كما في الكونغو كذلك في سيراليون، يعاني الناجون من وباء إيبولا بعد شفائهم التام منه وصمة اجتماعية تلاحقهم إذ يخشى الناس الاختلاط بهم مجددًا رغم أنهم باتوا محصنين ضد المرض ومكتسبين مناعة تجعلهم غير قادرين مرة أخرى على الإصابة به أو نقله، لذلك يتطوع هؤلاء في جمعيات تعتمد عليهم في العناية بالمصابين وتوعية المُعالجين.


عواصم: ماذا سيحل بنا الآن بعدما نجونا من إيبولا؟، تسأل ماري بونغو الكونغولية، البالغة من العمر 58 عامًا، والتي تجد صعوبة في العيش بين الأحياء. وبعد ثلاثين يومًا من الصراع مع المرض، شفيت ماري، وسمح لها بمغادرة المركز الصحي لمنظمة "أطباء بلا حدود"، حيث يعالج مرضى إيبولا في لوكوليا على بعد حوالى 800 كلم شمال شرق العاصمة كينشاسا.

فقدت 12 فردًا
لكن معاناتها لم تنته بعد خروجها من المستشفى الميداني، المقام تحت خيمة كبيرة في قلب الغابة الإستوائية. فبعد عودتها إلى الحياة، اكتشفت أن الحمى النزفية قضت على معظم أفراد عائلتها وعدد كبير من أهلها. فقد قتل المرض ثمانية من أبنائها التسعة واثنين من أحفادها وأختها وأحد أقربائها. ولحسن حظها نجا زوجها. لا تتذكر ماري كيف نقلت إلى المستشفى الميداني، لكنها تقول "شعرت بالإعياء، وظننت أنني مصابة بالملاريا أثناء مشاركتنا في جنازة".

والآن، وبعدما خرجت، تقول "لم أر أيًا من أفراد عائلتي الذين رافقوني إلى المستشفى، لقد ماتوا جميعًا في غيابي". وماري من بين 12 ناجيًا من إيبولا، الذي قتل 43 شخصًا منذ نهاية تموز/يوليو في منطقة معزولة في شمال غرب جمهورية الكونغو الديموقراطية.

تأهيل نفسي
بعد شفائها، عادت ماري إلى قريتها إيتوكو على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى الجنوب من لوكوليا، ولكنها سرعان ما غادرتها. عن ذلك تقول: "لم أحتمل غياب أبنائي". تضيف موجّهة السؤال إلى مراسلة فرانس برس، وكأنها تتوجّه إلى المجتمع بكامله: "ماذا ستفعلون بنا؟". ويتولى الطبيب النفساني لدى وزارة الصحة أوليا بالايي مساعدة الناجين من إيبولا للاندماج في المجتمع، حيث "تلحق بهم وصمة" في معظم الأحيان في مجتمع الأدغال القروي.

يقول "لا توجد لديهم كهرباء، ولا تصل المياه إلى المنازل، ولا طرق معبدة. السكان يجهلون كل شيء عن الحداثة، التي وعدت بها الحكومة في إطار برامج التنمية. ويضيف بالايي "إيبولا مرض مخيف. الخوف مفهوم، لكن لا تنبغي المبالغة". ويقوم عمله على إعداد الناجين "لمواجهة ردود فعل الناس عندما يعودون إلى مجتمعاتهم"، وجعل الناس يفهمون أن الناجين "عادوا طبيعيين، وأنه لا ينبغي عزلهم".

يقول بالايي، الذي رافق ماري عندما عادت إلى قريتها، "لكي أثبت أنها لم تعد تشكل خطرًا عليهم، قمت بمصافحتها أمام الجميع". وتختلف نسخة إيبولا المنتشرة في لوكوليا عن تلك التي تنتشر في دول غرب أفريقيا، وهي سابع موجة تشهدها الكونغو الديموقراطية منذ اكتشاف الفيروس في 1976. ويقول بالايي إنه تم في الماضي تسجيل الكثير من حالات "الاكتئاب" لدى المرضى بعد شفائهم.

تطوع بعد مناعة
وعندما لم تتمكن من البقاء في قريتها، عادت ماري بونغو إلى لوكوليا، حيث تطوعت للعمل في المركز الذي عولجت فيه. وبما أن الناجين تتكون لديهم مناعة ضد الفيروس، فقد بات بوسعها الاقتراب من المرضى بلا خوف، في حين يضطر باقي العاملين في المركز لارتداء الملابس الواقية لتفادي أي تلامس مع المرضى أو إفرازاتهم. واهتمت ماري في البدء بالأطفال أبناء المرضى، الذين كانوا ينتظرون أهلهم في المركز. ومنذ بضعة أيام، باتت تهتم بطفل وضع في "العزل" بسبب الاشتباه في إصابته.

خارج حدود الشريط البلاستيكي البرتقالي اللون، ينتظر زوجها بوكومو إيروجي، المستعد دائمًا لدعمها ومساعدتها على نسيان صعوبات عملها. يقول إيروجي، الموظف في الصليب الأحمر، "سنعيش معًا من جديد، إنها زوجتي. أشكر لله على شفائها. لا أخشى الحياة معها".

... كذلك في سيراليون
بدورهم يأمل الناجون من فيروس إيبولا في سيراليون، الذين جمعتهم السلطات والأمم المتحدة، لمشاركة تجربتهم في استعادة مكانهم في المجتمع، بعدما ربحوا المعركة ضد هذا الفيروس، لكنهم فقدوا بسببه أقارب لهم أو عملهم أو ممتلكاتهم أو أيضًا مستقبل حياتهم.

يقول سينيسه موموه السائق، الذي يشارك مع 34 مريضًا آخر شفوا من هذا الوباء في "مؤتمر الناجين من إيبولا"، المنعقد الخميس والجمعة في منطقة كينيما، في شرق البلاد، وهي الأكثر تأثرًا بهذا الوباء: "نعامل مثل المصابين بالجذام، حيث ينبذنا المجتمع الذي نشأنا فيه".

مؤتمر توعوي
يؤكد السائق، الذي يعتقد أنه التقط الفيروس من راكب مصاب نقله من كينيما إلى كايلاهون على بعد نحو 50 كلم، "حتى أصدقائي ما عادوا يرغبون في وجودي معهم". أضاف أن "هذا المؤتمر سيساعد على تغيير أفكار الناس عنا". المزارع جيمس جيبه هو أيضًا من مجموعة الناجين، الذين ينتمون إلى مختلف الطبقات الاجتماعية، الذين حضروا بدعوة من الحكومة ووكالات ناشطة في مكافحة إيبولا، من بينها اليونيسف، لمشاركة تجاربهم في جلسات مغلقة.

قبل أن تنقلب حياته رأسًا على عقب، لم يكن جيبه يؤمن بوجود إيبولا. وفي إحدى الليالي، استضاف ابن عم له مريضًا، تم نقله من قرية مجاورة. "كان لا يكاد يستطيع السير بعدما أمضى الليل كله وهو يتقيأ"، كما قال المزارع، الذي أصيب بالفيروس نتيجة تعرّضه لسوائل جسد المريض. وأوضح أن إحدى الممرضات نقلته على الأثر بسيارة إسعاف إلى مركز معالجة إيبولا في كايلاهون، الذي يدين له بالشفاء. وأضاف "تلقيت هناك عناية جيدة، حيث كان يتم إطعامي ثلاث مرات في اليوم، وعرفت أنهم سيبذلون كل جهد لإنقاذي".

بعد شهرين "خرجت من المركز. لكن عندما عدت إلى قريتي، جوبهت برفض من كل الذين كنت أعرفهم"، وتحدث كيف وضع جيرانه حولهم حواجز لدى وصوله، ومنعوه من الذهاب لجلب الماء من البئر. حتى كلبه الصغير لم ينج من سوء المعاملة، "كلما اقترب من منزل أحد الجيران، كان الحيوان المسكين يتعرّض للرشق بالحجارة". وقال "عمليًا أعتمد فقط على ما تقدمه إليّ المنظمات الإنسانية".

إيزاتا يلاه سيدة أعمال أصيبت بالمرض عندما ذهبت لرؤية صياد سمك مدين لها بمبلغ مالي في كايلاهون. لكن خوفًا من التعرّض للرفض، طلبت منها شقيقتها الاختباء عندما جاء الفريق المكلف رصد حالات الإصابة المحتملة إلى منزلهم. وروت "عندما أصبح من الصعب عليّ تحمل الآلام، توجّهت إلى مركز تحاليل، حيث تأكدت إصابتي بإيبولا"، مضيفة "تم نقلي على الأثر إلى مركز للعلاج. وبعد بضعة أسابيع خرجت منه".

بيئة حاضنة
مع عودتها إلى المنزل "أبلغوني بأنني نقلت العدوى إلى زوجي، الذي توفي، وتركني وحدي مع أبنائنا الأربعة. كم كنت أتمنى لو أنه توجّه سريعًا هو أيضًا إلى المستشفى ليحصل على فرصة للنجاة". لكنها تعتبر نفسها "محظوظة" مقارنة بناجين آخرين. وقالت "أحمد الله على أن واحدًا منا بقي على قيد الحياة لكي يعتني بالأطفال. وما يشجّعني هو أن المجتمع تقبّل عودتي، ولم ينبذني".

درع للمكافحة
وقالت منظمة اليونيسف إنه أتيح للناجين في كينيما الاستماع إلى خبراء، بينهم خبراء في الصحة العقلية والنفسية، بشأن "طريقة التغلب على الصدمات والنبذ"... كما تعلموا من اختصاصيين كيفية "مساعدة موظفي الصحة والسكان على تقديم الرعاية إلى الأشخاص الموجودين في الحجر الصحي". وأوضح اليونيسيف أن هذا المؤتمر "مشروع ريادي" لضم 2500 ناج إلى فرق المكافحة، لكونهم اكتسبوا مناعة ضد الفيروس.

المسؤولة الحكومية لشرق سيراليون مايا كايكي وصفت الخميس الناجين بأنهم "أداة مهمة للتغلب على الوباء". واستنادًا إلى منظمة الصحة العالمية، فإن آلافًا من الناجين من الوباء في غرب أفريقيا أصبحوا محصنين من سلالة "زائير" من فيروس إيبولا. هذه الحصانة أتاحت لليونيسف أو المنظمات غير الحكومية أن تعهد لهؤلاء العناية بالأطفال الموجودين في الحجر الصحي أو الذين أصبحوا يتامى بسبب الوباء وأيضًا إنقاذ مرضى آخرين من خلال إخضاعهم لعمليات نقل دم من ناجين. كما عهدت منظمة الصحة العالمية إلى ناجين تعليم المعالجين كيفية الحد إلى أقصى حد من مخاطر انتقال العدوى.
&