فيلبانت (فرنسا): بين ناطحات السحاب والطرق المزدحمة، يلعب أطفال أمام أنظار أهلهم في متنزهات الضاحية الشمالية-الشرقية لباريس حيث المساحات الخضراء العامّة لا تساهم فحسب في نموّ هؤلاء، بل تشكّل أيضًا عنصراً مهماً في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
هذا الموقع الفريد من نوعه في أوروبا والذي يضم 15 متنزهًا وغابة في ضاحية سين سان دوني الباريسية، مُصنّف ضمن شبكة ناتورا 2000 على غرار أكثر من 27500 محميّة طبيعية داخل الاتحاد الأوروبي. إلّا أن فرادة هذا الموقع تحديدًا ترتبط بكونه يقع بالكامل في منطقة حَضريّة ذات كثافة سكانية عالية.
وستكون مكانة الطبيعة داخل المدن محور نقاش خلال المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الذي تستضيفه مدينة مرسيليا الفرنسية اعتباراً من الجمعة.
وتسعى سين سان دوني التي تعتبر المنطقة الأكثر فقرا وذات معدّل الأعمار الأصغر في فرنسا، إلى حماية اثني عشر نوعًا من الطيور بعضها مهدّد بالانقراض.
وتقول مديرة الطبيعة والمناظر الطبيعية والتنوع البيولوجي في مجلس مدينة سين سان دوني غاييل ستوتزنباخ إنّ هذه المحافظة على التنوع البيولوجي تمثّل "رهانًا مزدوجًا" نظراً إلى خصوصية هذه البيئة وتفتت المواقع التي تضم المناطق الرطبة والحرجية.
ويعشش بعض هذه الطيور بشكل دائم فيما يهاجر بعضها الآخر وخصوصًا "الأكثر هشاشة وحساسية تجاه البيئة" منها، بحسب ستوتزنباخ التي تؤكّد أن الهدف هو "التمكن من الحفاظ على هذه المجموعات الهشة"، وحتى جذب أنواع جديدة من هذه الحيوانات، من خلال الحفاظ على الأماكن الطبيعية أو شبه الطبيعية.
ويوضح مدير متنزه "سوسيه" فينسان جيبو أن "هذه المساحات شبه الحضرية هي منطقة هبوط طارئ" بالنسبة للطيور المهاجرة.
ويركّز جيبو منظاره على المسار السريع لطائر صغير بمنقار طويل وبطن أصفر يطير إلى جانبه، ملاحظاً أنّ الطير هو من نوع "مالك الحزين" الأوروبي الذي لا يوجد منه في هذا الموقع إلّا ما يقلّ عن ستّة أزواج فقط.
ويضيف جيبو "نحن محظوظون لرؤيته"، شارحاً كيف أنّ منطقة المستنقعات التي تزيد مساحتها عن هكتار واحد، أنشأها مهندسو المواقع قبل نحو أربعين عامًا، وأصبحت اليوم "مكانأً برياً وسط منطقة مخصصة بشكل خاص للترفيه والألعاب، غالبًا ما يجهل الأشخاص الذين يأتون للنزهات فيها" ما يوجد وراء الشجيرات التي تحميها.
ويُدار الموقع، بحسب جيبو، على أساس أنّه بيئة طبيعية "لا يُدخل إليها إلّا في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر لأعمال الصيانة، أي في الفترة التي تسبق رحيل الطيور الصغيرة وعودة الطيور المهاجرة"، من أجل ضمان الحفاظ على أفضل ظروف استقبال الطيور.
ومن أبرز التحديات التي تواجهها حديقة "سوسيه"، إلى جانب ضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي، تعايش هذه الطيور مع سكان هذه الضواحي الباريسية حيث المساحات الخضراء تُشكّل المتنفّس الأساسي للسكّان.
وتشدّد ستوتزنباخ على أنّ ضاحية سين سان دوني تبحث "عن إدارة متناغمة" للمحميات الطبيعية من خلال "التوفيق بين الاستخدامات"، وخصوصًا بعد أنّ زادت نسبة زيارات الحدائق العامة 30 بالمئة عقب فرض أوّل إغلاق عام جرّاء جائحة كوفيد-19.
ويستقبل الموقع التابع لشبكة ناتورا 2000 تلامذة المدارس والمجموعات وعامّة الناس.
ويقول رئيس رابطة حماية الطيور آلان بوغران دوبور الذي ينظّم زيارات إلى موقع سين سان دوني إن "البيئات الحضرية تتمتع بإمكانات هائلة للتعافي" بالنسبة للتنوع البيولوجي.
ويرى ضرورة "تطوير هذا النوع من الفضاءات من خلال (...) ترتيبات بسيطة شديدة الفاعلية ويمكن اعتمادها في كل مكان".
التعليقات