الأستاذة جميلة بشور في مقابلة خاصة بـquot;إيلافquot;:
المدرسة الجزائرية مازالت مشتلة تجارب والتعليم المدعّم يحتاج إلى ترشيد

كامل الشيرازي من الجزائر: تؤكد الأستاذة الجزائرية المخضرمة quot;جميلة بشورquot; أنّ المدرسة الجزائرية مازالت مشتلة تجارب، وترى بشور في هذه المقابلة الخاصة بـquot;إيلافquot; أنّ تجربة التعليم المدعّم في الجزائر بحاجة إلى ترشيد وتطوير، وتضيف بشور التي لها 22 سنة من الخبرة في ميدان التدريس الثانوي باختصاص التاريخ والجغرافيا، أنّ نقص الأدوات التكنولوجية الأخرى يؤثر سلبا في مستوى الأداء التعليمي العام في الجزائر لا سيما في مجال تلقين اللغات.

bull;بداية، كمدّرسة مخضرمة في الجزائر، هل لكم أن تبرزوا للقارئ العربي أهم ملامح منظومة التعليم المدعّم في الجزائر وأطره البيداغوجية العامة؟

ـ ابتداء، أحب إعطاء نبذة وجيزة عن التعليم في الجزائر، إذ كان قبل الاحتلال من شؤون المجتمع وكانت نسبة الأمية منخفضة، وكان للمرأة حظ وافر في عملية التعليم، لكن الاستدمار الفرنسي زرع الجهل والأمية في المجتمع الجزائري، وسعيا من الجزائر بعد استقلالها سنة 1962 لرفع الغبن ومحاربة الجهل، جعلت التعليم مجانيا، وأصبح قطاعا حكوميا كغيره من القطاعات الاجتماعية الأخرى كالصحة.
بالنسبة لملامح منظومة التعليم المدعم، فإنّ أهم ما يميز التعليم المدعم في الجزائر أنّه:
bull;مجاني: فمجانية التعليم قرار سياسي نابع من قناعات وطنية لرفع مستوى التعليم.
bull;الاعتماد على الكم: فتعميم التعليم يهدف إلى التقليل من نسبة الأمية في جيل الاستقلال، كل من بلغ من عمره 6 سنوات له الحق، بل واجب عليه الالتحاق بالمدرسة والخلل عندما يطغى الكم- الذي لم نعدّ له- على الكيف، هذا الأخير بات صعبا التحكم فيه وسط أفواج مكتظة من التلاميذ.
bull;المدرّس: في عمومه غير مؤهل لأداء رسالة التعليم والتربية لأنه يفتقد إلى التكوين النفسي البيداغوجي الذي يجعله كفئا لأداء هذه الرسالة النبيلة، وفاقد الشيء لا يعطيه.
bull;استهداف الشهادة: حيث أصبح الحصول على الشهادة هدفا على حساب مستوى الأداء، مما أضر بالعملية التعليمية وأفقد العلم قدسيته وأضاع السعي في طلب العلم ويكفي معرفة ما يجري في الامتحانات من غش بوسائل مختلفة ومتنوعة.

bull;كيف تقاربون الأشواط التي قطعها ما يُعرف بـquot;التعليم المدعّمquot; في الجزائر؟ وهل الإفراط في الاعتماد عليه من طرف أولياء التلاميذ ظاهرة إيجابية على طول الخط؟

ـ حُققت العديد من النتائج الإيجابية على أصعدة متعددة، حيث جرى تخريج عشرات الدفعات وتكوين آلاف الكوادر، وأرى أنّ الاعتماد على التعليم المدعم ليس خطأ في حد ذاته، وإنما عدم تعاون الأولياء، وعدم تفاعلهم معه، وانقطاع التواصل بين الطرفين، هو الذي أفرز الكثير من السلبيات، فالعيب ليس في التعليم المدعم وإنما في كيفية التعامل معه.

bull;ماذا عن الأدوات الموظفة بنطاق التعليم المدعّم في الجزائر واختلافها بين معلم وآخر، وما مدى الاختلاف الكائن مع باقي دول الجوار والدول العربية عموما؟

ــ الأدوات الموظفة لا تتماشى والتطورات الحاصلة في قطاع التعليم على المستوى العالمي ولا مع تقنياته، فهي مازالت تقليدية بسيطة، سواء كانت أدوات تقنية أم تربوية، والجزائر لا تختلف كثيرا عن دول الجوار من حيث ازدواجية التعليم.

bull;مالذي جعل رقعة التعليم المدعّم تتسّع في الجزائر؟

-التعليم المدعم، ظاهرة جديدة في الجزائر، إذ لم تكن معروفة أو بالأحرى لم تكن منتشرة بهذا الشكل قبل عشر سنوات، والتعليم المدعم نقصد به تلك الحصص التي يتلقاها التلميذ خارج المدرسة إما في بيته أو بيوت المدرسين أو في فضاء خاص لاستكمال النقص الذي يعاني منه في مادة معينة أو مجموعة مواد.
أحصر أسبابه، في ضعف أداء المدرسة بشكل عام، عدم الاستيعاب الجيد للدروس وهذا يرجع إلى عدة عوامل: ضعف قدرات التلميذ الاستيعابية، ضعف كفاءة التلقين، اكتظاظ الأقسام وما يفرزه ذلك من تأثير على التركيز لدى التلميذ، إضافة إلى الرغبة في التفوق والامتياز، وقد تكون هذه الرغبة من التلميذ، كما قد تكون من الأهل الذين يفرضون هذه الدروس على الأبناء لتحقيق التميز، وأقحم أيضا التقليد، فكثير من الناس آباءً وأبناءً يلجئون إلى هذه الدروس فقط لأنّ الزميل أو الجار يأخذ دروسا خصوصية.

bull;وماذا عن إيجابيات هذا التعليم؟

-إيجابياته في الإجمال، مست دعم قدرات التلاميذ، وتحقيق تفوق، دعم صفة التركيز التي يفتقد إليها كثير من التلاميذ، دعم دخل المعلم والأستاذ أمام غلاء المعيشة وزهد الأجر الممنوح للمدرس.
بالنسبة إلى سلبياته، الاعتماد على دروس الدعم على حساب الدروس الرسمية، ما حوّل الفصول إلى منتزهات، وما ولّده ذلك من عدم اهتمام وقلّة تركيز، وحدوث شغب وتشويش، وقلة احترام المدرسين، وهو ما أنتج علاقات سيئة أنتجت ظاهرة العنف المدرسي، ضعف العطاء عند الأستاذ لعلمه بوجود دروس الدعم خارج القسم، التعارض الذي يجد التلميذ نفسه فيه بين ما يتلقاه في القسم وخارجه، إرهاق التلاميذ، تبعا لأنّ دروس الدعم تكون بعد الحصص الرسمية أو في أيام العطل التي يفترض أن يرتاح فيها التلميذ، تراجع أداء المدارس الرسمية وتلاشي المهمة التربوية والتعليمية أمام زحف التعليم المدعم.
وواقع الحال أنّ التعليم المدعم تحوّل إلى سوق تجارية تباع وتشترى فيها الدروس مما أفقد التعليم هيبته ورسالته، وهو ما جعل مصر تتخذ تدابير حازمة، برأيي أنّ التعليم المدعم استثناء وليس قاعدة، ولا يمكن أن يشكّل بديلا عن التعليم الرسمي، مثلما هو ليس حلا لما يعانيه التعليم الرسمي في الجزائر، لذا ندعو إلى إعادة النظر في المنظومة التربوية عندنا، وذلك بـ: التخفيف من الضغط العددي داخل الأقسام، التخفيف من كثافة البرامج التعليمية، تحقيق التوازن بين النظري والتطبيقي في عملية التدريس، توفير الوسائل المعاصرة لترقية مهنة التدريس وتخفيف العبء على المدرس والتلميذ معا، تكوين المدرس وتأهيله، تظافر جهود المدرسة مع جهود الأسرة لتحقيق الهدف، بالتزامن مع حتمية ترشيد التعليم المدعم.

bull;ما رأيكم بالنظرة الداعية إلى خصخصة التعليم؟

ـ خصخصة التعليم في الجزائر جريمة في حق أبنائها وسلبياته كثيرة أهمها:
bull;التراجع العددي في نسبة التعليم بسبب ارتفاع تكاليف التمدرس وهذا مُلاحظ في المناطق النائية في الفترة الأخيرة بسبب غلاء المعيشة وضعف القدرة الشرائية.
bull;خلق طبقية ثقافية.
bull;احتكار المناصب والمراكز الحساسة من طرف فئة معينة.
bull;تمييع التعليم وتحويله إلى قطاع اقتصادي بما يهدد بإفقاد التعليم رساليته.
لكن وجود قطاع خاص يقوم بأدوار تكميلية للقطاع العام جيد بشرط:
-ألا يتحول إلى قطاع اقتصادي تباع وتشترى فيه الشهادات.
-أن يعالج مشكل الاكتظاظ الذي يعرفه القطاع العام.
-أن يكون خاضعا لمقاييس وشروط التعليم المدعم في المنهاج العام وهيئة التدريس، التفتيش والمراقبة، وفي الامتحانات الرسمية في آخر السنة.
- أن يكون نابعا من واقع المجتمع الجزائري.

bull;ماذا عن مشاكل وصعوبات التعليم المدعّم في ظل الظروف التي تمرّ بها الجزائر والمستجدات التي يشهدها قطاعها التربوي وما يلف مهنة المدرسين عموما؟

ـ مشاكل وصعوبات التعليم المدعم هي:
bull;الاكتظاظ في الأقسام.
bull;الحشو في البرنامج.
bull;اكتظاظ الحجم الساعي ( 7 ساعات في اليوم على 6 أيام، في الأسبوع كثيرة جدا)، مما يرهق التلميذ ويجعله ينفر من الدراسة.
bull;العنف المدرسي والتطاول على المدرسين.
bull;عدم تعاون الأولياء مع إدارات المدارس.
bull;عدم صرامة القوانين الداخلية للمدارس.
bull;نقص التكوين البيداغوجي للمدرسين.
bull;ضعف مهمة الاستشارة التربوية واقتصارها على لغة الأرقام وابتعادها عن جوهر الاستشارة والتوجيه التربوي والنفسي.
bull;المشاكل المادية للمدرس: ضعف الأجر، مشكل السكن... فالمدرس غير المستقر في حياته الاجتماعية لا يمكنه إعداد جيل يساهم في بناء الوطن، بل يمكن حدوث العكس تماما.

bull;بالنسبة للمناهج التعليمية في الجزائر، ماذا عن مكوناتها، والعوامل المؤثرة، وأين تصنفون موقع النظام التربوي الجزائري في النظام التربوي العالمي من حيث تطوره الكمي العددي والهيكلي؟

ـ المناهج التعليمية في الجزائر لا تختلف كثيرا عما هو موجود في غيرها من الدول العربية فهي خاضعة لمقاييس غربية مع تأخرها عن التطور الذي يشهده التعليم في الغرب، بيد أنّه من حيث الكم العددي والهيكلي، فإنّ الجزائر تعتبر من الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال.

bull;كيف تتصورون راهن وأفق منهجية تعليمية اللغات في الجزائر، وسبل تطوير النظرة البيداغوجية الساعية إلى ترقية الأدوات الإجرائية في حقل التعليمية؟

ـ تعليم اللغات في الجزائر لا يتماشى والمتطلبات العصرية، والحجم الساعي المعدّ لها غير كاف، فمثلا في الابتدائي نجد الحجم الساعي للغة العربية والفرنسية ضعيفا مع ضعف مهارات الحفظ بقلة المحفوظات والقصائد، وكذا ضعف مهارة التعبير والتخيل بقلة حصص الإنشاء والتعبير مما يؤدي إلى ضعف مستوى اللغة، ذلك أن هناك موادا أخرى تزاحم هذه المهارات، والمفروض في المرحلة الابتدائية هو التركيز على اللغة لتمكين التلميذ من هذه الوسيلة التي بها يستقبل باقي المواد، والشيء نفسه يقال عن اللغات الأجنبية الأخرى في الأطوار اللاحقة، ثم إنّ انعدام المكتبة والأدوات التكنولوجية الأخرى يؤثر سلبا في مستوى الأداء.

bull;ضجة كبرى ثارت خلال السنوات الأخيرة حول المدارس الخاصة، سيما أولئك الأجنبية بالجزائر كالمدارس المصرية والسعودية والفرنسية، هل تقدرون كخبيرة بأنّ هذه المدارس تدور في فلك مغاير لما هو متداول محليا، وما منظوركم للمناهج المتبّعة من طرف هذه المدارس ومستوى تناغمها مع مناهج المدارس المملوكة للحكومة؟

ـ المدارس الخاصة نوعان:
أzwnj;-العربية: وهي أقل خطورة نظرا لتقارب المناهج ماعدا تلك التي تعمل لأغراض مشبوهة مثل ما حدث في المدرسة العراقية في شقيقتنا المغرب الأقصى، لذلك لابدّ من خضوع هذه المدارس العربية إلى رقابة وزارة التربية والتعليم.
بzwnj;-الغربية: وهي الكارثة والسلاح الجديد للعدو، تصوروا تلميذا يتخرج بعد أكثر من 12 سنة من التعليم لا يعرف اللغة العربية، ولا تاريخه القومي بل ولا يحس بالانتماء إلى هذا الوطن، وهذه المدارس يجب غلقها نهائيا، باستثناء تلك الخاصة بأبناء الجالية الغربية في الجزائر.

bull;كلام كثير قيل عن مسار الإصلاحات التربوية في الجزائر منذ اعتمادها رسميا سنة 2004، ما تقييمكم للعملية؟ وهل صحيح أنّ خطة الإصلاح المعتمدة تفتقد إلى معالم وتقوم على التجريب والحشو لمناهج طبقت في فرنسا خلال فترة سابقة؟

ـ الإصلاحات المعتمدة لم تكن إصلاحات جذرية بل كانت تغييرات سطحية غيّرت بعض الشكليات، فالمناهج مازالت تعاني من الحشو والتلفيق، وتقتفي أثر المناهج الغربية الفرنسية منها بالخصوص، والتي تجاوزها الزمن، فالمدرسة الجزائرية للأسف مازالت مشتلة تجارب وهذا يفقدها الاستقرار والصدقية ويجعل مستوى الأداء ضعيفا.

bull;هل تؤيدين الأصوات المنادية بخصخصة التعليم في الجزائر؟

ـ أنا لست مع خصخصة التعليم جملة وتفصيلا إنما أدعو إلى فسح المجال للقطاع الخاص ليساهم في تطوير التعليم في بلادنا كما أنادي بإصلاحات جذرية إيجابية لإيجاد منظومة تعليمية جزائرية نابعة من قيم وثقافة المجتمع الجزائري العريق، تعمّق الاعتزاز بالتاريخ الوطني والتمسك بالهوية الوطنية، وتجعل المتمدرس مرتبطا بقومه، معايشا لأحواله فيكون تعليمه في سبيل التغيير والتطوير نحو الأحسن، تحقيقا لمنظومة تساهم في بناء الأمة وتعيد لها قيمة الأستاذية التي كانت لها من قبل.