لايرى الكثير من الناس في العراق ان تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة يمكن ان تكون بديلا ناجحا للكثير من العادات والتقاليد الرمضانية العريقة ، فهذه التقنيات وان حلت محل الكثير من الظواهر الفلكلورية التقليدية الا أنها لن تكون بالنكهة المحلية الاصيلة ذاتهاالتي توارثها الناس منذ أقدم الأزمان .

تقول ام ايمن (ربة بيت) انها تفتقد صوت المسحراتي كثيرا ، وتتمنى ان تسمعه كل ليلة رغم عدم حاجتها الحقيقية له بسبب امتلاكها موبايل يمكنها توقيته حسب وقت السحور . وتؤكد أن المسألة روحية أكثر منها حاجة الى التقنية الحديثة ، داعية الى التشبث بالعادات والتقاليد لأنها تمثل هوية الأمة . ورغم ان المسحراتي محمد حسن يجول الازقة القديمة في مدينة الحلة في محافظة بابل(100 كم جنوبي بغداد) ، الا انه يرى ان عمله أصبح رمزيا أكثر منه حاجة ، مؤكدا ان أغلب الناس تدعوه الى الاستمرار وعدم التوقف .
ويبدي الكثير من العراقيين استياء من انحسار الأجواء العائلية والروحية التي تمثل خصيصة فريدة للشهر الفضيل .
ويرى سعد المولى (معلم متقاعد) ان العادات الاجتماعية والدينية والتي تتجسد في صلة الرحم والزيارات المتبادلة بين الاقرباء والجيران ، وتنظيم الدروس الدينية ، وتقديم المساعدات لذوي القربى والمحتاجين ، ما كان لها ان تنحسر ، على حد قوله ، لولا التهاون المجتمعي أمام مظاهر الانفتاح التي تركت آثارا سلبية خطيرة في المجتمع. ويشير المولى الى ان مظاهر الانفتاح غير المدروس تترسخ لدى الجيل بسبب غياب دور الاسرة في التربية ، ما يؤثر في درجة استفادة الصائمين من هذا الشهر. لكن مهدي حسن ( 70 سنة ) ، يرى ان ما يميز رمضان هو طقوسه الخاصة به ، وانه يتحسر على الايام الخوالي من رمضان التي كانت تجمع الناس في الأحياء والحارات وكأنهم أسرة واحدة .
وينتقد مهدي الظواهر الجديدة في المجتمع التي اقتحمت عالم رمضان داعيا الى الحرص على المحافظة على العادات والتقاليد ، والعمل على إحياء الطقوس التي اندثرت او التي تتعرض الى الانحسار الان . ويؤكد مهدي انه نبه ابناءه الى ضرورة عدم اللجوء الى التقنيات الحديثة في طقوس رمضان الا للضرورة القصوى . ويتابع : بعض ابنائي يسهرون خلف الحاسوب الى الفجر ، كما يشاهدون التلفاز لساعات متأخرة من الليل.
لكن الشاب احمد كامل يرى ان تيار الحداثة الجارف هو الاقوى والاكثر قدرة على البقاء مؤكدا انه سعى مع مجموعة من أصدقائه الى السهر في البيت بعيدا عن التلفزيون والحاسوب ، ونجحوا في ذلك عدة ايام ثم ما لبث ان تفرق الجمع لعدم قدرته على تغيير اسلوب حياته الذي اعتاد عليه . وفي الكثير من المقاهي التي تحرص على تقديم فعاليات خاصة في رمضان فان الموبايل والتلفاز والحاسوب ومواقع التواصل الاجتماعي صار هو الطابع الذي يميز رمضان ليتحول الشهر الفضيل الى رقم في العالم الافتراضي الذي يعيشه شباب العصر.
غير أن بعض الشباب ممن لا يعبأ لأهمية الحفاظ على الهوية يرى ان وجود بعض الظواهر مثل المسحراتي في رمضان ، يبعث على السخرية لعدم الحاجة له . ويقول ابو هادي ( 65 سنة ) ان هؤلاء غالبا ما يكتشفون الخطأ حين تتحول حياتهم الى عالم مادي خال من الحميمية والتآلف الاجتماعي الذي ميز المجتمع العراقي على مر الازمان . من جانب آخر يشير معن الخفاجي الى ان الكثير من الأكلات الشعبية والحلويات والفطائر اضافة الى المشروبات التقليدية بدأت تنحسر امام الحلوى المستوردة والجاهزة والمشروبات الغازية .
كما تنتقد سعاد الجصاني ( مدرسة ) تحول رمضان لدى البعض الى متعة رقمية حيث يقضي الصائم جل وقته في المواقع الاجتماعية الرقمية ليحول رمضان الى شهر للمتعة فحسب . وتأمل سعاد ان لا تختفي صورة رمضان التقليدية بمرور الزمن داعية كل فرد في المجتمع الى المشاركة الفاعلة في تعزيز رمضان التقليدي في معركته مع اجندة رقمية تحول الشهر الفضيل الى ظاهرة افتراضية فحسب.