أينما يكون الهو، يجب أن يكون الأنا...quot; فرويد quot;


كتب سامي داوود: لماذا ليس ممكنا، أن نضبط معياريا هذا الانفلات الكتابي الذي عممه ولادة المجال الإفتراضي...؟. إذ ظهر فجأة نمط كتابي هلعي لامعياري، معادل للشفوي الذي لم يألف تاريخه أي إلهٍ للصمت، و مرادفا للثرثرة اليومية غير المحكمة بأداء عقلي يبسط و ينبسط فيها ماهيتها التي تحيلها لمستوى ما من مستويات التصعيد الأخلاقي و المعرفي لحركة النمو البشري. كتابة ـ ظاهرة غير مشذبة ثقافيا، تتشعب و تتبرعم بلا اتجاه ـ الإرهابي أيضا ليس له سوى اتجاه افتراسي، و القياس ههنا ممكن كترابط ضروري لمحمولاتهما المتماهية في نمط علاقة الترابط بينهما ـ، يمكنه أن يكون مآلا معقولا لتحديد معقوليتها و تاريخانيتها، ظاهرة ـ كتابة تحاصر الديناصورات النقدية بالريبة في جدوى قولها العقلي أمام طغيان زخم الإنفلات الطاغي و المسوغ بدون مواربة، لإقصاء الوعي من مجال المطارحات، لتغدو الكتابة الملتزمة بقيم البطء و الحذف، طريقا لا يعبره سوى غرباء العالم المعاصر، غير المتحولين عن صرخة إنسان quot; يوجين أونسكو quot; في مسرحيته quot; وحيد القرن quot;.كتابة ـ خُبل ، تسعى لأن تعادل سرعة الكتابة بسرعة القراءة، مقدمة بذلك تاريخانيتها التهريجية الموسومة بالهلع المشدود لسرعات كمية تنافسية، تماهي القطع المكني المعاصر المأخوذ بقانون السرعات المتنافية، التي تلغي و تفترس ذاتها في سبيل سرعة أسرع، قانون يتجاوز باستمرار ذاته دون أية محاولة خجولة لإوتعاء هذه الذات في آنيتها بالقوة أو بالفعل. فالكتابات الأنترنيتية الحاكمة في مجالها التهريجي منضبطة تماما بانقلاب المستوى الرقابي للمستشرف المعاصر / البانوبتيك /. حيث تنعدم الرؤية الشمولية للمراقب على موضوعه الأعمى. فالإباحة التي أتاحها غياب الوجه من الكتابة الأنترنيتة، غيّرت في الهيكلية الاجتماعية أو من حضور الجسم الاجتماعي في المجال الذي يفترض منه أن يكون انعكاسا لحركة هذا الجسم و لتنظيمه و لتراتبيته. فقد غاب الوجه النوعي الذي كان فيما مضى، حاضرا في القول الذي ينتجه عن المجال الاجتماعي المعروض في خطابه و في منهج خطابه. و حلَّ محل هذه المعرفة للوجه ـ الزمن، و بالتالي للوعي الماثل و المتحقق بنتائجه المعرفية المحضة على أقل تقدير، حلّت الهلامة الشبحية التي لا يمكن لها بضرورة طبيعتها، أن تحيل إلى أمر محدد ممكن التوقف فيه كفاعلية واقع معين. و بما أنها لا تحدّد عنصراً ممكنا كواقع،و تحشو المجالات الفراغية ـ الصفحات الإلكترونية، بزخم الحشو ذاته كفعل لهذه الصفحات، و كوظيفة تمتلك خواصها التي تحيي و بالتناقض مع تعبير الـ quot; ملموس quot;، تحيي كواقع ملموس البربرة في صيغتها الكتابية الإلكترونية. قد يعترض علينا القول الآتي: إنَّ الوجه الذي تنتقده، معروض هناك باستمرار،و بالتالي، فإن الهوية المجتمعية النوعية للعنصر الفردي هنا قائمة بالفعل، حتى و إن كان هذا القوام بالفعل، معروضا بصورة تهريجية لجلب شهرة محضة، قوامها الحضور المستمر و اليومي ، و التكرار الممل لذات الكلمات عن كل الأشياء، دون أي اكتراث بطيعة العلاقة التي تربط الكلمات و الأشياء. وهذا يشكل تناقضا لفكرة غياب الوجه و حلول الهلامة في الكتابة الأنترنيتية المنفلتة من رقابة الآلهة ـ القيم و المعايير المعرفية. ههنا تماما مرتع الخلط، بين الفعل الملموس لهذا الكتابات و المتمثل في حضورها الدائم، و قولها الدائم عن و في كل شيء، بدون ضرورة تمفصلها في بينة الأشياء ـ الأحداث التي تحضر فيها، و بين فاعلية هذه الكتابات المتطابقة معها كأفعال للحشو ذاته. إن غياب الوجه و حضوره في الصفحات الثرثارة للفضاء الإفتراضي، لا يشكل فرقا على مستوى فاعليتهما، فالمتخفي و المطروح للرؤية كمهرج لا يتحمل نسيانه في يوم غيابه عن دوام العرض الأنترنيتي، يتماهيان بقابليتهما و بسرعة قابليتهما للزوال. فقول المتخفي ينتهي بمجرد طرحه، كونه مقدم من لاكائن، و بالتالي بلا مسئولية ترسم حدود حضوره ومدى دوامه. و المداوم اليومي المنضبط بعرض صورته اليومية، يُنْسى في اليوم الثاني مباشرة، عندما يتم تجديد الصفحة الرئيسية،و لا يعرض وجهه ـ قناع خواءه على الصفحة. من هنا هلعهم من غيابهم، كونهم أساسا غائبون عن قول لحظتهم. لقد تشوّهت قيمتي البطء و السرعة في العمل الكتابي المعاصر بشقيه الإلكتروني و الورقي، فالسرعة في المجال الإبداعي و كما حللها بدقة quot; أيتالو كالفينو quot; كوصية من وصاياه الخمس للألفية الجديدة، هي ذلك الفعل الخاطف المخمَّر بزمن البطء. إذ لا سرعة بدون وعي للسرعة و لموضوع السرعة في آن، و كل سرعة لا تعي ذاتها، هي حركة هلعية بالضرورة، كونها تستند مرجعيا للصدمة كحدثٍ لإحداثها، و ليس إلى التروي الذي يخطف من بين السديم، تجلي الفكرة الخاصة و الحركة الفردية، التي جعلت الكثير من العلماء يركضون إلى أقلامهم بعبارة ...quot; وجدتها... وجدتهاquot;.إذن لا يمكن مماهاة الهلع بالسرعة، لمجرد إنتمائه الجنسي إلى الحركة، إنهما عنصران يكونان في حالة الخلط منعزلين، لذلك يكون مآل الكتابة الهلعية محتما في القراءة الهلعية، التي يتأسس فيها و بناءً عليها هوة الغفلة التي تثقب ثقبا كونيا أسود في تواصل الشعوب المرمية على المجال الافتراضي.
إنَّ الأنترنيت حدث استثنائي، بالنسبة لحال القراءة ولحال الكتابة المعاصرتين، فقد أعاد صياغة الأمور وفقا له، بتغييره لواقع معنى الكتابة، و للواقع الوظيفي لأواليات القراءة، محطما مستوى الحضيض، بإزالة أي مستوى يمكن أن تبلغه الرداءة كمحطة أخيرة لتملك خواص الرداءة الكاملة. لقد جعل الأنترنيت من الحضيض فضاءً لسقوط لامتناهي لفعل و فاعلية الكتابة، التي يفترض فيها أن تشترط مسارا لإنجاز الممكنات و للقوى العقلية الفاعلة في مسار نمو الوعي المجتمعي، لكنها (الكتابة الأنترنيتية ) باتت لوحا حساسا ينعكس عليه بربرة هائجة لجموع غفيرة، تمَّ تقويم علاقاتها و وظائفها الجسمانية ـ الإنفعالات ، وحلَّ ردُّ الفعل الإشتراطي محل الفعل ـ المباردة الفردية الحرة، لتشكل بهكذا تعينات، مشهد المجتمع المعطوب في عمق فاعليته و حراكه المجتمعي. و الأنكى من ذلك، أن المجتمع لا يمارس عطبه فقط، باحتفاءه الهستيري بتعيانات السيد (الهو) في المجال الافتراضي وحسب، بل و إنما، يمارس متعته أيضا بمتابعته لمشهد عطبه و سأمه الأخلاقي و كأنه فعالية أيجابية لوجوده. نوع من الطقس الوسواسي المندمج في عُصاب وسواسي يستثمره المريض؛ يحافظ على بقاء مرضه،و لكن على عكس ما يتوهمه من إيجابية أو فائدة مرضية في المريض المصاب بعصاب من نوع ما يسمى بـ quot; الرضعاء الدائمين quot; ، فإنه لا يجني من مشاهدته لمشهد عطبه سوى هاويته ( 1 ). و في عمق الهاوية اللامرئية، المعلقة بزمن غير محدد، قد تمكث نقطة إنقلابية، ينقلب فيها هذا الضلال، في لحظة نتشوية لاكتمال العدمي، إلى نقيضه.
لقد أحدثت الكتابة الأنترنيتية، إنقلابا جذريا في مقولة quot; فرويد quot; التي هي أساس مشروعه المعرفي، و المتمحورة حول تَسَيّد الوعي لمواقع الغرائز، بتغييرها لأواليات الحلول داخل هذه المقولة المعرفية، وذلك بجعل الإنفعالي الغريزي محتلا للمواقع المفترضة للقول العقلي أن يتسنمها.حيث تُعجن النصوص المتحاربة الخاوية من أي معنى أو معلومة، بالعاطفيات المشحوذة جداً بركود الشبكة الدماغية، و تؤسس شبكة اتصالها الخاص، و التي هي ركائز من زَخم البربرة. تصدر مقالات و مقالات مضادة، و يعقبها حرب أشدُّ وطسا من النصوص الموازية في فضاء التعليقات المحتربة أسفل المقالات، ليتصاعد الهو داميا كإله من الكراهية المزهوة بدهائها السياسي، الذي يقود القطيع صوب مشرحته و مأدبة أفوله الأخلاقي. فهل فلَّت أو زالت الأصنام من العالم المعاصر..؟ أم أن الطنين يغير من خواصه باستمرار، لكنه لا يبرح موقعه المتجذّر عميقا في المكبوت الاجتماعي المدار سلطويا. هكذا تشكل الكتابة الطحلبية الأنترنيتيه بنمطها الهلعي،إجراءً استثنائيا في استراتيجية توجيه الجهل المخطط، وتعميم الأمية في الأمة، لتعميتها عن حالها. أوليست القراءة الآلية للكتابات الهلعية الموجهة بخفة من قبل السلطة المتخفية في هيكلية هذه الكتابات، و المندمجة بدون إكراه في الخواص الوظيفية للكتابة الهلعية، كأنها تملك من الداخل توجهها المتفق طبيعيا ـ و يا للصدف..! ـ مع توجه الطغيان المتغذي على إمساك مشارب المعرفة بمنهجتها للتعمية الشمولية، معادلا ماديا لاستلاب الكينونة الاجتماعية..؟. ففعل التعمية لا يستدعي بالضرورة إزالة البصر، بل و إنما فقط، أيقاف الترجمة التي تؤل المعطيات البصرية إلى مدركات.و بالتالي، فإن مشروع إنهاء الأمية الذي يتاجر به البعض، لا يعني إطلاقا القضاء على الجهل، بل و إنما تجذره في العمق الدماغي، بضبط العلاقة التي تربط الوسط الحسي الخارجي بحركة السيالات العصبية التي تنقل هذه المعطيات. لذلك. و على سبيل المثال. لا تجد الحكومات الطغيانية صعوبة تذكر في إقناع شوارعها المكتظة بالجماهير الهاتفة بروحها الخالدة، بأن الديمقراطية الأوربية شر ، و بأن طغيانها فضيلة، فالجمهور المستلب، مبرمج على تلقي الديمقراطية بالطريقة التي لٌقِّنَّ بها، و المترجمة على أنها نظام يحكمه حزب واحد و قائد أحد إلى أبد الآبدين... آمين. من هنا، كان مشروع التعليم الإلزامي محل ثقة و حصانة للسلطات الكليانية، و هو تعليم مجاني، لأن عملية التحويل التي يحدث بداخلها هذا التعليم الإلزامي المجاني، تثمر للسلطة طاعة لانهائية، لا تقدر مطلقا بأي ثمن. الأمر لا يدعو للإستغراب كما أكدَّهُ quot; فوكوquot; : quot; ما العجب إذا كان السجن شبيه المصانع،و المدارس، و الثكنات، و المستشفيات، التي جميعها شبيهة السجون..؟quot;. ( 2 ). إنها استراتيجية مربحة هذه المنهجة الكاملة للجهل الإلزامي، الذي على الجميع أن يمرَّ تحت قوسه. فالتعليم الإلزامي المنضبط، يخلق الوهم بالخروج من الأمية، و يعمي الدخول في الجهل. هناك سؤال كبير في تاريخنا العقلي المتواضع، طرحه quot;محمد عبدهquot; في quot; رسالة في التوحيد quot;، متعلق بالسبب الذي منع الجماهير من اتباع العقلانيين. و هو تساؤل يفند وجهة نظر آرنيست غيلنر حول الشرخ المعرفي الذي جرى في بنية المجتمع الإسلامي، و قد ناقشنا بدورنا رأي غيلنير في دراسة سابقة / مأسسة النخب / المنشورة في موقع سؤال التنوير. و نعتقد بأن السبب الذي يعيق اتباع العقل في هذه المجتمعات، محدد في بساطته و في دهاء بداهته، و هو الآتي : أن المجتمع المستلب في كليته، غير قادر على تحديد خياراته التي لا يملكها أساسا، فانعدام الإرادة، يعدم وعي الاختيار، و يترك للجمهور عبارة واحدة فقط ... أنا الخواء المحتشد في هيئة الجماهير.
إنَّ مشاريع التنمية الإنسانية التي لا يمكنها أن تتم كحدث أو كنتيجةٍ لمقدماتها المفترضة، إلاَّ بقلب الأوضاع على رأس السلطة القائمة بهذه المشاريع التضليلية في العموم. فالتنمية الإنسانية، هي تلك الحرية التي تقوم على ركيزة المساواة الحقوقية، و هو أمر لا تتحمله النظم المتماهية مع مصالحٍ فئوية. فهل تشكل الكتابة الهلعية أثراً بليغا للنظم السياسية...؟ و هل هي بلاغة العقم المعرفي الممتدح من قبل هذه النظم...؟. نعلم بأن العلاقة السببية لا تتأسس من تكرار ذات الأسباب ، التي تتيح الاحتمال بتكرار ذات النتائج. فذات الأسباب، قد لا تؤدي لذات النتائج، لأن الجوهري الحاسم في تكرار النتائج وفقا لمقدمات متماهية أو مقدمات متباينة، هو قيام ذات العلاقة الترابطية التي تحور في العلاقة السببية وفقا لنمط الإرتباط بين الأسباب و المسببات. و بناءً عليه، تكون الكتابة الهلعية أثرا بليغا للنظم التسلطية، و كذلك بلاغة العقم المجتمعي تحت قوس هذه النظم. كيف ذلك..؟ تختلف المقدمات الشكلية بين النظم السياسية المتباينة، كالفروقات الظاهراتية بين الملكي و الجمهوري، غير أن تحليل هذه المقدمات وفقا لهيئتها المعتمدة في التقسيم الجزئي تماشيا مع النقد البنيوي، لن يفضي بنا إلاَّ إلى نتائج مضللة تماما، تعمينا عن الواقع الفعلي الملموس هناك، في العلاقات التي تربط حدود تلك المقدمات و تحورها وفقا لهواها التسلطي. فقد يعمل نظام جمهوري وفقا لتصور إلهي عن الحكم، و رغم مؤسساتينيته الصورية، إلا أنه يكرر المقدمات التي تسوغ ظهور النتائج متفقةً مع توجيهه الغائي للعلاقة الرابطة بين المقدمات، و هكذا دواليك.و بما أن النظم السياسية حددت المقدمات و كيفية عمل هذه المقدمات عبر مؤسسات مغلقة متماهية فيما بينها بواحدية نظامها التربوي الترويضي، فإن النتائج المتحققة و الممكنة كإحتمال، تتبوتق كلها في إطارها المرسوم لها قدريا بيد السلطة، التي لم تعترض يوما على تشعب هذه الكتابات الهلعية في الجسد الاجتماعي، طالما كانت هذه التشعبات الهلعية تخدم عن بعد و بشكل سلس جدا، سياساتها الكتشوية. إنها تترك البيادق تقتل في بعضها، وفقا للطاعة المرجوة منها، و في الموقع المرسوم لها في الخطط الخمسية، التي لا تخجل من خماسيتها التي يأتي عليها الدهر كله دون أن تعايش مقرراتها الخمسية. لقد وضعت النظم التسلطية كل فواعل التابو الذي من خلاله و بداخله يلد المواطن. و كان الكبت التاريخي بأكداسه الراكدة منذ عقود، حاضراً ليفتح ستار العرض المرضي المتوحش لهذه الكتابات الأنترنيتية.
و بما أن جدران المراحيض، هي فضاء الحرية في العالم العربي، حيث تجد الذخائر المكبوتة ، ملقية هناك كرسومات جنسية أو سياسية او دينية، في صيغتها الأكثر بذخا و فجاجة . و تجد إدارة المساجد من فوقها تسطر رقابتها في عبارة : quot; الجدار... لوح المجانين quot;. لتثني حتى هناك ـ في المكان الذي يستعيد فيه الإنسان ذكرى لذته الأولى، أي التغوط ـ إرادة المنفلتين و تصنفهم في خانة الجنون، التي قيست وفقا لمعيار كمي لرسومهم أو ربما لروائحهم، إذ من الجنون التفوه بما لم تحدده لك السلطة كمعرفة خارج سطوتها. و بما أنه لا سلطة في المرحاض تعلو سلطة المرحاض ذاته، فإن التعابير المكتوبة تكون منفلتة من كل رقابة خارجية أو داخلية، بما فيها رقابة العقل الذاتية، فتكون التعابير برية ،و فجة ، و مهلهلة بدون تشذيبها بقلم الوعي، الذي قد يساعد في تصنيف الكتابات ضمن مراتب تعليمية أو طبقية معينة، فالكل يخرجون في المرحاض عن ذاتهم المجتمعية و يدخلون الممكن الكوني للعنصر الحيواني المارد في أعماق البشرية، لذلك تتماهى الكتابات في محتواها و في هيئتها اللامتمايزة تماما كالكتابات الأنترنيتية المرتكزة إلى البربرة و الثرثرة الكتابية، التي تعوم مجتمعة في فضاء لاتمايزي، يستحيل فيه أن تفردن قول ما او فكرة ما، و إذ ما غيَّرت أسماء البيادق أو قايضتها ببعضها، فما من شيء سيتحرك في العقل الراكد الذي يفرزها. إنه الغياب ذاته الذي يماهي حرية الإنقلات في المرحاض وفي الأنترنيت. الشخصية في الحالتين شبحية لا تتحدد بهوية قابلة للتعين كواقع ملموس، او محددة في هوية المبربر الإلكتروني، كاتب العقل التعيس للعصر الحالي. لذلك، فإن كل ما تقوله هذه الشخصية، ينتمي لذات، إما مفترضة، و إما منسلخة باستمرار، فالذي يوجه سهام غضبه ضد زيد و دفاعا عن عمر، قد يغير وجهته في اليوم الثاني و يعكس رياح سهامه ضد عمر و لصالح زيد. و المتتبع لموقع أيلاف الإلكتروني ـ و يا لأسفي على ما آل إليه هذا الموقع ـ سيتلمس بمسك اليد تلك التناقضات الفجة التي تعانيها صفحة آراء على وجه التحديد. إن انسلاخ القول عن القول، يلغي المسؤولية المفترضة في خطاب كل إنسان، و بالتالي يحرر الهو من رقابة الوعي ـ هذا إن وجد ـ ليخرج على الملأ شيطانا في هيئة ملاك بأسنان دامية.و لكي لا يتم الخلط بين الوعي الباطني أو اللاوعي، و بين الإنفلات الغرائزي، نحدد ما يلي : إن الكتابة الهلعية المعاصرة، ليست تعبيرا عن الوعي الباطني في فضاء خال من الرقابة، كون الوعي الباطني لا يخرج ـ يمتدد فقط لغياب رقابة ما، كما و لا يمكن قياسها على امتداد اللاوعي عبر زلات اللسان المعلل في كتابات quot; لاكان quot;. لأن الزلة، هي رغبة ملحة قابلة للتصعيد الاجتماعي بتغيير موضوع الرغبة، و بالتالي فهي ممكنة الإشباع بدون عطبها الجذري. كما أن الوعي الباطني ليس مجالا مغلقا على نفسه، لا يمتدد إلا في الأحلام، بل إنه مجال منفتح على الممكنات المناسبة و في الزمكان المناسب، و ذلك عندما يقدم له مكافئه الشعوري أو الحسي الإنتقائي، فيمتدد، حين يطلب منه الإدراك إمتدادا لغية المشابهة أو مجادلة تجربة معاينة في الحاضر مع أخرى معاشة سابقا.إنها بذلك عملية مختلفة عن الإنفلات الغرائزي الذي تعممه الكتابات الأنترنيتية في المواقع الإلكترونية المدارة بجهل من قبل الجهلاء. إنها لاوعي القول، و ليس قولا لللاوعي.

هوامش

1 ndash; راجع بهذا الصدد. فرويد . إبليس في التحليل النفسي . ترجمة : جورج طرابيشي. دار الطليعة . بيروت. ط ثانية. 1982. ص 46
2- ميشيل فوكو . المراقبة و المعاقبة. ولادة السجن. ترجمة : د.علي مقلد. مركز الإنماء القومي. بيروت. 1990. ص 230