حوار- حمد الدريهم*: تحاول المصورة والباحثة النمساوية أليكس شلايخر النفاذ بعدستها في وجوه الآخرين حول العالم؛ لتحاول إبراز ما يهمله المرء من مشاهد قد تبدو عادية للوهلة الأولى. التقيتُها؛ لأحاورها حول أعمالها: «قوس الجوركا: من نيبال إلى الجيش البريطاني»، و«حياة ساكنة»، و«مملكة مكنونة: شعب المملكة العربية السعودية» الذي جالت فيه مناطق المملكة؛ لتوثق وجوهًا متعددة تمثل أطيافًا من أفراد الشعب السعودي، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالفوتوغرافيا، فإليكم الحوار:

الحياة العادية في المملكة

● عندما بحثتُ في محرك البحث؛ كي أحصل على صورة شخصية لك، لحظتُ ندرتها مقارنة بصور مشاريعك، هل من المهم للمصور أن يُخفي نفسه خلف مشاريعه؟ وهل هناك رسالة ما؟

■ هذا السؤال يصلني كثيرًا. هناك بعض المصورين من يضعون أنفسهم في محور قصصهم الفوتوغرافية. بالنسبة لي، لا يناسبني. صورتي ليست مهمة في سياق مشاريعي، الذين أصورهم هم من يجب أن يكونوا في الضوء. أيضًا، النساء غالبًا ما يُحكم عليهن والتقليل منهن من خلال مظهرهن ولا أريد أن أكون جزءًا من تلك القصة.

● فيما يتعلق بمشروعكِ «مملكة مكنونة: شعب المملكة العربية السعودية»، ما الأسباب التي جعلتكِ تذهبين إلى المملكة؟ كيف رأيتِ ردود الأفعال؛ ولا سيما من السعوديين تجاه ذلك المشروع؟

■ وجدت أن الإعلام يصور شعب المملكة ضمن نطاق ضيق جدًّا وغالبًا تكون مقتصرة على أعضاء العائلة المالكة وإنتاج النفط أو فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان. لم يتحدث أحد قط عن الحياة العادية في المملكة، ولا يوجد شخص سأل أفراد الشعب السعودي عن حياتهم اليومية كيف تكون؟ عندما سافرت إلى المملكة، قوبلتُ بكثير من الدفء والانفتاح من قبل الرجال والنساء، وجدت أن السعوديين أنفسهم سئموا كثيرًا من تنميطهم في بعد واحد بواسطة الإعلام الغربي، يوجد كثير من الأحكام المُسبقة هنا؛ لذا أردت أن أُظهر أوجه التشابه في الإنسانية والقلب. بالإضافة إلى الاختلافات الاستثنائية والجميلة في الثقافة والتاريخ.

الصورة بين العفوية والتخطيط

● كيف تخططين لمشاريعك الفوتوغرافية؟ هل ترسمين سيناريوهات معينة في ذهنك لأجل الصور؟ وهل تلتقطين مئات الصور للمشروع الواحد ثم تختارين مع ما يناسب مشروعك؟

■ مشاريعي تبدأ دائمًا بفكرة مع انهماك في البحث؛ لكن البقية تكون عفوية جدًّا. معظم الأشخاص لذلك المشروع أتوا عبر أشخاص آخرين قمت بتصوير بعضهم في مدة قصيرة. أحيانًا أرى بعض الأشخاص في مكان عام؛ إما في مقهى أو فندق وأبدأ بالحديث معهم؛ لأنهم أثاروا اهتمامي. مشاريعي تميل للنمو عضويًّا وأحبها أن تكون كذلك. أحب المصادفات ولقاءات الصدفة. لا أميل لأخذ كثير من الصور؛ ولا سيما عندما أصور فِلمًا بدلًا من الرقمي. دائمًا يكون لدي فكرة عمّا أريد تحقيقه عندما أبدأ التصوير.

● في عصر شيوع التصوير الفوتوغرافي بالهاتف الجوال، هل قيمة المصور المحترف لا تزال كما هي من قبل أم تغيرت؟ ما وجهة نظرك؟

■ هذا سؤال رائع، لدي فكرتان حول هذا الأمر من ناحية المصورين، كل تدريبنا وتجاربنا لم تعد ذات قيمة كما كانت من قبل. ومن ناحية أخرى، أرى أنه من الرائع أن تلتقط صورة رائعة فإنك لا تحتاج لإنفاق كثير من المال؛ لذا معظم الناس أصبح لديهم القدرة على التقاط الصور وأصبح العالم أكثر ثراء بالصور. أرى كثيرًا من الصور المذهلة حقًّا في وسائل التواصل الاجتماعي والمُلتقطة بواسطة مصورين غير محترفين وأحب ذلك الأمر. الجانب السلبي في هذا الأمر أن معظم المصورين يكافحون لأجل لقمة العيش ومع خدمات تحرير الصور الرخيصة التي أصبحت في كل مكان، حتى في هاتفك المحمول، أصبح إصلاح الأخطاء سهلًا والمعرفة أصبحت أقل أهمية. بصورة عامة، أعتقد أن أي تقدم تقني له جوانبه السلبية؛ لكن هذا لا يجعله بالضرورة سيئًا. يجب علينا أن نتحرك مع الزمن ونتكيف ونجد السعادة في ذلك.

● يقول إيميت غوين: «التصوير الفوتوغرافي هو وسيلة للتعامل مع أشياء يومية يعرفها الجميع، لكنهم لا ينتبهون إليها. صوري، مقصودٌ منها أن تمثّل شيئًا ما، أنت لا تراه». من وجهة نظرك، ما التصوير الفوتوغرافي؟

■ لم أسمع بهذا الاقتباس من قبل؛ لكني أتفق معه ١٠٠٪. أحب صور إيميت غوين؛ لأنه متفرد جدًّا وأعماله الفوتوغرافية جميلة وغريبة وشخصية جدًّا. أنا أوافق تمامًا مع ما قاله. كما أن نهجي في التصوير الفوتوغرافي وفي قصصي أن أُظهر الناس والأشياء التي غالبًا ما يتم تجاهلها؛ على الرغم من أنها على مرأى من الجميع.

الكاميرا ليست مرآة

● في مشروعك «حياة ساكنة» كنتِ تركزين على الهشاشة والهامش في الطبيعة، ما هدفكِ من ذلك المشروع؟ هل هو متعلق بأثر التغير المناخي في الطبيعة؟

■ مشروع «حياة ساكنة» جاء مصادفة. أنا منجذبة إلى التصوير الشخصي، تصوير المناظر الطبيعية و«الحياة ساكنة» مثل عضلة لم أستخدمها كثيرًا، واجهتُ كثيرًا من التحديات، أحاول أن أعثر على عناصر مُهملة من الطبيعة أو يُمكن أن تُفقد بسهولة وأجد الجمال فيها، على عكس ما أفعله مع التصوير الشخصي.

● معظم مشاريعك تتعلق بالتصوير الشخصي، لماذا ذهبتِ إلى ذلك النوع من التصوير الفوتوغرافي؟ هل أردت توثيقًا أنثروبولوجيًّا للناس والمجتمعات حول العالم؟

■ هذا سؤال يسهل الإجابة عنه. وجدت أن أوجه الناس رائعة ومذهلة. لا أعتقد أن هناك شخصًا مملًّا أو وجهًا مملًّا في الخارج. أحاول أن ألتقط الجزء من الثانية الذي يُظهرُ الأشخاص كما هم في الواقع حيث أستطيع رؤية الضوء في دواخلهم.

● تقول دوروثي لانج: «الكاميرا أداة تعلم الناس كيف يرون بدون كاميرا»، بعد تجاربك، ما الكاميرا من وجهة نظرك؟

■ اقتباس جميل ومتبصّر لمصورة أحبها بشدة. عملها في التصوير الشخصي للمزارعين خلال حقبة الكساد العظيم في أميركا يعد عملًا أيقونيًّا ومؤثرًا جدًّا. باختصار، الكاميرا بالنسبة لي يفترض أن تكون نافذة ليست مرآة، إنها نافذة داخل روح شخص آخر؛ إن سمح لها بذلك.

التصوير في عالم متنوع

● بعد تجربتكِ في مشروع: «مملكة مكنونة: شعب المملكة العربية السعودية»، ما استنتاجاتك عن شعب المملكة؟

■ في كل مرة أتعرف فيها على أشخاص من ثقافات وبلدان مختلفة، أُصدمُ بمدى تشابهنا، وفي الوقت نفسه بمدى اختلافنا. أنا نمساوية نشأتُ على روح حس الدعابة الساخرة، وسررتُ أن هذا الحس المتشابه للتسلية والعبث في الثقافة السعودية. ضحكتُ كثيرًا مع الأشخاص الذين قابلتهم، كان أمرًا رائعًا. في أثناء ترحالي شعرنا بأمان لا يصدق، الأشخاص كانوا لطفاء وكرماء بأوقاتهم ومشاركتهم لقصصهم. الضيافة التي عشتها كانت مؤثرة، كنت أُدعى غالبًا لبيوت الناس لمقابلة عائلاتهم. وجدت أن تاريخ البلد جميل ورائع، أنا فخورة جدًّا لرؤية المملكة والتعرف على الأشخاص الذين التقيتهم.

● لديكِ تجربة في التقاط صور للحيوانات، بِمَ تشعرين في أثناء التقاطها؟

■ أحب الحيوانات والتقاط صور لها، إنها تجلب كثيرًا من البهجة إلي. نشأتُ في أرض زراعية وفيها كل أنواع الحيوانات من حولي. لا يختلف التقاط الصور للحيوانات عن التقاط الصور للأشخاص؛ إذ إن هناك مستوى معينًا من الثقة يتضمن عنصر عدم القدرة على التنبؤ.

● في مشروعك: «قوس الجوركا: من نيبال إلى الجيش البريطاني» التقطت صورًا شخصية لجنود متقاعدين. بعد تجربتكِ معهم، كيف ينظرون إلى الصراعات الماضية؟

■ بالنسبة لمشروع «الجوركا» أخذت صورًا جديدة للمجندين الشباب والمحاربين المتمرسين والجنود القدامى المتقاعدين. كانوا في مستويات مهنية مختلفة، المجندون الجدد كانوا حيويين وفضوليين؛ لكن قصص الجنود المتمرسين والمتقاعدين كانت مرعبة. هناك كثير من الصدمات المتراكمة. أعتقد أن الجنود يفرقون ويعزلون أنفسهم عما يفعلونه؛ لكن الصدمات تبقى في عقولهم وأجسادهم. أجريتُ محادثات عديدة حول الصراع الداخلي الذي يشعر به الجنود عندما يشهدون ويتواصلون مع المدنيين الذين يتعرضون للقصف والغزو والأذى. إنه أمر معقد جدًّا حتى بالنسبة لي أيضًا.

● زرتِ أفغانستان، هل يمكن أن تصفي تجربتكِ في ذلك البلد؟

■ كانت مفجعة! أفغانستان بلد تعرض للغزو مرات عدة عبر قرون، لم يُسمح له قط بتعزيز ثقافة أو تجربة السلام الدائم. الأضرار التي تعرض لها الشعب الأفغاني كانت مدمرة ومستمرة. الجوركا الذين صحبتهم هناك عبارة عن وحدات إرشادية من الشرطة، وظيفتها التدريس في الشرطة الوطنية الأفغانية. وجدت ذلك الاحتلال الذي استمر لعشرين عامًا بغيضًا. شجاعة بعض الأشخاص الذين التقيتهم منهم ضابطتان في الشرطة الأفغانية، كانت مذهلة.

كاميرا محايدة

● اليوم نشهدُ بعض الصراعات والأزمات حول العالم، من وجهة نظرك كيف يُمكن للمصور الفوتوغرافي أن يُبقي كاميراه على الحياد؟

■ لدي وجهة نظر معقدة حول تصوير الصراعات، غالبًا أشعر بالضيق عندما يستخدم المصورون صور القتلى أو الجرحى بدون الحصول على إذن من الأشخاص المعنيين أو عائلاتهم؛ لكنني أدركُ أن هذا دائمًا ليس سهلًا الحصول عليه. من ناحية أخرى، أعتقد أن تصوير الصراعات مهم حتى يرى الناس الضرر الذي يقع بواسطة الساسة الذين انتخبوا. بعض الأحيان، الغضب الشعبي يُحدث فرقًا؛ ولا سيما في أيامنا هذه. بكل تأكيد، الصحافيون والمصورون اعتادوا أن يكونوا محظورين في مناطق النزاعات، ويكونوا ظاهرين في ستراتهم الزرقاء؛ لكن في السنوات الأخيرة أصبحوا أنفسهم أهدافًا في مناطق النزاع، وهذا أمر مقلق للغاية. من ناحية الموضوعية، من المستحيل أن تكون محايدًا عندما تواجه المعاناة؛ لكن من وجهة نظري، من الضروري توثيق وإظهار ما تراه من دون محاولة التلاعب بالواقع للتأثير في الجمهور.

صور ومصورون

● هل هناك كتب أو أفلام معينة توصين بها للمصورين الفوتوغرافيين؟

■ هناك فِلْم اسمه: «Looking for Light» (البحث عن ضوء) حول أسطورة التصوير الشخصي، المصورة الإنجليزية جين باون التي أحب صورها. أن تكون مصورًا فوتوغرافيًّا يعني أن تعمل بشكل منفرد؛ لذا أحب رؤية كيف يعمل المصورون الآخرون. بالنسبة للكتب، بعض الكتب التي ألهمتني في السنوات الأخيرة مثل كتاب: «Sleeping By the Mississippi» (نوم على ضفاف الميسيسبي) لأليك سوث أو كتاب سالي مان «What Remains» (ما تبقى). أيضًا، غالبًا أتعمق في أعمال روبرت كابا لأسلوبه في رؤية الوجوه. المصورون المتفردون دائمًا على راداري؛ ولا سيما في الشرق الأوسط الذين أنتجوا أعمالًا مثيرة للاهتمام في العقدين الماضيين مثل المصورين اللبنانيين: رانيا مطر، وسامر معضاد، والمصور الفلسطيني المذهل أحمد جادالله الذي رأيت أعماله لأول مرة في معرض صور الصحافة العالمية.

● هل تتذكرين أصعب صورة الْتَقَطْتِها؟ ما قصتُها؟

■ التقاط الصور صعب لأسباب كثيرة. هناك صور شخصية أردت التقاطها بشدة وبطريقة صحيحة؛ لكن ظروف الإضاءة كانت سيئة جدًّا؛ لذا كنت أرتجل إلى حد بعيد. التقاط بعض الصور يكون صعبًا؛ لأن ما توجه إليه الكاميرا يؤلم القلب وأحيانًا يكون ذلك الشيء المؤلم مجرد عاطفة عابرة في وجه شخص ما.

من الناحية اللوجستية، أصعب الصور كانت الصور الجوية، تلك الصور مع الجوركا، ومع وحدات مكافحة الإرهاب النمساوية في أثناء تحليقنا بالهليكوبتر، أو في أثناء القفز بالمظلات. أكره الطيران وأخشى المرتفعات، وعلى الرغم من ذلك قمت بإكمالها من أجل القيام بعملي فحسب. لو أمكن، لن أسمح لأي شخص برؤية توتري، كانت تجربة غير مريحة.

● ما كلمتك الأخيرة في هذا اللقاء؟

■ شكرًا جزيلًا؛ لأنك اطلعت على عملي ولأنك سألتني هذه الأسئلة المعرفية الرصينة.

*المصدر: مجلة الفيصل