باريس: يسعى عدد من الطهاة الأجانب البارزين في باريس، من بينهم الشيف اللبناني آلان الجعم، وآخرون من الحاصلين مثله على نجوم من "ميشلان"، إلى توظيف المهارات والمعايير الفرنسية في تطوير أطباق نشأوا عليها في طفولتهم، لتحريرها من أحكام تقليدية تُلصق بها، رغم ما يثيره ذلك من انتقادات مواطنيهم الأصوليين مطبخياً.
يقرّ آلان الجعم في مطعمه الباريسي الواسع الشهرة بأن والدته "ليست راضية" عن الطريقة التي يطهو بها في العاصمة الفرنسية. ويقول الشيف اللبناني الأول والوحيد الحاصل على نجمة من دليل "ميشلان": "في بلدي، لا نأكل على هذا النحو".
لكنّ هذا الشاب العصامي الذي ترك لبنان قبل ثلاثة عقود واستقر في باريس، يعتبر أن جَعْلَ ثقافة بلده المطبخية تتألق في فرنسا يتطلب تطوير وصفات الأطباق "نحو الأناقة والمستوى الرفيع" الذي يتسم به المطبخ الفرنسي.
ومثلَه، يسعى عدد من الطهاة الأجانب البارزين في باريس والحاصلين على نجوم من "ميشلان"، أحدهم يوناني والآخر برازيلي والثالث مكسيكي، إلى تحرير أطباق بلدانهم من الأحكام التقليدية التي تُلصق بها، ومنها أنها دسمة جداً وكثيرة الفلفل الحار.
فعندما افتتح إنريكه كاساروبياس مطعمه "أوكستيه" (Oxte)، نبهه زملاؤه المكسيكيون من خطر الفشل، إذ لم يقتنعوا بالطريقة التي انتهجها نجل القصاب الذي كان يبيع سندويشات التاكو في إحدى أسواق المكسيك ثم اكتسب خبرة في مطاعم فرنسية للمطبخ الفاخر.
ويوضح إنريكه كاساروبياس الحاصل على نجمة "ميشلان" لوكالة فرانس برس أنه أراد "إظهار مطبخ مكسيكي مختلف" في وقت كانت الوجبات المكسيكية السريعة تلقى إقبالاً كبيراً.
بمذاقات ذكريات طفولته، طعّم كاساروبياس أطباق مطعمه، ومنها مزيح الحلو والمالح، والحموضة، والمرارة، أما الفلفل الحار "فمحسّن للنكهة ولكن لا يحرق اللسان".
ويمتنع كاساروبياس مثلاً عن استخدام الصلصة المكوّنة من الفلفل والشوكولا مع الشمندر والجزر أو مع الطماطم الخضراء والهالبينو وبذور اليقطين والكاكاو والقرفة والكزبرة والبقدونس.
ويضيف "سأظل أبحث حتى أجد طعم طفولتي"، حتى لو "لم يكن موجوداً فعلاً في المطبخ المكسيكي".
أما آلان الجعم فيقول لوكالة فرانس برس "لا يمكن الحصول على نجمة +ميشلان+ بأطباق المطبخ اللبناني التقليدية".
وبالتالي، يعتمد الجعم طريقة تكييف أطباق طفولته بواسطة تقنيات الطهو الفرنسية، فيقدّم التبّولة مثلاً في ثلاثة أشكال، ويضيف إلى البقلاوة الخفيفة فواكه موسمية.
ويشرح أن "التبولة طبق معروف منذ ألف عام، لكنّ أحداً لم يغيّر فيه قيد أنملة. أما اليوم، فهذا المطبخ يحتاج إلى تجديد شبابه".
أقام الجعم المتوّج من "ميشلان" منذ عام 2018 مساحة مطبخية لبنانية حقيقية في حي ماريه في باريس، تضمّ مطاعم صغيرة تقدم أبرز اختصاصات بلد الأرز، ومنها الشاورما والمنقوشة وسواهما، ويستعد لتوسيع خدماته إلى سويسرا.
يطهو رافاييل ريغو الطعام في مطعمه "أوكا" الحائز أيضاً نجمة واحدة في دليل "ميشلان"، مع منتجات برازيلية مزروعة في فرنسا أو مستوردة من الأمازون، بهدف التعريف بمناحٍ غير معروفة عن المطبخ البرازيلي.
ويقول الشيف الذي يحضّر لمهرجان عن المطبخ البرازيلي في باريس "في بادئ الأمر، لم يكن البرازيليون يفهمون ما أفعله. اليوم، حصلت بفضل نجمة (ميشلان) على الشهرة اللازمة" لإقامة هذا المشروع المتعدد الثقافات.
لطالما حاذر الطاهي اليوناني في موقع "باليه رويال" الباريسي (القصر الملكي) فيليب كرونوبولوس، السقوط في فخ المبالغة الساخرة عند الاستلهام من أطباق بلاده.
وخلال جائحة كوفيد، أجرى مراجعة للأطباق على قائمة طعام مطعمه، من خلال إدخال لمسات يونانية ظاهرة، كالخبز مع زيت الزيتون، والمثلجات بجبن الفيتا، وشطيرة السبانخ والفيتا المعروفة بـ"سباناكوبيتا".
وبفضل قائمة الطعام هذه، حصل عام 2022 على نجمة ثانية في دليل "ميشلان".
ويقول "أرغب في زيادة الطابع اليوناني في أطباقي". تحد صعب، خصوصاً خلال الشتاء، لهذا "المطبخ المشمس" الذي "لا يضم عدداً كبيراً من الأطباق الخاصة".
التعليقات