quot;أنت في حاجة إلى 40 يوما على الأقل، لزيارة مدينة إسطنبول كاملةquot;... بهذه الكلمات أشار صديقي التركي هارون كوكن إلى الآثار التاريخية الكثيرة لمدينة إسطنبول، خلال أول زيارة لتلك المدينة العريقة التي تقبع على جانبي باسفورس لتكون جسرا بين قارتي أوروبا وآسيا.


اسطنبول تلك المدينة التي تجذب إليها السياح المسلمين بكثرة في شهر رمضان المبارك تعد من المدن المثالية لامضاء سياحة رمضانية هادئة بين ثنايا مساجدها العريقة وأزقتها القديمة. تقع مدينة إسطنبول القديمة على الجانب الأوروبي منها.

كما أن ذلك الجزء من إسطنبول يؤوي المصانع والمعامل. ويربط بين جانبي المدينة جسران على باسفورس، بينما يتدفق المرور تدفقا من الجانب الشرقي إلى الغربي في الصباح ويحدث العكس في المساء إذ العمال يعودون إلى مساكنهم في المنطقة الشرقية.

ولا غرابة في هذا الأمر، إذ أنه يحدث في جميع المدن الصناعية أو الكبرى في كل مكان من العالم؛ لكن الأتراك حاولوا حل مشكلة الزحام المروري على البسفور، بتخصيص مسار إضافي للمرور من الشرقية إلى الغربية في الصباح والعكس في المساء. وذلك ما يقلل من معاناة المواطنين وتوفير الوقت. كما لا تفوت الإشارة إلى أن مدينة إسطنبول تقدم خدمات نقل ممتازة للمواطنين والسياح الذين يختارون التنقل بوسائل النقل العام، حيث توجد خدمات القطار في مناطق مختلفة إضافة إلى الترام ومترو الحافلات.

وبعد قضاء أربعة أيام في إسطنبول، تأكدت من أنه لا يمكن زيارة مدينة إسطنبول خلال أيام، لأنها كتاب مفتوح للتاريخ. فأينما تروح وتحل، سترى موقعا أثريا. وذلك ما يتضح من نظرة واحدة على الخريطة السياحية للمدينة. ولا أريد أن أذهب بعيدا في تاريخ إسطنبول؛ إلا أنه من الضروري أن نشير إلى أن الآثار التاريخية تدل على أن بعض مناطق تلك المدينة العريقة كانت مأهولة قبل 6000- 5000 سنة قبل الميلاد. وأنها شهدت تحولات تاريخية كثيرة آخرها كان فتحها على أيدي السلطان محمد الفاتح عام 1453م. وذلك الفتح أيضا كانت حادثة فريدة في التاريخ حيث جر الجيش العثماني السفن على البر للدخول إلى البسفور من وراء تحصينات الرومان.

متحف بانوراما


يقال إن منطقة فاتح من إسطنبول حيث تقع بقايا سور المدينة القديمة التي كسرها العثمانيون لفتح إسطنبول، كانت منطقة قذرة قبل فترة، إلا أن بلدية إسطنبول حولتها الآن إلى متحف فريد من نوعه في العالم، بينما تحيط المتحف حديقة جميلة تستقطب الزوار من المحليين والسياح من جميع فئات العمر. ومن الغريب أن هذا المتحف قائم في قاعة واحدة على سطح مبنى المتحف بارتفاع 14 مترا فقط. وتم تجسيد مشاهد فتح إسطنبول داخل تلك القاعة التي تبدو ميدانا فسيحا بفضل استخدام اللون الأزرق. وتم إعداد تلك المشاهد بتركيب 10 آلاف رسم وصورة وقطعة أثرية.

وكل من يدخله يجد نفسه في ميدان القتال حيث تدوي المدافع وتقرع الطبول وتسمح الموسيقى العسكرية، والجنود يتسلقون جدران القلعة وتلقى عليهم النار في فوقها وتكسر الجدران... والسلطان الفاتح يتصدر قواته ممتطيا فرسا أصيلا ملوحا بسيف مصيقل مسلول... حقا لا يمكن وصف (بانوراما 1453) بالكلمات، بل أرى أنه إذا لم يكن لزيارة إسطنبول أي داع، يكفي أن تكون زيارة بانوراما دافعا لها.

المآذن والقباب والمتاحف

ومن المعروف أن مدينة إسطنبول تسمى مدينة المآذن. وهو لقب تستحقه بجدارة، إذ أنك لا تمر بمكان وأنت تشهد مئذنة ترنو إلى السماء. والأمر الثاني أن جميع تلك المآذن على نمط واحد رغم اختلافها في أحجامها، بينما يتم إنشاء المآذن الجديدة بالخرسانة، في حين كان الأجداد يشيدونها بالأحجار. ومن أشهر مساجد إسطنبول التاريخية: مسجد السليمانية والمسجد الأزرق والمسجد الجديد ومسجد السطان أحمد ومسجد الأمير ومسجد أيا صوفيا -الذي تم تحويله إلى متحف بعد أن كان مسجدا لخمسة قرون- ومسجد دولما باغجة ومساجد أخرى، علما أن المهندس العثماني الكبير معمار سنان هو من وضع الخطة الأساسية لذلك النمط من المساجد. وقبره خارج مسجد السليمانية. ومن أشهر متاحفها متحف (توب كابي)- وتوب كابي يعني بوابة المدفعة- ومتحف أيا صوفيا ومتحف بانوراما ومتاحف تاريخية أخرى.

والأمر المستحسن في هذا الصدد، هو أن بلدية إسطنبول تقوم برعاية تلك الآثار التاريخية بكل عناية وتستمر عملية الترميم والتصليح لها، مع الحفاظ على أدق تفاصيل التصميم المعماري. كما أن الزخرفة العربية في المساجد تبهر الزوار، رغم أنه تم إلغاء الحرف العربي منذ عام 1929. ولا تزال إسطنبول مسحورة بالخط العربي الجميل. وفي الحلقة القادمة سنلقي ضوء على هذا الجانب.