعرفون أن وليمة العشاء الخاصة بهم تأتي في وقت ليس بالسهل أبداً.

يعد Au Pied de Cochon أحد آخر المنارات المتبقية لعشاق الليل والسائحين الذين أتوا للتو من السفر وعشاق الحفلات والمسافرين الجائعين.

يفتح هذا المكان حتى الساعة 5 صباحًا طوال أيام الأسبوع، ويبدو أنه ينتمي إلى عصر مضى، فقد تم افتتاحه في عام 1946 واشتراه في عام 2016 مجموعة برتراند القوية، وظل على حالته الأصلية: مقاعد عتيقة ولوحات جدارية باهتة وثريات قديمة. حتى النوادل الذين يعملون من الغسق فصاعدًا، بودهم وكفاءتهم، هم من ذوي الخبرة. قال أحدهم: "الشباب لا يريدون العمل ليلاً بعد الآن. يجدون ذلك مملًا للغاية. لكننا نحب هذه الأجواء الخاصة. يبدو الأمر وكأن أي شيء يمكن أن يحدث!"

تحت ضوء القمر، يمتد الطابور أحيانًا إلى ما هو أبعد من المطعم، ومن المؤكد أن الفاتورة مرتفعة بعض الشيء، وعلى أي حال لا أحد يعلم على وجه اليقين لماذا تتغير باريس، وهل لم تعد تعشق الساهرين حتى الصباح؟