عقد في الكويت على مدى يومين، أمس واليوم، أول مؤتمر من نوعه، يبحث في تمكين الكفاءات الشبابية الكويتية ودعمها لتولي مناصب قيادية في الحكومة. وكشف المؤتمر عن جوانب الخلل في توظيف الكفاءات الوطنية، فأوصى بتعزيز التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لإصدار التشريعات اللازمة والكفيلة بتمكين تلك الكفاءات.
فادية الزعبي من الكويت: الاهتمام بالشباب ليس بجديد على الكويت، فقد بدأته منذ سنوات طويلة بالتركيز على التعليم وتنويع التخصصات، وأغدقت في إرسال البعثات الدراسية إلى شتى الدول، وفتحت القطاع الحكومي على مصراعيه لتوظيفهم، ولكن بعما غصّت الوزارات والهيئات الحكومية بموظفين فائضين عن حاجة العمل، ركزت في السنوات القليلة الماضية على تشغيل الشباب في القطاع الخاص، فعقدت المؤتمرات لذلك، وحثت على إقامة الشباب لمشاريع صغيرة ومتوسطة، وأنشأت صندوقًا يموّل تلك المشاريع، ودعمت شركات القطاع الخاص التي توظف مواطنين. ونشطت وسائل الإعلام بتقديم برامج تخصّ الشباب وتستضيفهم وتنير طريقهم لآفاق العمل الخاص والابتكار.
لكن تفشي ظاهرة عدم وضع الكفاءات الكويتية في الوظيفة أو القيادة المناسبة لتخصصهم أعاق الوصول إلى النتائج المرجوة من تلك الجهود التي بذلت في تعليمهم وتدريبهم. لهذا، وعلى مدى يومي أمس واليوم عقد "المؤتمر الوطني لتمكين الكفاءات"، الذي قال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير العدل بالإنابة الشيخ محمد العبد الله الصباح "إن المؤتمر سيثري الجهات المختصة بالأفكار الجديدة لدعم الكفاءات الوطنية ووضع القواعد الأساسية والمجردة لتولي الأكفأ من الشباب الكويتي للمناصب القيادية في الحكومية".
&
تفاهم بين السلطتين
أبدى الجانب الحكومي اهتمامًا واضحًا بإقامة هذا المؤتمر، فقد رعاه وحضره رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، وشارك وزيران من الحكومة في جلسة الحوار التي ختمت مساء اليوم أعمال المؤتمر.
ورغم أن ثلاثة نواب برلمانيين واجهوا الوزيرين بالخلل في عملية توظيفها للكفاءات الوطنية، وبتأخرها في وضع اللوائح التنفيذية لعدد من التشريعات التي صدرت، إلا أن التفاهم كان السمة السائدة بين السلطتين. وحينما وصف النائب الدكتور يوسف الزلزلة الفرق بين سرعة الإنجاز الحكومي والإنجاز التشريعي بالفرق بين سرعة سيارة متواضعة وقديمة، وسرعة سيارة جديدة وفخمة، رد عليه الشيخ محمد العبد الله الصباح بالقول إن كثرة التشريعات تحتاج وقتًا لوضع لوائحها التنفيذية، ولكن الحكومة الحالية تعمل على تسريع الإيقاع الذي كانت تسير عليه حكومات سابقة.
وقد أبرزت توصيات المؤتمر هذا التفاهم بين السلطتين، حينما تصدر التوصيات بنداً يطالب بتعزيز التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لإصدار التشريعات اللازمة والكفيلة بتمكين الكفاءات الوطنية.
خلل رغم الدعم
وكان وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير العدل بالإنابة الشيخ محمد العبد الله قد أكد في كلمته في بداية المؤتمر دعم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد للشباب وتحقيق طموحاتهم وآمالهم على كل الأصعدة، ليقوموا بدورهم المطلوب في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة.
وقال إن مثل هذه المؤتمرات واللقاءات ستثري الجهات المختصة بالأفكار الجديدة لدعم الكفاءات الوطنية ووضع القواعد الأساسية والمجردة لتولي الأكفأ من الشباب الكويتي المناصب القيادية في الحكومة بشفافية تامة، بعيدًا كل البعد عن الانتماءات المختلفة لتحقيق تطلعات أبناء هذا الوطن في العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في تولي المناصب، والوصول إلى الأهداف السامية والنبيلة، التي نسعى جميعًا إلى تحقيقها واستعادة الدوري الريادي والإقليمي للكويت، وإعادة بناء أدوار ومهام باقي أجهزة ومؤسسات الدولة في كل المجالات البشرية والاقتصادية والسياحية والتجارية والحرفية.
إلا أن مستشارة لجنة المرافق في مجلس الأمة المهندسة جنان بوشهري، تحدثت في بداية جلسات المؤتمر عن وجود إشكاليات رئيسية في تمكين الكفاءات، مشيرة إلى وجود بطالة مقنعة في القطاع الخاص، والى أن بعض القياديين يتم التجديد لهم أكثر من مرة، بسبب وجود ثقل سياسي لهم، إضافة إلى وجود حصص فئوية في تولي المناصب.
ودعت إلى تشخيص المشكلة بالطريقة الصحيحة للتوصل إلى حلول حقيقية لها. وأكدت أن الكويت تعاني من ترهل إداري وعقبات كثيرة في وجه الكفاءات الشابة، وأن مخرجات التعليم ليست بالكفاءة المطلوبة، على الرغم من الصرف العالي على التعليم في الكويت. مبينة أن خطة التعليم يجب أن تتوافق مع الخطة الاقتصادية.
فيما تحدث مدير إدارة المشروعات الصغيرة في برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة المهندس فارس العنزي عن البديل الاستراتيجي كمنهجية لمعالجة الاختلالات الوظيفية، عارضًا أرقامًا تبيّن هيمنة الوافدين على سوق العمل في القطاع الخاص. وأكد العنزي على ضرورة التركيز على البديل الاستراتيجي لتدارك الوضع الحالي، مشيرًا إلى أن المشروعات الصغيرة تساهم في مواجهة الخلل الموجود في التركيبة السكانية.
أهمية المؤتمر
من جانبه، ثمّن أمين سر مجلس الأمة والمنسق العام للمؤتمر يعقوب الصانع جهود السلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء، لحرصها على تنظيم هذا المؤتمر، الذي يأتي تتويجًا للتعاون الصادق بين السلطتين، ومكمّلًا لأعمال لجنة تنمية الموارد البشرية من أجل المعالجة الشاملة لقضايا الاختلالات الوظيفية ووضع منهجية علمية وفقًا لأعلى المعايير المطبقة في الدول الأكثر تقدمًا لتحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص العمل للكوادر الوطنية.
وقال إن ذلك كله يأتي من خلال محاور المؤتمر، التي تتركز في إيجاد البديل الاستراتيجي كمنهجية علمية لمعالجة الاختلالات الوظيفية، وتعظيم دور القطاع الخاص للمساهمة في عملية التنمية، وإيجاد فرص العمل، إضافة إلى تحقيق ديناميكية تعليمية تلبّي حاجة ومتطلبات سوق العمل، ووضع المعايير العادلة والشفافة لاختيار القيادات وتمكين الكفاءات لقيادة عجلة التطوير ومعالجة خطط الإحلال، بما يراعي واقع ومتطلبات حاجة سوق العمل. إلى جانب رسم معالم الخطة التشريعية التي تمكن الكفاءات الوطنية وتسهم في دفع عجلة التنمية.
وأكد على أهمية تعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية بغرض الوصول إلى الممارسة الأمثل للديمقراطية، بما يصب في مصلحة الوطن والمواطن، وهو ما تشهده البلاد في الآونة الأخيرة، والذي لا يخفى على أي منصف، بعدما كنا نعاني من أزمات متلاحقة بشكل متواصل ومستمر جراء محاولات التقول على هاتين السلطتين، وما أدى إليه من تزايد ملحوظ في حدة الأزمات.
وقال الصانع إن ما نشهده في هذا المؤتمر من إسهام ومشاركة من الجميع هو تعبير صادق عن حرص السلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس الوزراء، على استمرار هذا التعاون البناء ووفق منهج مدروس، سوف يؤتي نتائجه، ويحقق ما نصبو إليه ونتمناه كأعضاء في السلطتين يدًا بيد بعيدًا عن الخلافات المفتعلة، متعالين على كل العقبات، وما يحاول البعض أن يخلقه من أزمات لعرقلة مسيرة التقدم.
تأزيم سابق وتعاون حالي
النائب عبد الحميد دشتي أكد أن التعاون بين السلطتين موجود حاليًا، وأن حالة عدم الاستقرار المستمرة والتأزيم السابق أوصلتنا إلى حالة عدم الارتياح والتذمر في شتى المجالات. "واليوم نحن في حالة مستقرة، وهناك حرص من المجلس والحكومة على أن يسود التعاون وفقًا للدستور من دون تنازل من سلطة إلى سلطة أخرى".
وأضاف دشتي في الجلسة السادسة للمؤتمر أن على الحكومة اختيار الكفاءة في التوظيف دونما تمييز، والابتعاد عن المحاصصة أو الاختيار الطائفي أو القبلي، ولدينا قوانين رائعة شرعها مجلس الأمة لتحل الكثير من الاختلالات.
البديل الاستراتيجي
وزير النفط ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة الدكتور علي العمير قال إن من بين الأولويات الحكومية في دور الانعقاد المقبل لمجلس الأمة موضوع البديل الاستراتيجي وقانون جمع السلاح والتربية الوطنية وقانون الأحداث إلى جانب القوانين الصحية والتعليمية.
أضاف العمير أن مشروع البديل الاستراتيجي يعتبر رغبة مشتركة بين الحكومة ومجلس الأمة، فهو يهدف إلى تقليص الفروقات في الرواتب للوظائف المتشابهة، مشيرًا إلى وجود بعض الاختلالات في الوظائف المتشابهة من ناحية الفروقات في الرواتب، وأن مشروع البديل الاستراتيجي جاء لتقليص هذه الفوارق، حتى لا يكون هناك توجه إلى وظائف معينة، وترك وظائف أخرى مشابهة لها بالأعمال، بسبب ارتفاع الرواتب في جهة عن الجهات الأخرى. مضيفًا أن المشروع من المقرر أن يقدم إلى مجلس الأمة ويعرض للمناقشة في الفترة المقبلة.
المحسوبية والوساطة أهدرت الكفاءات
النائب أحمد لاري حذر من سياسة الترضيات في توزيع المناصب والوظائف القيادية، قائلًا: للأسف كلنا سنخسر في النهاية إذا ما استمر أسلوب الترضيات، مشيرًا إلى أن المحسوبية والوساطة والبيروقراطية مثلث الخطر في إهدار الكفاءات الوطنية، وإن هناك تخبطًا وترديًا في مختلف الخدمات في قطاعات الدولة.
وأضاف أن الكويت دولة نفطية لأكثر من نصف قرن، ورغم ذلك نستورد الكفاءات المتخصصة في النفط، مطالبًا بضرورة تدريب وتأهيل الشباب الكويتي ليكون قادرًا على قيادة دفة البلاد وتحقيق التنمية المستدامة.
توصيات المؤتمر
في ختام أعماله انتهى المؤتمر إلى التوصيات الآتية:
أولًا: تعزيز التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لإصدار التشريعات اللازمة والكفيلة بتمكين الكفاءات الوطنية.
ثانيًا: توصيف وتوحيد المسميات الوظيفية وجداول الرواتب وما يترتب عليها من آثار، وكذلك نظم تقويم الأداء في كل الجهات الحكومية والتابعة للدولة.
ثالثًا: إدخال التعديلات اللازمة على قانون الخدمة المدنية بما ينظم تعيين القياديين وفق نظام متكامل لشروط شغل الوظائف القيادية في الدولة يستند إلى قاعدة البيانات الواردة من بنك المعلومات الخاص بالمرشحين لتلك الوظائف.
رابعًا: وضع استراتيجية تعليمية ديناميكية تتوافق مع متطلبات خطة التنمية وسوق العمل.
خامسًا: إنشاء هيئة لقياس مدى تطبيق معايير الجودة العالمية في الجهات الحكومية والتابعة للدولة والقطاع الخاص.
سادسًا: دعم مقترح مربع الشباب (Youth Square) المقدم من برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي والعمل على تذليل جميع العقبات التي تواجه تنفيذ ذلك المقترح.
سابعًا: وضع آلية وضوابط لضمان توظيف العمالة الوطنية وتدريبها في المشاريع التنموية، والمنظمات الدولية التي تساهم فيها دولة الكويت، والتأكد من الالتزام بتنفيذها.
ثامنًا: تشكيل لجنة منبثقة من المؤتمر برئاسة المنسق العام، وتضم في عضويتها من يختارهم من ممثلي الجهات الحكومية وأصحاب الاختصاص لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر وصياغة الاقتراحات بقوانين ذات علاقة، مع تقديم تقارير دورية لنتائج أعمال اللجنة.
تاسعًا: عقد مؤتمرات لمناقشة أهم التطورات الخاصة بتمكين الكفاءات الوطنية.
&
التعليقات