غياب علاج لمرض إيبولا& مثير للقلق، لكن الطريقة المتبعة في تمويل أبحاث تطوير عقاقير جديدة تجعل غيابه متوقعًا، لأن الاهتمام بتطوير العلاج يتراجع إن كان المرضى فقراء أو قليلي العدد.

إعداد عبد الاله مجيد: اكتُشفت حمى إيبولا النزفية القاتلة في عام 1967. لكن الصناعة الصيدلانية عجزت طيلة هذه الفترة عن تطوير عقار ضدها. وينتشر وباء إيبولا الآن في غرب افريقيا، دون أن تتوفر أدوات طبية ناجعة لوقفه. وما كان متوفرًا من عقار تجريبي أُعطي لمريضين أميركيين نفد، ولم يبق منه شيء.

بأسعار باهظة

عندما تحدِّد شركات الأدوية أين توجه اموالها المخصصة لأعمال البحث والتطوير، تضع نصب أعينها بطبيعة الحال إمكانية تسويق الدواء الذي تريد انتاجه. ويعني هذا أن لدى الشركات حافزًا أكبر لاستهداف الأمراض التي تصيب الأثرياء، وخاصة في البلدان المتطورة حيث يستطيعون دفع اثمان عالية. كما أن لدى شركات الأدوية حافزًا لتطوير عقاقير يتناولها الناس بانتظام على امتداد فترة طويلة، مثل ستاتين المخفض للكولسترول.

ويؤدي هذا النظام مهمته في توفير العقاقير التي يريدها الغربيون، وإن كانت بأسعار باهظة في احيان كثيرة. لكنه يؤدي في الوقت نفسه إلى نقص هائل في الاستثمار لتطوير عقاقير معينة ضد أمراض معينة.

فالأمراض التي تصيب الفقراء في البلدان الفقيرة ليس لها اولوية في ابحاث شركات الأدوية، لأنه من المستبعد أن تحقق هذه الأسواق عائدات مجزية لهذه الشركات. لذا كان اهتمام شركات الأدوية بتطوير عقاقير لعلاج امراض مثل الملاريا والتدرن الرئوي، اللذين يقتلان مليوني شخص سنويًا، أقل من اهتمامها بخفض مستوى الكولسترول المرتفع.

غير مربح

هناك ايضًا ما تسميها منظمة الصحة العالمية "امراضًا مدارية مهملة" مثل مرض تشاغاس وحمى الضنك، اللذين يصيبان أكثر من مليار انسان ويقتلان نحو نصف مليون سنويًا. وتوصلت دراسة إلى أن من بين ما يربو على 1500 دواء طُرحت في السوق خلال الفترة الواقعة بين 1975 و2004 كانت عشرة عقاقير فقط موجهة ضد هذه الأمراض.

وعندما يكون ضحايا المرض فقراء وقليلي العدد، فإن عدم اهتمام شركات الأدوية بتطوير عقاقير ضده يكون مضاعفًا. وفي كلا الحالتين، يكون تطوير دواء ضد مرض فيروس إيبولا استثمارًا غير مربح بالنسبة للشركات الصيدلانية. وحتى الآن، لم يظهر مرض فيروس إيبولا إلا في بلدان فقيرة، واصاب عددًا صغيرًا نسبيًا من الأشخاص.

ليست وحدها المظلومة

لكن البلدان النامية ليست وحدها المظلومة بهذا النظام في تمويل الأبحاث الصيدلانية. فظهور ميكروبات مقاومة للمضادات الحيوية خلال السنوات الأخيرة جعل هذه العقاقير التي نستخدمها أقل فاعلية. وزاد خطر انتشار الأمراض، وخرج عن نطاق السيطرة.

ويتفق المسؤولون الصحيون على أن ما يحتاجه الغرب هو عقاقير جديدة يمكن حفظها من باب الاحتياط ضد حدوث وباء لا تستطيع المضادات الحيوية المعهودة أن تحتويه. لكن توفير مضادات حيوية جديدة انحسر، حتى كاد ينعدم خلال السنوات الثلاثين الماضية.

ونقلت صحيفة نيويوركر عن كيفن اوترسن، مدير برنامج القانون الصحي في جامعة بوسطن الاميركية، قوله: "ان مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية يمكن أن تغير كل ما يتعلق بنمط حياتنا".

سياسة صحية سليمة

تبقى المشكلة في التفكير التجاري السائد. فإذا تمكنت شركة صيدلانية من تطوير مضاد حيوي جديد قوي يُفترض ألا يكون استعماله واسعًا لكي يحافظ على مفعوله القوي وتُمنع الميكروبات من تطوير مقاومة ضده.

وأوضح اوترسن أن السلطات الصحية العامة ستعمل على الحد من بيع مثل هذا الدواء قدر الامكان، وهي سياسة صحية سليمة في خدمة المصلحة العامة ولكنها لا تبشر بآفاق تجارية مربحة للشركة المنتجة.

لذا يتمثل السؤال في إيجاد طريقة للحصول على العقاقير التي نحتاجها من دون الاضرار بمصالح الشركة التي تطور هذه العقاقير. ويكمن الحل في توفير حوافز مجزية للشركات التي تعمل على انتاج عقاقير تعود بالنفع على الصحة العامة. وأبسط طريقة لتحقيق ذلك هو تخصيص حوافز مادية وجوائز مالية للعقاقير الجديدة.

نحو مليار دولار

ويقترح اوترسن أن تقدم الحكومة مبلغًا ماليًا مجزيًا أو دعمًا ماليًا متواصلًا لشركة تصنيع الأدوية مقابل تنازلها عن حق بيع المنتوج. فالشركة ستحصل على حق اتعابها وتوفر على نفسها كل المصروفات التي يتطلبها تسويق منتوج جديد. وسيحصل المجتمع على دواء جديد ويكون المسؤولون الصحيون قادرين على التحكم بطرق ترويجه واستعماله.

وستكون التكاليف المطلوبة لنظام الحوافز والجوائز كبيرة في البداية، اذ أشار تقرير أخير أعدته إدارة الأغذية والأدوية الاميركية إلى أن تطوير مضاد حيوي جديد شديد الفاعلية يكلف نحو مليار دولار. لكن هذه التكاليف ستنقذ ارواحًا بتطوير عقاقير نحتاجها واتخاذ اجراءات احتياطية ضد وقوع كارثة في المستقبل. اما البديل فهو نظام لا يتعامل جديًا مع مخاطر قاتلة بسبب انعدام الحوافز المادية.