تطالب عائلات الضحايا النساء، من أمهات وبنات وأخوات، اللواتي قتلن على أيدي رجال مقربين منهن، بتغيير طريقة تعامل الشرطة والسلطات في بريطانيا مع العنف ضد المرأة، وإجراء تغييرات على الأحكام القضائية التي تصدر بحق الجناة، وتحسين مستوى استجابة هيئة الخدمات الصحية البريطانية والخدمات الاجتماعية مع شكوى ومناشدات الضحايا.

وقد التقت بي بي سي مع عائلات ثلاث ضحايا، وجميعها تحدثت عن الخذلان الذي تعرضت له فقيداتها على عدة أصعدة.

الشرطة أهملت اتصالات متكررة

في عام 2018 قتلت السوريتان خولة سليم وابنتها رنيم عودة في بلدة سوليهول الواقعة في مقاطعة ويست ميدلاندز، على يد جنباز تارين، زوج رنيم الذي انفصلت عنه.

وقد كشف تحقيق جرى هذا الشهر أن عدة إخفاقات من قبل شرطة ويست ميدلاندز في الاستجابة لشكوى رنيم ساهمت في مقتل السيدتين، وأشار إلى أن الشرطة رفضت التجاوب مع عدد من مكالمات الاستغاثة على الرقم الوطني للنجدة 999.

وفي ساعاتها الأخيرة، اتصلت رنيم عودة ست مرات بالرقم 999 بعد أن ضربها تارين في مطعم وتبعها هي ووالدتها إلى المنزل، لكن رجال الشرطة لم يستجيبوا ولم يصلوا إليهما في الوقت المناسب.

وفي المكالمة الأخيرة، التي استمع إليها التحقيق، سُمعت صرخات رنيم، وهي تتعرض للطعنات قبل أن يختفي الصوت.

وكانت رنيم قد أبلغت شرطة ويست ميدلاندز سابقا عن 10 حوادث عنف منزلي.

تقرير بريطاني يكشف عن إخفاق في محاسبة أفراد بالشرطة اتهموا بـ"معاداة النساء والعنصرية"

والآن تطالب نور نوريس، شقيقة خولة، بتغيير طريقة التعامل مع ضحايا العنف المنزلي، وتقول "منع مزيد من القتل في المستقبل مهم للغاية. ما رأيناه في حالتنا كان مفجعاً، وكان فشل الشرطة والقطاعات الأخرى فظيعا، كان مروعا. هناك نقص كبير في فهم العنف المنزلي" والتعاطي معه.

وأضافت "نحن نطالب بأن يكون هناك مزيد من التدريب على التعاطي مع العنف المنزلي، لكي يتمكن ضباط الشرطة من التعامل مع الأمر كمسألة خطيرة للغاية".

نساء تخشى الأعياد أكثر من أي وقت آخر

وتعتقد نور أن هناك نقصا فادحا في المعرفة داخل جهاز الشرطة بخصوص كيفية التعامل مع العنف المنزلي، بدءا بالذين يتلقون مكالمات النجدة وصولا إلى كبار الضباط.

وتقول نور إنه رغم اتصال ابنة أختها رنيم بالرقم 999، فإن ضباط الشرطة "لم يخرجوا إليها، مع أنه كان يهاجمها". وتضيف "لا أعرف ما الذي يتطلبه حدوث التغيير. هل هو موت مزيد من النساء؟ مزيد من العنف؟".

السجن 16 عاما عقوبة للقتل

في عام 2018 أيضا قتلت بوبي ديفي ووترهاوس التي كان عمرها 24 عاما على يد شريكها السابق، الذي هاجمها بسكين مطبخ في شقتهما في ليدز. أصيبت الشابة بـ 49 طعنة، وكانت قد استعدت لترك الشقة، وأعدت حقائبها.

المرأة التي رأت ما هو خلف الكدمات على أجساد النساء

لماذا تخفي المهاجرات العربيات معاناتهن من العنف المنزلي؟

وحكم على قاتلها بالسجن مدى الحياة مع إمكانية الإفراج عنه بعد 16 عاما، لكن والدة الضحية جولي ديفي تطالب بتغيير جوهري في الأحكام الصادرة على القتلة.

وتقول جولي "إذا جلب سلاح القتل من الخارج إلى مسرح الجريمة، فإن الحد الأدنى للسجن هو 25 عاما. أما إذا اعتبر أن السلاح كان موجودا في مسرح الجريمة، فالحد الأدنى للعقوبة هو 15 عاما. أي هناك تفاوت يبلغ 10 سنوات".

وتضيف "بترك الأمر كما هو عليه، فهذا يعني أن النساء اللواتي تزهق أرواحهن في المنزل، يكون ثمن حياتهن أقل بعشر سنوات. وهذا حكم قائم على النوع الاجتماعي. إنه معاد للنساء، وهو غير محق وغير عادل".

وقد وعدت الحكومة بإعادة النظر في التوجيهات الخاصة بإصدار الأحكام، لكن جولي تطالب بالمزيد. وهي تقول "لقد سمعنا أصواتا متعاطفة والكثير من الإيماءات، و'أوه، نحن نتفق معك'، هذا فظيع، هذا فظيع ".

وتضيف جولي "السياسيون لا يتخيلون أن هذا يمكن أن يحدث لهم. حسنا، إن ذلك يمكن أن يحدث تماما. ولو حاولوا لخمس دقائق فقط، أن يتخيلوا فعلا الألم المستمر الذي نشعر به، لو تخيلوا 'يمكن أن تكون ابنتي هي المرمية هناك'، فربما يبدأون في الاستماع، ويعملون حقا على إجراء هذه التغييرات".

من يحمي النساء من العنف المنزلي المتصاعد مع تفشي فيروس كورونا؟

تجاهل مخاوف وشكاوى

تقول أونجالي رؤوف إنها لم ترَ تغيرا يذكر منذ مقتل عمتها ممتحنة جنات عام 2011 على يد زوجها. كانت ممتحنة تُعرف باسم روما، وكان عمرها 29 عاما عندما خنقها زوجها بعد أن كان قد درج على إساءة معاملتها.

كانت هناك مشاكل بين الزوجين، وخلال جلسة استماع بخصوص حضانة الأطفال، قال القاضي لروما إنها "امرأة سخيفة" ردا على تعبيرها عن مخاوفها من أن يقدم زوجها على قتلها.

اليوم العالمي لوقف العنف ضد المرأة: من المسؤول عن زيادة العنف ضد المرأة العربية؟

هل يقتصر العنف ضد المرأة على العنف الجسدي والجنسي؟

وتقول أونجالي إن عمتها "حاولت طوال خمس سنوات ونصف إقناع الشرطة، والنظام القضائي، وهيئة الخدمات الاجتماعية الخاصة بالأطفال، بأنه رجل خطير. ولم يصدقها أحد. وفقط بعد صدور تقرير مراجعة جريمة قتلها، أدركنا أن الشرطة، وخدمات الأطفال، والأطباء، والمدرسة، كلهم كانت لديهم معلومات عن وضعها. لكن أيا منها لم تتبادل هذه المعلومات".

وتضيف "عندما ذهبت عمتي إلى المحكمة محاولة إقناع القضاة والمحامين بأن هذا الرجل خطير، لم يكن لديها دليل. حرفيا كان كلامها مقابل كلامه، على الرغم من أنهم جميعهم كانوا يملكون بعض المعلومات (عن سلوكه)".

وتعتقد أونجالي أنه كان هناك أيضا تمييز ضد عمتها. وتقول "إن العنصرية تترافق مع كراهية النساء للتقليل من أهمية العنف المنزلي، وبهذا يتفاقم التقليل من شأنه ويزيد عما هو عادة".

وتقول إنها انضمت إلى عائلات أخرى فقدت قريبات لهن "لنقول إننا لم نعد راغبين بمزيد من الانتظار". وتضيف "نريدكم أن تستمعوا إلينا، الأمر حرج ومصيري حقا".

Short presentational grey line
BBC

غالبا ما يكون القاتل رجلا

ووفقا لأحدث الإحصائيات الرسمية الخاصة بالجرائم، فقد قتلت 177 امرأة في إنجلترا وويلز ما بين أبريل/نيسان عام 2020 ومارس/آذار عام 2021

109 من هؤلاء الضحايا قتلن على يد رجل، في حين قتلت 10 نساء على يد امرأة، أما في 58 حالة فلم يكن هناك مشتبه به على وجه اليقين.

كما تظهر أحدث الأرقام أن 1.7 مليون امرأة تعرضن للعنف المنزلي خلال العام الماضي.

وشكلت العائلات الثكلى مجموعة عمل باسم "كيلد وومن" أي "نساء قتيلات" للقيام بحملات من أجل بذل المزيد من الجهود لحماية النساء وضمان العدالة للضحايا.

رنيم عودة (يسار) ووالدتها خولة سليم وبوبي ديفي
BBC
رنيم عودة (يسار) ووالدتها خولة سليم وبوبي ديفي قتلن عام 2018

وتضم هذه المجموعة أيضا عائلات كل من إيلي غولد، التي قُتلت عام 2019 على يد صديقها السابق، وسوزان فان هاغن التي قتلها شريكها عام 2013، وبيناز محمود التي قُتلت عام 2006 على يد والدها وعمها، وجان مصطفى التي قُتلت عام 2019 على يد متحرش جنسي مسجل، وجيما مرجورام التي قتلت عام 2020 على يد زوجها الذي انفصلت عنه.

وتقول مجموعة "نساء قتيلات" إنها تسعى إلى زيادة الوعي وتعزيز السياسات لمعالجة العنف الذي يصل إلى القتل ضد المرأة. وقد حصلت المجموعة على الدعم من قبل مؤسسات خيرية رائدة، وكذلك من قبل نواب من جميع الأطياف في مجلس العموم.

وتقول روث دافيسون، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "ريفيوج" الخيرية المعنية بالعنف المنزلي "أصوات الذين فقدوا أحباء بسبب عنف الذكور يجب أن تُسمع". وتضيف "إن إحباطهم وألمهم يجب أن يحفز صانعي السياسة على اتخاذ الإجراءات العاجلة اللازمة لحماية النساء".

الشرطة البريطانية تعتذر لأسرة رجل صومالي بعد 70 عاما من إعدامه ظلما

وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية إن التصدي لجرائم القتل المنزلي هو "أولوية رئيسية"، مضيفا "في مارس/آذار، نشرنا خطتنا لمعالجة العنف المنزلي، والتي تستثمر أكثر من 230 مليون جنيه إسترليني في معالجة هذه الجرائم المريعة". ويشمل ذلك 140 مليون جنيه لدعم الضحايا و81 مليون جنيه للتعامل مع الجناة.

وأشار المتحدث إلى أن الخطة تتضمن برنامجا لوقف العنف والقتل المنزليين، والاستثمار في هيئة الرعاية الصحية للمساعدة في التعرف على الضحايا وإحالتهن إلى الجهة المختصة بتقديم الدعم لهن.