في حياة هايدي ميتكالف، ذكرى، أو بالأحرى لحظة فاصلة، باتت بمثابة ولادتها الثانية.
لم تكن لحظة وداعها لزوجها ومولودها الجديد، قبل نقلها إلى غرفة العمليات، ولا النوبة القلبية التي ظنّت أنها كانت تعاني منها وهي مستلقية على الطاولة.
كان ذلك عندما قام طبيب توليد "بانتزاع المشيمة" (البلاسنتا) خارج جسدها، دون كلمة أو تحذير. وتعرف ميتكالف، وهي ممرضة، أن ذلك التدخل - رغم أنه مؤلم للغاية - كان ضرورياً. لم تستطع الدفع بشكل طبيعي، ما تسبب في نزيف قد يكون قاتلاً.
لكنها لم تكن قد رأت ذلك الرجل أو التقته في حياتها، ولا يمكنها تجاوز حقيقة، أن موافقتها، خلال واحدة من أكثر التجارب إيلاماً في حياتها، "لم تكن تعني الكثير".
"شعرتُ بأنني منتهكة - كنت بحاجة أن أشعر أنني أشارك بما كان يحدث لجسدي، وألا تتمّ معاملتي كأنني متفرّجة".
ميتكالف هي واحدة من آلاف النساء الأستراليات اللواتي تقدمن لرواية قصصهن، بعدما جمعت الحكومة الفيدرالية فريقاً من الخبراء لمعالجة ما تسميه "كراهية النساء الطبية".
حتى الآن، اكتشف الخبراء أن نسبة مذهلة تصل إلى ثلثي النساء على مستوى البلاد، قد واجهن بالفعل تحيزاً أو تمييزاً جنسانياً في الرعاية الصحية.
وتقول كثيرات إن ذلك يحدث عندما يكنّ في أكثر حالاتهن هشاشة، مثل الفحوصات الحميمة، أو كما في حالة ميتكالف، أثناء المخاض. وتفيد أخريات بأن آلامهن تم تجاهلها أو تشخيصها بشكل خطير وخاطئ.
تحدثت بي بي سي مع ست نساء خلال إعداد هذا التقرير، شاركن تجاربهن عم وصفهنّ بأنهنّ "قلقات"، "متعجلات" أو حتى "هستيريات"، خلال سعيهن للحصول على العلاج لمجموعة من الأعراض المرهقة.
كما ذكرن أنهن شعرن بأنه يتم التعامل مع آلام الرجال في حياتهن بجدية أكبر.
"لا أشعر بالأمان"
قال طبيب في سنغافورة لنادية أكبر ذات مرة أن الإرهاق الشديد الذي كانت تعاني منه كان بسبب "التوتر" الناتج عن كونها أم عاملة.
وأظهرت الفحوصات في ما بعد أنها كانت تعاني من سرطان الغدة الدرقية. بعد سنوات، وبعد تعافيها وانتقالها إلى أستراليا، فشل موظفو مستشفى في ملبورن بتشخيص تمزق في غضروف مفصل الفخذ، وانزلاق غضروفي في ظهرها.
بدلاً من ذلك، رجّحوا أن الألم الشديد قد يكون مرتبطاً بـ"الاكتئاب" أو "الإرهاق الشديد". أدّى هذا إلى أن تدفع تكاليف باهظة من جيبها الخاص، بدل مسحَين بالرنين المغناطيسي، لكي تؤخذ على محمل الجد.
تقول: "لقد سمعت عبارة "أوه، ليس هناك شيء" مرات عديدة... إنه حقاً أمرٌ محبط كإنسانة أن تستمري بسماع ذلك".
تتابع: "يتطلّب الأمر الكثير من الطاقة للاستمرار في الدفاع عن نفسك، وهذا هو الجزء المقلق - الكثير من الناس يتوقفون عن المحاولة".
لورا - التي طلبت تغيير اسمها - كادت تصل إلى تلك المرحلة، بعد سنوات من تجاهل أعراض ما سيتم تأكيده في النهاية على أنه إصابة دماغية مؤلمة.
"لا أحصل على رعاية صحية إلا بوجود شريكي معي، هذه قاعدة عامة"، تقول، موضحة أنها تشعر بأن اهتماماتها تُعامَل بـ"جدية أكبر" عندما يتم التعبير عنها من قبل رجل.
تتابع: "أنا لا أشعر بالأمان في التعامل مع النظام (الصحّي)، لأنه عندما تكونين شابة ويُقال لك مراراً وتكراراً أن شيئاً ما هو ناتج عن تخيلاتك، فمن السهل أن تصدقي ذلك".
مثل كثيرات أخريات في جميع أنحاء البلاد، تقول كلتا المرأتين إنهما تتقدمان لمشاركة تجاربهما لاغتنام هذه اللحظة من التغيير الموعود.
تقول مساعدة وزير الصحة الأسترالية جيد كيرني التي ترأس المجلس الوطني المكلف بدراسة هذه القضايا - إن قصص عدد لا يحصى من اللواتي يواجهن حرماناً مضاعفاً في دول العالم الأول، مثل مجتمع الميم عين، ومجتمعات المهاجرين، ستساهم في عمل المجلس.
إن اختصاص فريقها واسع وقد ظهرت بالفعل مجالات واسعة له. لكن حل مشكلة عدم المساواة بين الجنسين في الطب ليس بالمهمة السهلة، وقد يكون لمحاولات أستراليا آثار بعيدة المدى، إذ تتطلع الدول الأخرى إلى إجراء إصلاحات ممثالة.
"نهج واحد يناسب الجميع"
المشكلة ليست أن "جميع العاملين في الرعاية الصحية لديهم أجندة معينة ضد النساء"، كما تقول كيرني. بل إن التحيز متأصل في نسيج الطب الحديث لأن الطب لقرون طويلة كان "يُقدَّم من قبل الرجال ومُصمم لهم".
صحة المرأة - على النقيض - كانت غالباً متجذرة في الخرافات والأنماط الجندرية المؤذية.
كانت "الهستيريا"، وهو مصطلح طبي قديم لم يعد مستخدماً الآن، تشخيصاً شاملاً للنساء اللواتي يظهرن مجموعة من الأعراض، مما يعني أن آلامهن كانت تُعزى إلى أسباب عاطفية بدلاً من البيولوجية.
لكن اليوم، تقول بعض النساء إنهن ما زلن يشعرن بالتلاعب والتقليل من شأنهن في البيئات الطبية.
ونقص التنوع في الأبحاث الطبية يزيد من تفاقم المشكلة.
أكثر من 70 بالمئة من المشاركين في التجارب السريرية في مراحلها المبكرة على مستوى العالم هم من الرجال البيض، في حين تُستخدم الخلايا والحيوانات الذكورية كمعيار في المختبر، وفقاً للبروفيسورة روبين نورتون، خبيرة الصحة العامة.
تُطبق النتائج بعد ذلك على النساء، وثنائيي الجندر، والعابرين جندرياً، والأشخاص ذوي التنوع الجندري، مما يسبب مشاكل في علاجهم وتشخيصهم وفهم أعراضهم، كما تقول نورتون.
وتصف ذلك بأنه نهج رعائي "موحد للجميع يركّز على الذكور"، مما خلق فجوات معرفية كبيرة.
في تحليل أجرته مؤسسة "نوفو نورديسك" لمركز أبحاث البروتين في عام 2019 - والذي استخدم بيانات من كامل سكان الدنمارك - تبيّن أن النساء يتم تشخيصهن في وقت متأخر عن الرجال. وشمل ذلك 770 مرضاً تمت دراستها، بمتوسط تأخير قدره أربع سنوات.
في أستراليا، وجدت أبحاث من جامعة سيدني في عام 2018 أن النساء اللواتي يدخلن المستشفى بسبب نوبة قلبية خطيرة نلن نصف احتمال الحصول على العلاج المناسب مقارنة بالرجال، وأنهن يمتن بمعدل مضاعف بعد ستة أشهر من الخروج من المستشفى.
وحذر العلماء من أن عائقاً آخر هو الاستثمار المزمن غير الكافي في القضايا الصحية الخاصة بالنساء.
يشار إلى الانتباذ البطاني الرحمي كمثال رئيسي. فرغم تأثيره على حوالي 10 بالمئة من النساء والفتيات في سن الإنجاب على مستوى العالم، لا يوجد له علاج، ويستغرق تشخيصه سبع سنوات في المتوسط.
وجدت دراسة حديثة أن 89 بالمئة من النساء الأستراليات ما زلن يتلقين نصائح من المهنيين الصحيين بأن الحمل سيحل مشاكلهن - رغم الأدلة المتزايدة على أنها مغالطة طبية.
ويقول الخبراء إن هذه الفوارق يتم التعرف عليها والتحقيق فيها على مستوى العالم - حيث تقارن البلدان الملاحظات حول النهج الأفضل.
على سبيل المثال، أعلنت المملكة المتحدة مؤخراً عن إجراءات تهدف إلى سد "فجوة الصحة الجندرية" في نظامها. وفي الولايات المتحدة، أطلقت الحكومة الفيدرالية مبادرة لتحسين التمويل والبحث في صحة النساء، بقيادة السيدة الأولى جيل بايدن.
تقول كيرني إن أستراليا تحقق بالفعل تقدماً كبيراً.
في الـ12 شهراً الماضية، افتتحت حكومتها 22 عيادة لعلاج الانتباذ البطاني الرحمي وآلام الحوض بهدف تحسين الرعاية والتشخيص. وقامت الجهة المنظمة للأدوية في البلاد بإزالة القيود على وصف وصرف حبوب الإجهاض الطبي لزيادة الوصول الشامل إلى الرعاية الصحية الإنجابية.
وسيتمكن الباحثون قريباً من دراسة كيفية تجربة الأمراض الرئيسية بين النساء، وثنائيي الجنس، والمجموعات ذات التنوع الجندري في مركز جديد تقوده البروفيسورة نورتون.
وهي متفائلة بأن عمل فريقها يمكن أن "يحفز النوع من التغيير في أستراليا الذي يمكن أن يجعلها رائدة في هذا المجال".
كما تم تخصيص بعض الاستثمارات في صحة المرأة في أحدث ميزانية وطنية. حيث تم تخصيص ما يقرب من 100 مليون دولار أسترالي (66 مليون دولار أمريكي؛ 52 مليون جنيه إسترليني) لأمور مثل تخفيض التكاليف التي يتحملها المرضى والمتعلقة بأمراض النساء، وكذلك الدراسات المتعلقة بانقطاع الطمث، وفقدان الحمل، والخصوبة. وكلها قضايا كانت تعاني من نقص التمويل تاريخياً.
لكن بينما رحبت المدافعات مثل بوني كوربين – رئيسة تحالف صحة النساء في أستراليا والتي تشغل أيضاً عضوية المجلس – بهذا الدعم المالي، فإنهن يعتقدن أنه غير كافٍ وأن على الحكومات المحلية أيضاً أن تتحرك.
"النظر من خلال عدسة الجندر على الرعاية الصحية يعني أكثر من تمويل الأمور المتعلقة بالثدي والرحم. نحن بحاجة إلى النظر إلى أجسام النساء ككل"، تشرح كوربين.
في الأشهر القادمة، ستصدر الهيئة الاستشارية للسيدة كيرني أول مجموعة من التوصيات الكبرى للإصلاح.
وتقول إنه ليس لديها نية لتقديم تدابير سطحية.
بل الهدف طويل الأمد هو إنشاء مخطط "لبناء نظام رعاية صحية يعمل فعلاً للجميع".
ورغم مشاركة وزيرة الصحة المساعدة في هذه المرحلة، تقول كوربين إن السؤال عن ما إذا كانت النصائح ستؤدي إلى تغيير دائم ما زال مفتوحاً.
وإذا لم يحدث ذلك، تلمح إلى أنه قد يكون هناك رد فعل عام.
"لقد حشدنا الكثير من النساء في هذه العملية – والآن نحن بحاجة إلى العمل."
- هل تُعيّن الشركات النساء في المناصب القيادية باسم "التنوع والشمول الجندري"؟
- الحمل الخفي: "كان عليّ أن استجمع حياتي في غضون أربعة أسابيع"
- ارتفاع أسعار "تأجير الأرحام" يثير المخاوف في جورجيا
- اختبار جديد يتنبأ باحتمالية عودة سرطان الثدي قبل سنةٍ من ظهور أعراضه
- دراسة تربط بين اكتئاب الولادة واضطرابات ما قبل الحيض
التعليقات