مالو ونبراس
BBC
مالو ونبراس

"لم يكن هروبي من عناصر ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وزواجي من خطيبي الذي انتظرني 10 سنوات، نهاية المعاناة التي عشتها، بل كانت بداية لنوع آخر من المعاناة، إنه عقاب المجتمع من خلال نظرته السلبية وحكمهم على الناجيات من عناصر التنظيم"، هكذا بدأت الإيزيدية نبراس ذات الـ 28 عاماً حديثها مع بي بي سي. فما هي قصة انعزالها مع زوجها في ألمانيا؟

لا يزال شبح ما حدث لها عندما كانت سبية لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" يلوح أمام عينيها من خلال نظرة المجتمع السلبية للفتيات الناجيات من عناصر التنظيم، الذي "يساوي بين المرأة المغتَصَبة وبين بائعة الهوى"، كما وصفت نبراس.

فهي وزوجها ضحيتان لنوع آخر من السبي، ضحايا عادات وتقاليد المجتمع الذي لا يرحم المرأة ويضيف على معاناتها معاناةً، ويلقي باللائمة عليها وعلى الرجل الذي يرتبط بامرأة مرت بمثل هذه التجربة.

كان ذلك في يوم "النكسة الكبرى" كما تصفه نبراس، في الـ 15 من أغسطس/آب 2014، عندما قُتل الرجال وسيقت أكثر من خمسة آلاف امرأة إيزيدية من قبل عناصر التنظيم إلى سوريا، في محافظة الرقة التي كانت معقل التنظيم حينها.

لقد سُبيت نبراس مع جميع أفراد أسرتها المكونة من خمس أخوات وأربعة إخوة ووالديها وجدتها.

نادية مراد: من "الاستعباد" إلى نوبل للسلام

إيزيديتان فرتا من تنظيم الدولة تفوزان بأرقى جائزة للحرية في أوروبا

عثور السلطات العراقية على المقبرة الجماعية التي دُفن فيها الضحايا لإيزيديين في بلدة كوجو الإيزيدية بسنجار في أغسطس/آب 2014
Getty Images
عثرت السلطات العراقية على المقبرة الجماعية التي دُفن فيها الضحايا لإيزيديين على أيدي ما يعرف بتنظيم الدولة أثناء دخولهم لبلدة كوجو الإيزيدية في سنجار في أغسطس/آب 2014

هروب

نجحت نبراس بالهرب برفقة ثلاث فتيات أخريات وامرأة مع أربعة من أطفالها، بعد أن قضت أكثر من أربعة شهور في الرقة بسوريا.

اتجهن سيراً على الأقدام عبر البرية إلى الحدود التركية، ثم دخلن الحدود العراقية عند حدود محافظة دهوك بإقليم كردستان.

وبعد أن حققت السلطات هناك معهن، جاء ابن عم والدها الذي كان يعيش في تلك المدينة واستلمها من مركز الشرطة.

وعلمت نبراس وقتها بهروب أختين لها أيضاً من أيادي التنظيم وسافرتا إلى ألمانيا، كما التقت باثنين من أشقائها اللذين نجيا من التنظيم، ويقيمان حالياً في قضاء كوجو في سنجار مع والدها.

إلا أنها لا تعلم شيئاً عن اثنتين من أختيها واثنين من أخويها ووالدتها وجدتها، وتقول إنها شبه متأكدة من أنهم قتلوا جميعاً وخاصة بعد اكتشاف المقبرة الجماعية وإرسال رفات جميع الضحايا إلى المخابر لتحديد هوياتهم، كما أن التنظيم تلاشى في سوريا والعراق.

إلا أن والدها لم يخبرها بالحقيقة، ربما بسبب خوفه عليها من تعرضها لنكسة جديدة بحسب قولها.

ورغم نبرة الحزن التي ترافق حديثها المتقطع، وخوفها من الاختلاط بالمجتمع الذي قد يؤذي مشاعرها بطريقة ما، إلا أن الابتسامة لا تفارق وجهها طوال حديثها مع بي بي سي.

انعزال

لا تتحدث نبراس ببساطة عن هذا الأمر، فهو مؤلم جداً بالنسبة لها، وتتجنب الحديث عن فترة أسرها لدى عناصر التنظيم لسببين وهي الخوف من تعليقات المجتمع السلبية على تفاصيل تعرضها للسبي والنظرة المريبة إليها وزوجها. وألمها النفسي الذي تحاول التعافي منه منذ سنوات.

ويقول زوجها مالو ذو الـ 25 عاماً، "لا يمكنك تخيل نظرة الناس والمجتمع إلينا إن تحدثت نبراس عن تفاصيل ما قام به عناصر التنظيم فترة احتجازها لدى التنظيم، فالمجتمع هنا يعلق كثيرا على الأحداث التي تعرضت لها فتيات في وضع نبراس بطريقة سلبية وأصبحت الثرثرة السلبية بين أفراد المجتمع أكثر بكثير مما قد تبوح به امرأة ناجية لوسائل الإعلام عن تفاصيل ما جرى لهن".

ويتنهد مالو لبرهة ويضيف: " إنهم يساوون بين من سبيت رغماً عنها وبين من تبيع جسدها بإرادتها، يتجنبون الزواج منهن، وينظرون إلى الرجل الذي يتزوج امرأة تعرضت للاغتصاب أو سُبيت على أنه رجل عديم الكرامة أو أي صفة سيئة قد يخطر في بالك".

لذلك، قرر الاثنان الانعزال عن المجتمع في منطقة بعيدة أغلبيتها من الألمان، لتجنب تلك التعليقات والتلميحات والنظرة المريبة إليهما.

شاهد أيضاً: أخوات إيزيديات يروين قصتهن مع تنظيم الدولة

أمل وحزن

كانت نبراس قبل أسرها من قبل التنظيم مخطوبة لشاب إيزيدي يُدعى مالو منذ عام 2008، وكانت على وشك الزواج عندما أسرت، لكن مالو لم يفقد الأمل بعودتها، وعندما حررت نبراس نفسها من عناصر التنظيم، ولجأت إلى ألمانيا حيث سبقتها أختيها قبلها في منتصف عام 2015، وبعد عامين من حصولها على الإقامة هناك، عادت إلى بلدتها كوجو في سنجار وتزوجت من خطيبها مالو الذي لحق بها إلى ألمانيا حيث يعيشان في الوقت الحالي.

ويحاول الاثنان الاندماج في الحياة الجديدة، ويدرسان اللغة الألمانية لبدء مرحلة جديدة من حياتهما.

وأكثر ما يبهجهما حالياً هو أن نبراس بانتظار أن تضع مولودها الأول الشهر المقبل، وتعتبره فرصة لبداية جديدة منحتها الأقدار.

لكن الحزن لا يفارقها بسبب ذكرياتها المريعة في الرقة وفقدانها لأختيها وشقيقيها ووالدتها وجدتها متخيلة حجم الألم الذي عاشوه قبل رحيلهم عن هذه الحياة.