للمرة الأولى&منذ زمن بعيد، خلت طرابلس تمامًا من المسلحين، وعادة سالمة إلى كنف الدولة اللبنانية مع فرار آخر المجموعات المسلحة منها، ودخول الجيش إلى إحيائها.

بيروت: عادت طرابلس، للمرّة الأولى منذ زمن طويل، إلى كنف الشرعية اللبنانية، بعدما خلت تمامًا من المسلّحين، خلافًا لما كان يحصل في المعارك السابقة وفي الخطط الأمنية التي طالما انتهت بفرار المسلّحين، أو عودتهم إلى منازلهم وأعمالهم، مستعدين للعودة إلى السلاح في أي لحظة.

صاروا خارجها

فقد أوقف الجيش اللبناني نحو 164 مشبوهًا في معارك طرابلس وبحنين، شارك معظمهم في الاعتداءات على الجيش، فيما يعتبر 25 منهم مشتبهًا فيهم بالانتماء إلى المجموعات الإرهابية، بين الموقوفين عدد قليل من السوريين. وأكّدت مصادر عسكرية أن الجيش اللبناني&خاض في طرابلس معارك صعبة ومعقدة، بعدما استهدفه المسلحون المنتشرون داخل الأحياء السكنية، في مدينة مليئة بالمعالم الأثرية، متخذين من المدنيين دروعًا بشرية.

لكن الجيش تمكن من حسم المعركة، مع التأكيد أن المطلوبين شادي المولوي وأسامة منصور وخالد حبلص صاروا خارج طرابلس، إذ تواروا عن الانظار بعدما أخلى الجيش منطقة القتال من المدنيين، فخسر المسلحون بذلك درعهم البشري، وفروا مستغلّين الطبيعة السكنية للمنطقة.

لا جزر أمنية

ونقلت جريدة الحياة عن مصدر في قيادة الجيش قوله: "أعدنا المدينة إلى حضانة الدولة، وإلى أهلها الذين آزروا الجيش لإعادة الاستقرار ووقفوا إلى جانبه، ولم تعد هناك جزر أمنية أو مربعات ممنوع على القوى الأمنية الدخول إليها، وكانت تستخدم للإخلال بالأمن وتهديد الاستقرار".

وقال المصدر نفسه إن عملية الجيش في طرابلس إنذار نهائي لكل من يحاول العودة بالمدينة إلى الوراء، مؤكدًا أن وجود الجيش منع المجموعات الإرهابية المسلحة من إقامة دويلتهم الخاصة، وأن الدوريات مستمرة في طرابلس والتبانة والضنية والمنية وصولًا إلى عكار، لملاحقة العناصر المسلحة في الجرود والبساتين والأماكن الوعرة، وأنه سيلاحق الخلايا النائمة إذا كانت موجودة، من دون تعريض السلم الأهلي للخطر.

ولا تسوية

وكانت سرت شائعات عن تسوية حصلت في طرابلس، وفر بناء عليها الجيش ممرًا آمنًا للمسلحين ليخرجوا من المدينة. لكن مصادر مقربة من قادة طرابلس نفت حصول تسوية، مباشرة أم غير مباشرة، بين الجيش والمسلحين، وعلى رأسهم أسامة منصور وشادي المولوي.

وأشارت المصادر إلى تمكن وحدات الجيش من تضييق الخناق على المربع الأمني الذي تحصن به هؤلاء، ويقع فيه جامع عبدالله بن مسعود، حيث تواجد منصور والمولوي، ما اضطرهما ومن معهما إلى الاختباء في مكان ما، بعد استغلالهم وقف النار الذي حصل ليل الأحد، لتأمين ممر آمن لإخراج النساء والأطفال والشيوخ والجرحى إلى خارج التبانة.

وأضافت هذه المصادر أن فعاليات المنطقة لعبت دورًا في الضغط على المسلحين للانسحاب، وأنذرتهم بأنها ستتخذ موقفًا إذا لم ينكفئوا، بعدما أصيبت المنطقة بدءًا بسوق الخضار بدمار كبير، وقتل وجرح فيها عدد كبير من المدنيين جراء الاشتباكات.

لحظات عصيبة

وكانت إشاعة التسوية قد انطلقت في أعقاب تغريدات لمراسل القلمون، وهو الحساب الناطق باسم جبهة النصرة على تويتر، قالت إن إعدام الجندي علي البزال قد تأجل، بعد التهديد بتنفيذه، وذلك بعد فك الجيش اللبناني طوقه عن طرابلس.

وفي هذه الأثناء، عاش أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى جبهة النصرة وتنظيم (داعش)، لحظات عصيبة، بعد تطمينات صباحية من النصرة بوقف قتل بعض ابنائهم، تلاشت بعد الظهر مع تهديدات داعش.&فبعد أن أعلنت النصرة بدء تنفيذ عملية الإعدام بحق البزال عند العاشرة من صباح الأحد، بسبب الاشتباكات بين الجيش ومسلحي طرابلس، أجّلتها للثانية، قبل أن توقف قرار التصفية بتدخل من هيئة العلماء المسلمين.

ثم عاد الخوف بعد تلقّي الأهالي قرار النصرة مساء الاثنين بتنفيذ حكم القتل بحق البزال في الساعة الخامسة فجر الثلاثاء، "وإدراج إسم الأسير جورج خوري كورقة ضغط من أجل استدراك الوضع الداخلي في لبنان وأعذر من أنذر، وذلك نظرًا إلى عدم استجابة الجيش لشروطنا في شأن طرابلس".

وبعد ساعات صعبة في ساحة اعتصام الأهالي برياض الصلح، قدم موفد من النائب خالد الضاهر ليطمئن أهالي العسكريين إلى أن النصرة أجّلت الإعدام، بعد تواصله مع الشيخ مصطفى الحجيري الذي توجّه إلى جرود عرسال لإيقاف الإعدام.

وتلقت زوجة المخطوف لدى داعش خالد مقبل حسن اتصالًا منه يبلغها فيه أنه مهدد بالقتل مع المخطوف سيف ذبيان عند الثامنة من صباح اليوم الثلاثاء، وأن داعش سيسمّي ثالثًا لذبحه صباح اليوم. وأبلغ الخاطفون زوجة مقبل أنهم طلبوا من وزير الصحة وائل ابو فاعور "شيئًا ما".

عون في الافتاء

إلى ذلك، يشارك رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام في مؤتمر برلين لمناقشة ازمة النازحين السوريين في دول الجوار السوري. في هذه الاثناء، زار رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الافتاء ببيروت، وكشف بعد اللقاء أنه تلقى رسالة شفهية من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، معلنًا أن العلاقة مع الحريري لم تنقطع، غير أن المحادثات تجمدت بسبب اوضاع استجدت.

وأكد عون أنه ضد التمديد للمجلس النيابي، وقال: "نحن متفقون على سياسة عامة تحفظ البلد، وإن شاء الله غدًا ستعرفون ماذا فعلنا حتى لا تشتعل النيران". وعن زيارته إلى دار الفتوى، قال عون: "اننا في مرحلة سياسية جديدة تتميز بالوحدة الوطنية والسياسية الهادئة، وهذا مبتغانا".

وعقب على ما حصل في طرابلس قائلًا: "أعتقد أن الأزمة في طرابلس انتهت لكنها لم تنتهِ في الجوار، لأن هناك خلايا نائمة يمكن أن تظهر من وقت إلى آخر". ودعا عون إلى تخطي المرحلة بأقل قدر ممكن من الاضرار، وبدء مرحلة تتميز بالوحدة الوطنية. وقال: "حق الاختلاف مشروع لكن يجب ممارسته بهدوء وعدم اللجوء لممارسات مخالفة للقانون".